ترجمة وتحرير نون بوست
في غرفة معيشة ضخمة في شقة بمنطقة بعبدا – ضاحية جبلية تابعة لبيروت قريبة من القصر الرئاسي في لبنان – جلس الجنرال عصام أبو جمرا مرتديًا بزة البحرية الزرقاء على كرسي يبدو مريحًا ووثيرًا، وأمامنا على الطاولة وُضعت صينية تحتوي على كوبين من القهوة العربية ووجبة من الكنافة اللبنانية اللذيذة، وفي الخارج، أشرقت شمس منتصف الصباح على أفق مدينة بيروت الذي يمتد أمامنا، وانعكس إشعاعها على مياه البحر الأبيض المتوسط الهادئة.
في أوائل مارس الجاري أسس أبو جمرا (78 عامًا) حزب التيار المستقل، وهو حزب سياسي وليد، يزعم معارضته للتدخل الأجنبي في السياسة الداخلية اللبنانية، ولكن من منظور آخر، فإن مؤسس الحزب عصام أبو جمرا ليس وافدًا جديدًا إلى معترك السياسة اللبنانية.
بدأ أبو جمرا مهنته في الجيش اللبناني في منتصف الألفية السابقية، حيث اكتسب في نهاية الثمانينيات سمعة سيئة؛ إثر منصبه كنائب رئيس وزراء الحكومة العسكرية التي أنشأها العماد ميشال عون في بيروت الشرقية عام 1988، وذلك خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية في لبنان (1975 – 1990)، وفي ذاك الوقت، أثارت شرعية حكومة عون العسكرية جدلاً كبيرًا من قِبل الحكومة المدنية المنافسة – التي تدعمها سوريا – والتي أُنشئت في بيروت الغربية، حيث اتهمت هذه الحكومة عون باختلاس أكثر من 125 مليون دولار من أموال الدولة.
في عام 1990 تم نفي أبو جمرا إلى فرنسا عقب اتفاق توسط فيه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، وعاد بعدها إلى لبنان في عام 2005 مع الجنرال عون، بعد انتهاء الاحتلال السوري للبنان الذي استمر 30 عامًا، وأسس مع عون التيار الوطني الحر، وهو حزب سياسي مسيحي تضاعف حجمه ليصبح حاليًا ثاني أكبر حزب في البرلمان اللبناني.
يستذكر أبو جمرا تجاربه السابقة قبيل نهاية الحرب الأهلية اللبنانية ويقول “الفرنسيون كانوا يريدوننا أن نبقى وأن نؤسس حزب سياسي، ولكني كنت ضد هذا التصرف، كنت أعرف أنه سيتم اعتقالنا ببساطة من قِبل النظام السوري ليزج بنا في السجون، لذا قررنا الذهاب إلى المنفى، وانتظرنا حتى انتهاء الاحتلال السوري لنعود”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من النجاح الذي تمتع به التيار الوطني الحر، قام أبو جمرا بفك ارتباطه مع الحزب في عام 2010، اعتراضًا على ما أسماه تزايد أسلوب عون الاستبدادي في الحكم، كما ذكر أيضًا عوامل محفزة أخرى مثل اتفاق التيار مع حزب الله وشركائه الخارجيين – إيران وحكومة بشار الأسد – بناء عليه أسس أبو جمرا التيار المستقل الذي حظي بدعم عدد من المسؤولين رفيعي المستوى السابقين في التيار الوطني الحر الذين فكوا ارتباطهم أيضًا مع عون.
منذ نهاية الاحتلال السوري للبنان في عام 2005، هيمن على الساحة السياسة اللبنانية كتلتان سياسيتان متعارضتان، الأولى هي قوى 14 آذار المدعومة أمريكيًا والممولة سعوديًا وبقيادة تيار المستقبل السني، والثانية قوى 8 آذار المؤيدة لسوريا والمدعومة إيرانيًا وبقيادة حزب الله الشيعي، وفي عام 2006، وعلى الرغم من معارضة عون السابقة للوجود السوري في لبنان، انضم التيار الوطني الحر إلى قوى 8 آذار.
يقول أبو جمرا موضحًا بعض الأسباب الأخرى الكامنة خلف انفصاله عن عون “في انتخابات 2009، رشح عون مرشحين من خارج الحزب لشغل المناصب الوزارية، أنا كنت الشخص الثاني في الحزب، ومع ذلك لم يقم حتى باستشارتي، كان لدينا حوالي 70.000 مؤيد سُجنوا وتظاهروا تأييدًا لنا خلال نفينا، وبالمقابل قمنا نحن بترشيح شخصين من خارج الحزب!”، وأردف “لا بل إن عون أنشأ أيضًا قناة (OTV) على اسم زوجته وابنته”، وتابع موضحًا “الآن أنا أبدأ من المكان الذي انتهيت إليه عام 2010”.
يصف أبو جمرا الثنائية السياسية الحالية التي تهيمن على الحياة السياسية اللبنانية والمتمثلة بجماعتي 14 و8 آذار، بأنها سبب للتفرقة والخلاف، لأن هذين التكتلين يضمان أحزابًا سياسية تعمل لتحقيق مصالح معينة مفروضة من قِبل الجهات الداعمة الأجنبية، بدلاً من إعطاء الأولوية لمصالح الدولة اللبنانية.
“هناك أطراف سياسية في لبنان مرتبطة بالقوى الأجنبية، وهذا يؤدي إلى انقسامات داخل البلاد، لأنك إذا أخذت المال من قوى أجنبية، عليك أن ترهن نفسك بالنهاية لخدمة مصالحها” قال أبو جمرا، وأضاف متابعًا “بعض الأطراف اللبنانية أصبحت أكثر قوة من الدولة نفسها، أنا أسعى لتأسيس مسار جديد خارج تلك المسارات التي تقدمها قوى 14 و 8 آذار، وهذا المسار يزاول سلطته لمصلحة اللبنانيين فقط”.
تدخل حزب الله العسكري في سوريا لدعم حكومة الأسد، أدى إلى تفاقم التوترات السياسية بين قوى 14 آذار و 8 آذار، وخاصة بين تيار المستقبل وحزب الله، ولكن تزايد التهديدات الأمنية التي فرضها تواجد الجماعات المسلحة على طول الحدود اللبنانية السورية – ولاسيّما بعد قيام مسلحين ينتمون إلى الدولة الإسلامية وجبهة النصرة باقتحام بلدة عرسال الحدودية في أغسطس 2014 – أجبرت المجموعتين على الجلوس حول طاولة الحوار بغية تحقيق مصالح الأمن القومي، ولكن مع ذلك، النجاحات الملموسة لهذا الحوار اقتصرت حتى الآن على التوافق على حملة إزالة الشعارات الحزبية من الأحياء المختلطة سكانيًا في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية الكبرى.
لبنان بلا رئيس منذ 10 أشهر، والسبب بذلك يعود إلى فشل 8 آذار و14 آذار بالوصول إلى اتفاق على مرشح توافقي، لا بل وصلت الأمور إلى حد قيام مجلس النواب في نوفمبر الماضي بتمديد ولايته حتى عام 2017 بدون أي سند دستوري، وهو عمل يصفه أبو جمرا بانتهاك الشرعية.
يقول أبو جمرا “في بداية الحرب السورية لم تقم الحكومة اللبنانية بأي عمل لمنع الناس من الذهاب للقتال هناك، كان ينبغي علينا نشر الجيش اللبناني على الحدود وطلب المساعدة من الأمم المتحدة، ليس لديّ أي مشكلة مع حزب الله لو دعم الجيش اللبناني على طول الحدود، تحت قيادة الجيش وبهدف الدفاع عن الأراضي اللبنانية، إنما المشكلة تكمن إذا قاتل حزب الله أو حتى سنة لبنان خارج الحدود اللبنانية”، وتابع “الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله شيء فارغ، كون نواب الحزبين يختلفون ويتصارعون بشكل دائم في البرلمان، وربما يتحاورون فقط حول كيفية تقسيم الأرباح المستقبلية بينها والتي ستنجم عن الغاز والنفط الذي تم اكتشافه في البحر اللبناني”.
أشار أبو جمرا أن الأولوية الحالية للتيار المستقل تتمثل بإنشاء مكاتب في البلديات المحلية في جميع أنحاء لبنان قبل موعد الانتخابات البرلمانية المؤجلة حتى عام 2017، كما سيتم بذل الجهود للوصول إلى الجالية اللبنانية الضخمة التي تعيش في الخارج، وهو تكتيك اتبعه سابقًا التيار الوطني الحر في أوقات الانتخابات.
يقول أبو جمرا “نهدف في عام 2017 للحصول على مقاعد في البرلمان لنعاود حقن الحيوية ضمن البنية السياسية اللبنانية، تمامًا كما حدث عندما تم تشكيل التيار الوطني الحر وبدأ الناس يتركون الأحرار (حزب الوطنيين الأحرار) وحزب الكتائب اللبنانية للانضمام للتيار الوطني الحر”.
رغم تأكيد أبو جمرا على أن جميع اللبنانيين مدعوون للانتساب إلى التيار المستقل، بيد أن النقاد يزعمون أن هذا الحزب – مثل التيار الوطني الحر – سوف يجذب فقط الديموغرافية المسيحية في لبنان، وهذا ما رفضه أبو جمرا بشدة بقوله “يجب ألا يكون هناك دين في السياسة، حتى الآن اتصل بي سنة وشيعة ودروز ومسيحيون، الجميع يعرفني جيدًا منذ كنت مع التيار الوطني الحر والجيش اللبناني”.
تطرق أبو جمرا في حديثه معنا إلى المخاوف الأكثر إلحاحًا، حيث أشار إلى أنه بغض النظر عن تطلعات التيار المستقل، فلابد للبرلمان اللبناني من انتخاب رئيس جمهورية جديد (المركز المخصص دستوريًا لمسيحي ماروني) من أجل الوصول إلى شرعية الدولة، وتابع بقوله “هناك بعض القضايا التي لابد من التصدي لها في المستقبل، بالإضافة لمعالجة بعض الاختلالات المعينة، فعلى سبيل المثال، وفق الدستور، لا يجوز إعادة انتخاب الرئيس إلا بعد ست سنوات من انتهاء فترته الرئاسية، ولكن رئيس البرلمان (المركز المخصص دستوريًا لمسلم شيعي) يجوز له إعادة انتخابه بعد مدة أربع سنوات”.
يضيف أبو جمرا “ومع ذلك، فإن القضية الأكثر إلحاحًا الآن تتمثل بالحاجة إلى تعديل دستوري يضمن قيام رئيس الدولة المنتهية ولايته بتسيير الأمور لحين انتخاب خلف له، وهذا التعديل يخلق المزيد من الديناميكية في الحياة السياسية، لأن البعض يهدف إلى الإطاحة بالرئيس، فمثلاً لبنان عانى من الفراغات الرئاسية في عام 1988 وفي عام 2007 والآن يعاني من هذا الموضوع أيضًا، لذا يجب أن يكون النظام السياسي حاسمًا، وألا يوفر للبعض الثغرات حتى لا يعمدوا لاستغلالها”.
الفراغ الرئاسي الحالي في لبنان عائد – بأغلبه – إلى تعنت قوى 14 آذار و8 آذار وتمسكهما بمرشحيهما، حيث لم تسفر 22 جلسة لمجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد منذ فراغ سدة الرئاسة في مايو 2014، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن أيًا من المرشحين الحاليين لمنصب الرئاسة لن يحصل على العدد المطلوب من الأصوات للوصول إلى المنصب، علمًا أن عون – حليف أبو جمرا السابق – هو مرشح قوى 8 آذار، وعند سؤالنا لأبو جمرا حول هذه المسألة قال باقتضاب “المرشحون للرئاسة يجمدون الدولة” ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
خلال الشهر الماضي كان جدول أبو جمرا الزمني مزدحم باللقاءات والمقابلات مع الصحف والقنوات التلفزيونية المحلية والإقليمية، حيث حرص من خلالها على الترويج للتيار المستقل، ولكن مع ذلك، لم تقم جميع وسائل الإعلام المحلية بإفراد حصة من وقتها للحديث عن الجنرال السابق، حيث اختارت الشبكات الإعلامية العونية – المرتبطة مع التيار الوطني الحر- اللجوء إلى الصمت حول الحزب الجديد، وهو الموقف الذي علّق عليه أبو جمرا بقوله “كل حزب في لبنان لديه قنواته التلفزيونية والإذاعية والصحف التابعة له، فإذا كانوا لا يريدون الحديث عني، فليس عليهم ذلك”، قالها مع ابتسامة تدل على المعرفة، وأضاف “بالنسبة لي سأمضي فيما أقوم به”.
المصدر: ميدل إيست آي