في أثناء هذه اللحظات يتجهز نظام الأسد للكر على مدينة إدلب بعد تحريرها بالكامل من قِبل كتائب الثوار أمس، لتصبح المدينة الثانية التي تخلو من دنس آل الأسد ونظامهم بعد مدينة الرقة، وكما هو متوقع، لن يصمت الأسد وسفاحوه طويلاً على هذه الهزيمة النكراء التي منيت بها قواته في إدلب.
الأنباء المتواردة بين النشطاء في إدلب تؤكد أن نظام الأسد يجهز حملة جوية لاستهداف المدينة، ولكن هذا ليس بالجديد فالمدينة حُررت رغم القصف بالبراميل المتفجرة، التي اعتاد الشعب السوري على سماع دويها فوق الرؤوس، المختلف هذه المرة أن الضربة الجوية تتجهز لتكون بغاز الكلور المحرم دوليًا نكاية في المدينة وأهلها، لتضاف جريمة أخرى إلى سجل جرائم نظام الأسد التي بات من الصعب حصرها، كما تواردت الأنباء أن هذا القصف سيكون مدعومًا بحملة برية يقودها أحد مفاصل النظام الأمني لآل الأسد، سهيل الحسن، قائد العمليات الجديد في إدلب وهو قائد عمليات النظام في حلب سابقًا، وتتهمه المعارضة السورية بأنه المسؤول عن تعزيز نهج “إلقاء البراميل” على مناطق حلب المحررة والمكتظة بالسكان دون أي مبالاة، كما تشير تقارير الصحف الغربية عن هذا الرجل أنه يمتلك من الشراسة القتالية والولاء لنظام الأسد؛ ما جعلته يرتكب العديد من المذابح الميدانية بين أهالي المدن التي تسكنها المعارضة السورية.
هذه الأنباء تخبرك أن ثمة مجزرة يتم الإعداد لها حاليًا بحق إدلب وأهلها من قبل النظام السوري، ربما ذلك يعيد المخيلة العربية للوراء قليلاً – بضعة أيام -، حيث فشل عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني المستقيل المدعوم سعوديًا في حماية عدن وإدارة صراعه مع الحوثيين في اليمن، بالتزامن مع نجاح الحصار الحوثي المضروب عليه حتى كاد الحوثيون أن يقتحموا المدينة إلى أن أتت العاصفة السعودية المسماه بـ “عاصفة الحزم”.
هذه العاصفة ادعت السعودية وأبواقها أنها لحماية الشرعية في اليمن من المد الإيراني المتمثل في الحوثي وجماعته “أنصار الله”، دعونا لا نختبر مبادئ السعودية المتناقضة في مسألة شرعية الرؤوساء، لأنك ستجد أنه من الطبيعي والمألوف لدى القيادة السعودية أن تدفع مليارات الدولارات للإطاحة برئيس شرعي في مصر والزج به في السجن، مع الاستمرار في صب المليارات لجنرال قاد هذا الانقلاب تحت سمع وبصر السعودية، بينما ستغضب السعودية من الإطاحة برئيس موالٍ لها عن طريق الحوثي الموالي لإيران “بُعبع السعودية” في المنطقة.
أما غير ذلك، تستطيع أن تختبر المبادئ السعودية؛ هل هي مبادئ ساقطة مدعاه من عدمها؟! وإن كان البعض يملك الإجابة مسبقًا، لكن لنخوض الاختبار معًا، حيث القضية السورية التي تدعي المملكة مساندتها منذ أربع سنوات دون أن تقدم أي مساندة حقيقية للشعب السوري، سوى بعض الفتات المالي لجماعات مسلحة لا تستطيع أن تنقذ نفسها من الضربات الجوية للنظام السوري، فضلاً عن حسمها لمعركة مع النظام ككل على الأرض.
فهل للمملكة السعودية أن تغضب لدماء أكثر من ربع مليون سوري، أم أنه طالما آل الأسد لن يأتوا بجانب عرش المملكة العجوز فلا عاصفة ولا حزم.
وها هي إدلب يستعد بشار الأسد ونظامه لممارسة هوايته المفضلة بها وهي صناعة المجازر بحق المدنيين العزل، علينا في هذه اللحظة أن نذّكر الملك سلمان والجيش السعودي بأن يحشدا عشرة جيوش أخرى لحماية هؤلاء المدنيين من مذبحة ستتم بأسلحة كيميائية محرمة دولية، وإذا كان أمر حشد الجيوش مرة أخرى من الصعوبة على السعودية، فعلينا أن نخفف من مطالبنا، ونقول إن بضع طائرات سعودية من المائة المشاركة في عاصفة الحزم من أصل 185 طائرة مشاركة كفيلة بحقن دماء السوريين، أم أن إدلب السورية ليست كعدن اليمنية؟!! وإذا احتاجت السعودية لذرائعها وحشدها الطائفي فلن تعدمه في معركة إدلب لأن غالبية سكانها من المسلمين السنة – التي تتغنى السعودية بحمايتهم – ومن يقّتل فيهم “علويون” موالين لشيعة إيران الذين لطالما تغنت المملكة بالتصدي لهم .
الحقيقة أن كافة ما تدعيه السعودية وأذنابها المشاركون في عاصفة الحزم متوفر في الحالة السورية منذ أربع سنوات، لكن ثمة شيء وحيد غير متوفر؛ وهو المصلحة التي تحرك كل السياسات السعودية في المنطقة أو بمعنى آخر “تهديد العرش”، فحيثما يوجد تهديد حقيقي لعرش آل سعود تجد هياجًا وعواصف وبراكين إن أردت وكل ذلك مغلف بالمسحة الدينية الطائفية.
فالسعودية لن تعدم المشايخ والدعاة الذين سيعدون حروبها في سبيل العرش من الجهاد في سبيل الله، ولن ننس أيضًا أن نوجه إليهم الدعوة، بصفتهم المشرعن والمروج الديني لتصرفات آل سعود، للفت أنظار رجال العرش بأن هناك آلالاف الأطفال في إدلب فضلاً عن ملايين آخرين مشردين يحتاجون إلى عاصفة حزم كالتي باركتموها وأيدتموها، عليكم أن تذكروهم بألا يتحالفوا مع الحكومة العراقية ومن خلفها الولايات المتحدة في ضرب السنة بالعراق تحت ذريعة محاربة “تنظيم الدولة”، إذا نظرتم أيها المشايخ والدعاة بأعينكم لا بأعين آل سعود ستجدون الكثير والكثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية يحتاجون لعاصفة الحزم، لكن لا أحد يجيد التطبيل سوى لعاصفة واحدة هي التي يراها آل سعود فحسب.