يبدو أن مقطع الفيديو الذي تضمن مديرًا لإحدى مدارس محافظة ميسان وهو يضرب بعضًا من طلاب مدرسته الأطفال الذين تغيبوا عن الدوام ضربًا مبرحًا، قد أثار حالة سخط واستهجان لكثير من المتابعين، ورأوا فيه كل ما يناقض أخلاقيات التعليم واحترام إنسانية الطالب.
https://www.youtube.com/watch?v=D__mvHlDt38
في حين سخر البعض من ردود الأفعال هذه ووصفوا سلوك المدير بأنه عادي مقارنة مع أسلوب المعلمين ومدراء المدارس الآخرين الذين “تربوا” على أيديهم!
أيًا كان الحديث حول الحادثة إلا أن الفصل الذي أمر به وزير التربية بحق مدير المدرسة لا يُعد كافيًا، فأمثاله كثيرون ومن يدري قد يكونوا الأسوء، ولسوء حظ هذا المدير كانت عدسة الكاميرا الخفية تلتقط أسلوبه الوحشي هذا مع طلابه ولم تلتقط وحشية أمثاله.
قبل كل شيء، من الأولى أن يُستهجن القانون التعليمي الذي أخرج هذا الإنسان معلمًا وأوصله إلى مستوى المدير، من الأولى أن نستهجن نظامًا تربويًا كاملاً بحاجة إلى التعديل والإصلاح والتغيير، ففي معظم دول العالم مثلاً يشترط لقبول الطالب في كليات معلم الصف أن يكون قد أنجز الثانوية كأقل تقدير إلا في الدولة العراقية التي تكتفي بالشهادة المتوسطة حتى يدخل الطالب لمعهد إعداد المعلمين حتى وليس كلية فيبدأ بدراسة المناهج البدائية التي لا ترقى بمستوى المعلم للمكانه التي يستحقها ويبقى يبصم مناهج العلوم والرياضيات والمواد الاجتماعية ليقدمها لاحقًا إلى تلاميذه بالبصمة ذاتها.
لماذا تخلو مناهج إعداد المعلمين من مادة في الآداب العامة أو الأخلاق الإنسانية أو قوانين في احترام الطالب وتقديره وتدريبهم على مخاطبة عقول الأطفال ودراسة شخصياتهم، إضافة للمواد العلمية والأدبية؟
لماذا لا يتم تأهيل المعلم تربويًا وسلوكيًا قبل تأهيله أكاديميًا وتتخذ شروط لتخريج المعلم منها بل لقبوله في المعهد أساسًا؟
لماذا لا يكون الإبداع الذاتي هو سيد المعرفة في تلك المعاهد، فبقدر الإنتاج الذي يبتكره المعلم تُرفع درجته ويكون قد عبر مرحلة من مراحل تأهيله لهذه المهمة؟
قرأت أن في أمريكا مثلاً تكون الدراسة العادية لإعداد المعلم هي أربع سنوات وقد تصل إلى خمس سنوات، ويقوم أساس إعداد المعلم على تدريبه في ثلاثة مجالات هي: مجال الثقافة العامة التي تساعده على توسيع أفقه ومداركه في تربية التلاميذ وتعامله معهم، يليها مجال الثقافة الخاصة التي تتعلق بتخصصه في مادة دراسية أو في ميدان من الميادين، وأخيرًا مجال الثقافة المهنية التي تتعلق بدوره كمعلم وإكسابه المهارات المهنية، أما في مجتمعاتنا فيتم إحالة الطلاب من ذوي المعدلات الدنيا والمستويات الهابطة علميًا وأكاديميًا إلى معاهد وكليات المعلمين.
الصغار الذين دخلوا المدرسة ولا يمتلكون العلم بعد ولا يفقهون الدراسة وقوانينها كيف يتم إجبارهم على واجباتهم اليومية وتحضيراتهم الإجبارية؟ كيف تتم إهانة طالب قَصر بدرسه امام أقرانه؟ فكيف بمن يضرب طلابه؟ هناك تقرير للرصد العالمي للتعليم يؤكد أن هناك حوالي 6.5 مليون طفل في العالَم العربي غير ملتحقين بالتعليم، وهناك نسبة من 7 إلى 20 % من الملتحقين بالتعليم يهربون منه بعد المراحل الأولى!
المعلم يجب أن يكون ممثلًا بأخلاقه قبل علمه، بإنسانيته قبل مهنيته، فالطالب الذي يقضي نصف يومه في المدرسة مع معلميه وأساتذته بحاجة الى قدوة له، مرآة خارج منزله، والطالب عادة يصغي إلى كلام معلمته أكثر من أمه، يخاف منها إن قصر بواجبه، يحترم حضورها في الدرس، يقدس ما تقوله له، وينفذ كل أوامرها، بل يجبر أهله على تنفيذ كل ما تريده من متطلبات، هذا المعلم أو المعلمة إن لم تكن أهلًا لهذه الأمانة، ولهذه المهمة والرسالة فلتتقاعد في بيتها أو فلتبحث عن وظيفة أخرى تناسبها.
التعليم لا يكون بالقسوة والتخويف والتهديد؛ قد تكون المعلومة في لعبة جميلة تقدمها للطلاب فتبقى راسخة في عقولهم، قد تكون في مسابقة، قد تكون في الرسم والتلوين، ووصل المعلومات ببعضها من خلال ألوانها المتطابقة، قد تكون المعلومة في رحلة، خاصة إن كانت هذه الرحلة كجائزة للطلاب على هدوئهم وأدبهم داخل الصف، قد تكون المعلومة على شكل أغنية يرددها الطلاب خلف معلمهم، كثيرة هي طرق الإبداع في إيصال فكرة التعليم النموذجي إلى الطلاب، وقليلة تلك الطرق الهمجية التي تسيء إلى التربية والتعليم أولها الضرب ورداءة الألفاظ والكلمات النابية، التربية والتعليم رسالة أخطر حتى من وسائل الإعلام على الأطفال، فهي ترسيخ للعقل الإنساني وبناء للشخصية وإعداد لجيل سيكون حاميًا حافظًا لبلاده ناهضًا بأمته يومًا ما، هنيئًا لمن كان بهذا الموضع الجليل، ذي الأمانة العظيمة، فهل بربكم يستحق هذا المدير أن يكون مديرًا؟