مما لاشك فيه أن الضربات الجوية على الحوثيين “عاصفة الحزم”، أسعدت ملايين العرب واليمنيين، كيف لا، وهي تقف بوجه أحد أذرع الأخطبوط الأيراني في المنطقة، لكن ومن غير العادة على الدول الخليجية أن تقف إلى جانب قضايا أشقائها العرب المصيرية! ما يقودنا إلى عدة تساؤلات منها: هل أدركت الدول الخليجية مؤخرًا حقيقة الخطر الإيراني عليها من خلال اليمن؟ ولماذا قُصف الحوثي بهذا التوقيت، ولماذا قُصف أصلاً؟ وهل سيهزم؟
إن السلوك المدروس لأذرع إيران في المنطقة والتي يعتبرالحوثي جزءًا منها، ليست إلا أوراق ضغط إيرانية في المفاوضات حول مشروعها النووي، وذلك منذ تم الكشف عن مشروعها في عام 2002، إن أحد الضغوط الإيرانية على المفاوضين هي التهديد بإغلاق مضيق هرمز، والذي يعد منفذًا للتجارة الدولية والنفط، ويمر عبر باب المندب، إلا أن مضيق باب المندب ليس كمضيق هرمز الذي هددت إيران بأغلاقه مرارًا وتكرارًا ولم تفعل ذلك؛ لإدراكها أن إغلاقه يعد تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، ما سيستدعي تدخل مجلس الأمن ضمن الفصل السابع، في حين أن “باب المندب” يخضع لسيطرة القوى الكبرى والقانون الدولي، لكن من الممكن التأثيرعليه بعمليات القرصنة البحرية في خليج عدن أو عند السيطرة على عدن، فالتأثيرعليه والتهديد بإغلاقه فقط يؤدي إلى رفع أسعار النفط، وتأجيل عشرات الرحلات التجارية الدولية ويخلِف أزمة اقتصادية عالمية.
لذا عند تحرك الحوثي باتجاه عدن، أدركت الولايات المتحدة اللعبة الإيرانية، فالهدف الإيراني رفع أسعار النفط من جهة، والضغط والتأثير على التجارة الدولية المارّة عبره من جهة أخرى، خاصة وأن جون كيري مع الدول الست الكبرى في “لوزان” السويسرية، يتفاوض مع الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق سياسي مع انتهاء المهلة الأولى في نهاية الشهر الجاري، فالمفاوضات لا تجري على الطاولة فقط.
فعاصفة الحزم ما هي إلا تطابق، وعن طريق الصدفة، بين إحدى أخطاء السياسة الإيرانية النادرة في مفاوضات مشروعها النووي، مع ردة الفعل الخليجية والأمريكية عليها وعلى تمدد الحوثي، وعلى عدم التزامه بالشرعية والمبادرة الخليجية، إضافة إلى أن التحالف التركي – السعودي الذي يُنتظر منه الكثير، لم يعطي بعد صورته الفعلية على أرض الواقع في المنطقة؛ لذا جاءت عاصفة الحزم لتوضح صورة التحالف الجديد في المنطقة، خاصة إذا توافقت مع الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة النفوذ الإيراني.
إن تراجع إيران في عدة مناطق في العراق وسوريا في الأسبوع الماضي في تكريت وإدلب، يوحي بأن معادلة التحالفات وتوازن القوى الإقليمي تراجعت بالنسبة لإيران؛ لذا لم تعد إيران قادرة على فرض قواعد اللعبة، لكنها قادرة على إفساد ألعاب ومشاريع القوة الأخرى.
لكن الحوثي لن يهزم نهائيًا، بل سيحجَم ويُجبر ربما على الجلوس على طاولة المفاوضات، مع عودة الرئيس الشرعي، فلا سبيل غير الحوار والمفاوضات، فالجماعات المسلحة لا تهزم أبدًا، ولم تهزم في أي بلد من البلدان تاريخيًا، خاصةً إذا كانت تحمل عقيدة، وتقاتل في المناطق الجبلية الوعرة كجماعة الحوثي، وتجيد حرب العصابات التي تُعد من أصعب وأخطر الحروب في العالم، وبأسلوب “الفيت كونج” الفيتنامي (اضرب واهرب)، فلو كان بالإمكان هزيمته نهائيًا؛ لهزَم الأمريكان حركة طالبان في أفغانستان ومن قبلهم الروس والبريطانيين، ولهزمت إسرائيل حزب الله وحماس، ولهزمت تركيا حزب العمال الكردستاني شمال العراق؛ فلا سبيل للحل، إلا طاولة الحوار، إن كان يؤمن بالحوار.