بصدور البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة 6 مارس 2013 والذي قرر تسليح المعارضة السورية، خرجت المسألة عن السعي لمعالجة الأزمة وفق الأطر السياسية والدبلوماسية، من إطار التكتم إلى العلن.
ولعامل القرب والعديد من الملفات الشائكة المشتركة التي فرضتها الثورة السورية على الجار الجنوبي، كانت الأردن في مقدمة الدول المعنية بالبيان، بحسب مراقبين، لتبدأ عملية التباحث الرسمية بين الخارجية الأردنية ورئاسة “الائتلاف الوطني” الذي اعتبرته جامعة الدول العربية الممثل الشرعي للشعب السوري.
هذه محاولة في هذا الملف لتسليط الضوء على علاقة النظام الأردني بالمعارضة السورية خلال 4 أعوام من عمر الثورة السورية، استكمالًا للملف السابق الذي تحدث عن شكل العلاقة بين النظامين الأردني والسوري خلال الثورة.
محطات هامة
بعد مضي ثمانية أشهر على انطلاقة الثورة السورية قال الملك عبدالله الثاني في حواره مع قناة بي بي سي (14 أكتوبر 2011) “لو كنت مكانه لتنحيت عن الحكم”، في إشارة واضحة للرئيس السوري بشار الأسد.
إعلان الناطق الرسمي الأسبق باسم الحكومة سميح المعايطة، دخول رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب إلى الأردن في أغسطس 2012، شكل بداية الخروج من إطار التحفظ إلى التقارب شبه العلني مع قوى المعارضة السورية.
بشكل عام، لم يكن التوجه الرسمي في الأردن بمعزل عن التوجه الشعبي بخصوص الثورة السورية، فقد نشرت صحيفة الرأي القريبة من الحكومة في سبتمبر 2012 نتيجة استطلاع للرأي نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة من 5 – 11 يوليو، خلص إلى أن 82% من الأردنيين يؤيدون الثورة السورية والأغلبية تدعو لتنحي الأسد.
وبين الاستطلاع أن “المجتمع الأردني لا يتعاطى مع تطورات الأحداث السورية من منطلق متابعة قضية خارجية، بل يتفاعل مع الأحداث في سورية من منطلق التعامل مع قضية داخلية أردنية”.
وفي سبتمبر 2012 قالت مصادر رسمية بارزة في الأردن لصحيفة الحياة اللندنية إن “السلطات الأردنية دخلت في شكل غير معلن على خط ترتيب البيت الداخلي للمعارضة السورية، وإن هذا القرار ترجم عمليًا، عقب الزيارة السرية التي قام بها العميد السوري المنشق، مناف طلاس، للأردن واستمرت ليومين”.
والتقى طلاس خلال الزيارة التي تكتمت الحكومة الأردنية عن ذكر تفاصيلها برئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، الذي كان الأردن قرر احتضانه في وقت سابق شريطة تجميد أنشطته المفترضة على الساحة المحلية.
وتحدثت تقارير عن لقاء تم بين مناف طلاس والملك عبدالله الثاني، يرافقه رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، وهي الأنباء التي لم تؤكدها أو تنفيها الحكومة الأردنية في حينها.
الأردن: الائتلاف ممثل شرعي
قبل البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب بعدة أيام، أكد مسؤول بارز في الحكومة الأردنية لصحيفة القدس العربي أن تدريب عناصر من الجيش السوري الحر على الأراضي الأردنية ليس حديثًا، ولا يشكل برنامجًا له علاقة بالمزيد من التدريبات مستقبلاً وهو ما كشفت عنه صحيفة التايمز الأمريكية في وقت سابق.
ونقلت صحيفة القدس العربي عن المسؤول أن التدريبات ترتبط بعلاقات واتفاقيات أمنية كانت الحكومة الأردنية قد وقعتها عدة مرات لحماية حدودها مع سورية بعد موجات النزوح للاجئين والتوتر الحدودي، كما يرتبط بخطة طوارئ أردنية غربية إسرائيلية وضعت للاحتياط من السلاح الكيماوي السوري في حال حصول فوضى.
بعد القرار بعشرة أيام، أعلن مصدر دبلوماسي عربي لوكالة الأنباء الفرنسية “تحرك معدات عسكرية سعودية إلى الأردن لتسليح الجيش السوري الحر”، وقالت مصادر مطلعة في المعارضة السورية للحياة اللندنية “إن طلاس توجه إلى معسكر الجنود المنشقين في مدينة المفرق الحدودية، حيث التقى المئات من كبار الضباط والعمداء المنشقين، وتركز اللقاء على بحث الأوضاع الميدانية والعسكرية التي تعيشها المعارضة المسلحة في سورية”.
صحيفة التايمز الأمريكية عادت لتقول إن الأردن يسعى لتبديد انطباعات النظام السوري بإظهار قدر من التعاون مع معسكرات تابعة للجيش النظامي زودها الأردنيون بالمحروقات والماء والطعام في رسالة “حسن نوايا”.
في مواجهة مصادر غربية
في مقابل النفي الأردني المتكرر لتدريب المعارضة السورية على أراضيه ووجود قوات أمريكية معنية بهذا الشأن، كشفت صحيفة التايمز اللندنية في أكتوبر 2012 عن إرسال قوات بريطانية إلى الأردن تحسبًا لفقدان النظام السوري السيطرة على أسلحة الدمار الشامل.
وأضافت الصحيفة، أن دور القوات البريطانية يتمثل في تقديم الدعم للجنود الأمريكيين المنتشرين على مسافة 55 كيلومترًا عن الحدود السورية، في تأكيد ضمني على التواجد الأمريكي.
وعادت التايمز البريطانية، في مارس 2013 إلى نشر خبر مفاده أن واشنطن وحلفاءها يدربون “المجموعات المعتدلة” التي تقاتل من أجل إسقاط نظام سوريا على الأراضي الأردنية، والمعني الجيش السوري الحر.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين استخبارتيين أن الجيش الحر يتلقى تدريبات على المناورات المعقدة، مثل كيفية تأمين المنشآت التي تضم الأسلحة الكيميائية، وتعد هذه السياسة وسيلة للسيطرة على مصير الأسلحة الموردة إلى المقاتلين.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز كشفت بدورها عن تعزيز واشنطن دعمها للمعارضة السورية، عبر تدريب مقاتلين من المعارضة بإحدى القواعد في المنطقة.
بالتزامن مع كشف نيويورك تايمز أكد وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، وجود فريق أمريكي في الأردن لمساعدة الأردنيين في التعامل مع تدفق اللاجئين السوريين ولمواجهة احتمال حصول إشكالات تخص مستودعات الأسلحة الكيماوية السورية، وقال مصدر رسمي أردني – رفض الكشف عن اسمه – إن قوام القوة الأمريكية 150 شخص وأنهم موجودون في الأردن منذ عدة أشهر، بحسب صحيفة السبيل.
في حينها ذكرت مجلة دير شبيجل الألمانية في تقرير صحفي، أن خبراء أمريكيين يشاركون في التدريبات السرية التي يتلقاها مقاتلون تابعون للمعارضة السورية في الأردن منذ نحو ثلاثة أشهر، حيث إن عدد مقاتلي المعارضة السورية الذين تم تدريبهم هناك بلغ 200 رجل.
وأضافت أن بعض المدربين الأمريكيين كانوا يرتدون زيًا موحدًا، لكن من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء يعملون لحساب شركات خاصة أم في مهام تابعة للدولة.
وكانت صحيفة وول ستريت الأمريكية قد قالت في وقت سابق من العام 2012، إن “الأردن يدعم المعارضة السورية ويمدها بالأسلحة عبر حدوده”، ونقلت الصحيفة عن مقاتلين يتمركزون على الحدود السورية الأردنية أن “قطر تسدد أثمان هذه الأسلحة وتتولى نقلها إلى الأردن”.
بدوره، علق الكاتب في صحيفة الغد، فهد الخيطان، على التجاهل الرسمي للتقارير الصحفية الغربية، التي تشير إلى دور أردني مباشر في تسليح المعارضة السورية، وتدريب المئات من عناصرها في معسكرات قرب العاصمة عمان، ويشرف عليها مدربون من الولايات المتحدة الأميركية، بأنها “تنبئ بتحول جوهري في الموقف من الصراع في سورية، وذلك سيعمق من حالة الانقسام الداخلي حيال الأوضاع في سورية، وسيطرح على الدولة سؤالاً ولو بعد حين: هل يساهم تسليح المعارضة في تسريع الحسم في سورية، أم سيجعلها أقرب لحرب أهلية طاحنة وطويلة؟”.
معارضون: الأردن يدرب عملاء
لم يكن النظام الأردني في مواجهة اتهامات النظام السوري ومناصريه في دعم الثورة السورية وتدريب المنشقين فحسب، فقد اتهم قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد الأردن بتشكيل “الجيش الوطني السوري” بالتعاون مع أمريكا.
وكشف الأسعد من خلال حسابه على تويتر أكتوبر 2013، عن تخريج 60 ضابطًا منشقًا أغلبهم برتبة عقيد كدفعة أولى مما يسمى “الجيش الوطني” بالأردن، وبتدريب أمريكي، سيتبعها تخريج 180 ضابط، وصفهم بـ”العملاء” للاستخبارات الأمريكية.
وزاد الأسعد “وشكل أيضًا ما يسمى بالقضاء، بإشراف وتدريب مؤسسة أمريكية، حتى تكتمل القصة، ويكتمل بيع البلد، ويبقى تحت العمالة بوجوه جديدة”، وفي تغريدة أخرى أضاف “أُنشئ ما يسمى الأمن الوطني بتدريب وإشراف مؤسسة أمنية بريطانية تشرف على تعيين ما يسمى بقادة الشرطة في المناطق المحررة”، منهيًا حديثه بتساؤل: “هل هي الخسة؟”، على حد تعبيره.
وقد أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس في مطلع فبراير الماضي عن بدء العمل بتشكيل جيش وطني واحد مكوّن من 60 ألف مقاتل تشارك فيه جميع القوى الثورية والعسكرية السورية، على أن يعمل وفق الأنظمة والقوانين الدولية.
من جهتها لم تعقب الحكومة الأردنية على ما أورده العقيد رياض الأسعد من المساهمة بتشكيل الجيش الوطني السوري وتشكيلات أمنية وقضائية، ولم تبين علاقتها بما أعلنه إدريس.
تدريب عشائر مضمون ولائها
في الآونة الأخيرة باتت الحكومة تتخذ موقفًا علنيًا بمسألة تدريب عشائر سورية “مضمون ولائها” على الأراضي الأردنية، ولكن باتجاه تنظيم الدولة المعروف بـ “داعش”.
الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني قال مؤخرًا، إن تدريب أبناء العشائر والشعب السوري يأتي في إطار تكاملية الجهود الدولية لتدريب الجنود العراقيين والبشمركة الكردية والتي يقودها التحالف الدولي المكون من 60 دولة لمواجهة الإرهاب.
صحيفة العرب اليوم قالت أول أمس إن الأردن سيقوم بالإعلان رسميًا عن معسكرات التدريب وأعداد المقاتلين المستهدفين، وآلية التنسيق بينه وبين المجندين المنوي تدريبهم من قبل التحالف، كما رجح مسؤولون أمنيون لـ “العرب اليوم”، بحيث يكون التدريب من قبل عناصر أردنية لأسباب خاصة، وقد يكون التدريب في المناطق التي تسيطر عليها تلك العشائر أو في معسكرات أردنية إذا لزم الأمر، ويعود السبب إلى أن اختلاف الرؤى حول المهام التدريبية والأشخاص المستهدفين والغرض من المهمة التي فرضت تلك الإستراتيجية.
وفق الإستراتيجية الرسمية للأردن، فإنها لا تعول على دعم قوى المعارضة “المعتدلة” حسب تسمية التحالف، بسبب انقسامها على نفسها وأنها تكاد تتلاشى، وأغلب الفصائل ذات التوجه الإسلامي الراديكالي كجبهة النصرة لا يؤمن لها، فضلاً عن اختلاف الرؤية الأردنية عن المقاربة الأمريكية أو التحالف التي تنادي بدعم المعارضة السورية وتسليحها على أمل أن تحل مكان داعش في السيطرة على محافظات الرقة ودير الزور ومناطق أخرى.
الجدير ذكره، تجديد المومني في مؤتمره الصحفي تأكيد موقف الأردن الذي وصفه بـ “الثابت” والذي لم يتغير منذ بدء الأزمة في سوريا بإيجاد حل سياسي، وأن يجتمع جميع الفرقاء السوريين على طاولة الحوار بالاستناد إلى مقررات مؤتمر جنيف1، وهو ما يراه مراقبون تناقضًا في تصريحات حكومية، فخط الحكومة الأردنية منذ بداية الثورة أو ما توصف بالأزمة مر بمراحل عدة ولم تكن ذات موقف ثابت تراوح بين الحل السياسي والدعوة للتنحي واحتواء المنشقين وتدريب “المعارضة المعتدلة”، إلى الدخول بالتحالف الدولي تحت عنوان القضاء على تنظيم الدولة أو ما يعرف بداعش.
المصدر: شبكة أردن الإخبارية