ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تمت حياكة السيناريو منذ انضمام لوران فابيوس للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، حيث اكتفى وزير الخارجية الفرنسي بإلقاء كلمة مختصرة ثم عاد على عقبيه دون فتح مجال الأسئلة كما فعل سنتي 2013 و2014 بكل من جنيف وفيينا، بقصد إبراز الفرق بين موقف فرنسا وبقية البلدان، وذلك مع اقتراب موعد الحسم.
ولم يتغير سيناريو المناسبتين الماضيتين، حيث بادر فابيوس يوم حلوله بلوزان يوم 28 بالالتحاق بنزل فخم على ضفاف بحيرة جنيف، قبل أن يلتحق بمكان الاجتماع ليلقي كلمة عبّر فيها عن تحول موقف فرنسا نحو مزيد من الصعوبة، تحول انتظره الجميع بفضول على الرغم من توقع حدوثه.
هذا وقد اتسم خطابه بدقة تفصح عن تخير مصطلحاته بعناية معتادة، إذ افتتحه قائلاً “لقد جئت هنا أملاً في إحراز تقدم للتوصل إلى اتفاق صلب”، ثم أكد على ضرورة خلق آليات تضمن الشفافية ومراقبة أي اتفاق مستقبلي للتأكد من الالتزام بكل التعهدات، مما يوضح استعداد فرنسا للموافقة على أي اتفاق يضمن قدرًا من الشروط ويشير إلى حزمها في مواطن عدة.
نسق مطلبي غير كافٍ
على الرغم من تواصل المفاوضات التي اعتبرها لوران فابيوس صعبة، إلى حدود يوم الأحد بمشاركة بلدان الخمسة زائد واحد في سويسرا، يحظى الموقف الفرنسي كعادته دومًا بقدر وافر من التدقيق والترقب، حيث سجلت السنتان الماضيتان فرادة دور فرنسا وصلابة مواقفها.
كان ذلك واضحًا في التاسع من نوفمبر 2013 بجنيف، حين هز وزير الخارجية الفرنسي اجتماع الدول الست برفضه الموافقة على نص مشترك للولايات المتحدة وإيران بعلة تساهله مع طهران، ليتم بعد أسبوعين تعديل عدد من البنود والتوصل إلى حل مبدئي مع إيران، يقضي بوقف البرنامج النووي الإيراني ورفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنة 2006.
ويبدو أن مفاوضات لوزان ستنتهي إلى إعادة تبني هذه الإستراتيجية التي تعتمد على التهديد بعودة العقوبات في الحالات القصوى، من جهتها أوضحت فرنسا أن الولايات المتحدة تطالب بمزيد من التنازلات نحو إيران، الأمر الذي أثار غضب الأمريكيين، غير أن ذلك لم يكن سوى بادرة تحذير تبنى لوران فابيوس بعد أسبوع منها نبرة أقل حدة، فهل ستصل فرنسا إلى حد رفض حل توافقي تجمع عليه دول الخمسة زائد واحد؟ يذهب أحد الديبلوماسيين إلى صعوبة حصول ذلك، مقدرًا صعوبة رضى هذه الدول ذاتها على شروط لا تروق الفرنسيين.
وصاية على الملف
يندرج الموقف القوي الذي يدافع عنه وزير الخارجية الفرنسي ضمن نهج استمراري تبنته دولته منذ اثني عشرعامًا، حيث كانت فرنسا أول من بادر بالمفاوضات مع إيران؛ مما جعلها تعتبر نفسها الوصي على النزاع القائم حول الملف النووي الإيراني وتطالب بتصدرها المشهد الدبلوماسي لهذا الشأن، الذي تعتبر أن له دورًا في تشكيل ثقافتها الإستراتيجية.
يذكر أن الدور الدبلوماسي الرائد لفرنسا يعود إلى سنة 2003، في خضم الصراع الأمريكي في العراق الذي عارضته خارجيتها، حين نجح وزير الخارجية السابق دومينيك دي فيلبان في التوصل إلى توافق دولي بخصوص الملف النووي الإيراني بتشجيع من جاك شيراك، الرئيس الفرنسي آنذاك، مبرزًا إمكانية التوصل إلى حل سلمي بخصوص مسألة التهديد الذي يطرحه حيازة أسلحة الدمار الشامل، مما يدحض حجة أمريكا للتدخل في العراق.
هذا وقد أحسنت إيران استقبال الوفد المفاوض للترويكا الذي ضم كلا من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، الأمر الذي شكك في فرض الأمم المتحدة للعقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة ضد طهران.
غير أن هذه المفاوضات شهدت تعثرًا ملحوظًا في ظرف سنتين، مما أدى إلى تحميل كل طرف مسؤولية فشلها للآخر، هذا وقد أفضى انتخاب نيكولا ساركوزي لرئاسة فرنسا سنة 2007 إلى تغير ملحوظ في الإستراتيجية الفرنسية تجاه هذا الملف، إذ يشير سفيرها الأسبق بطهران فرانسوا نيكولا إلى اتخاذ فرنسا لمنحى أكثر صلابة في مواجهة المفاوضات حول نووي إيران.
ضغط متزايد للجدول الزمني
من جهتها بادرت فرنسا في التوسيع من العقوبات سنة 2011، وذلك إثر تراجع المحادثات واكتشاف الموقع العسكري بفوردو؛ حيث سعت إلى ضرب الآلة الاقتصادية الإيرانية عبر فرض حظر على صادرات النفط وتجميد أصول البنك المركزي في الخارج، مؤكدة على نجاح إجراءاتها التي ترى أنها دفعت إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.
غير أن الاتفاق المبدئي لسنة 2013، والذي تم تمديده في مناسبتين قد أدى إلى تراجع موقع فرنسا لصالح إيران والولايات المتحدة المتصدرتين للمشهد الدبلوماسي الآن، وخلافًا لفرنسا، يبدو أن هاتين الدولتين تسيران وفق ضغط متزايد لخارطة زمنية تقيد المفاوضات القائمة.
هذا ويهدد الكونغرس الأمريكي بفرض عقوبات جديدة على إيران في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية هذا الشهر، الأمر الذي يضع مصداقية الرئيس الإيراني قيد الاختبار، حيث كان حسن روحاني قد تعهد برفع أكبر قدر من العقوبات على الاقتصاد الوطني الذي يشهد حالة اختناق، وفي الأثناء، تبحث فرنسا سبل فرض موقعها في مشهد كانت تديره يومًا ما.
المصدر: لوموند الفرنسية