ترجمة وتحرير نون بوست
ينظر الكثير من المحللين إلى هجوم المملكة العربية السعودية على حركة أنصار الله (المعروفة على نطاق واسع باسم الحوثيين) على أنه تصعيد هائل للصراع الإيراني- السعودي الجيوسياسي والأيديولوجي في الشرق الأوسط.
يأتي التدخل العسكري في أعقاب التقدم السريع الذي حققه الحوثيون في الفترة الأخيرة، حيث أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على اليمن بأكمله؛ مما يهدد بتقويض آخر معاقل النفوذ السعودي في اليمن، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الخسائر السعودية في العراق وسوريا، فإن سيطرة الحوثيين على كامل اليمن كانت ستشكل ضربة قوية وفوق حدود التحمل لآل سعود.
رغم الضجيج الإعلامي الحالي الذي يصف الحوثيين كحركة متمردة موالية لإيران، بيد أن العلاقة بين حركة أنصار الله الحوثية والإيرانيين ليست قوية مثلما يحاول السعوديون وحلفاؤهم إظهارها وتصويرها، ولكن بالمقابل قد تؤتي الضربات العسكرية نتيجة غير مقصودة تتمثل بتقريب الحوثيين من إيران، كما أن هذا الهجوم يضغط على إيران ويجبرها على الرد على ما تعتبره عدوانًا سعوديًا على اليمن، ومما لا شك فيه أن هذه الضربات شكلّت جبهة جديدة في الصراع الجيوسياسي الإيراني – السعودي.
إيران سوف تكثف مشاركتها في اليمن على مضض، كونها – على الأرجح – على دراية تامة بالمخاطر والعواقب غير المقصودة التي تلازم الحرب الأهلية المعقدة في اليمن الفقير، كما أنها ستضطر إلى مواجهة المملكة العربية السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مواجهتها للمعارضة السنية الإقليمية الواسعة، والتي توضحت مدى قوتها من خلال الدعم المصري الثابت للحملة السعودية، جنبًا إلى جنب مع التصريحات العلنية الداعمة للحملة السعودية والتي أطلقتها القوى غير العربية مثل تركيا وباكستان.
هل إيران وجماعة الحوثي حلفاء فعلاً؟
بشكل عام، يُنظر إلى الحرب الأهلية الطاحنة في اليمن من منظور أنها تختزل التنافس الإيراني السعودي، ولاسيّما البُعد الطائفي لهذا الصراع؛ فالحوثيون هم فئة شيعية تسمى بالزيدية، وبالتالي يُنظر لهم على أنهم حلفاء طبيعيون للقوة الشيعية التي تحتضنها إيران.
ولكن على أرض الواقع تختلف الأمور عن المنظور الاختزالي، وذلك في ظل استجابة إيران البطيئة لأعمال العنف التي أطلقتها حركة أنصار الله الحوثية في شمال اليمن منذ عام 2004، حيث عملت هذه الحركة على بدء تمرد على مستوى منخفض للاحتجاج بعنف ضد أعوام من الظلم والتجاهل والإهمال التي كانت الطائفة الزيدية تعاني منها في اليمن.
ويمكن تفسير التحفظ الإيراني عن استغلال الصراع في الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية بعاملين أساسيين، فأولاً وقبل كل شيء، اليمن لم تكن أولوية قصوى ضمن ديناميات السياسة الخارجية الإقليمية الإيرانية، وثانيًا، إيران ليست على اطلاع أو معرفة بالطائفة الزيدية في اليمن بشكل عام، والحوثيين بشكل خاص.
تاريخيًا، كانت الطائفة الزيدية الشيعية في اليمن مستقلة بذاتها، والأهم أنها لم تندمج بشكل فعلي في مجتمعات الشيعة الإثني عشرية في منطقة الشرق الأوسط؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الشيعة الإثني عشرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط العربي تيمم شطرها باتجاه إيران فيما يتعلق بالتوجهات الدينية والروحية والسياسية، كانت الزيدية في اليمن تعتمد وجهات نظر وتطلعات ضيقة وانعزالية وبعيدة عن التبعية الإيرانية.
وفي صميم التوجهات الدينية يمكننا ملاحظة وجود انقسام ديني كبير ما بين الزيدية والشيعة الإثني عشرية، نظرًا لأن الزيدية وبالمعنى الدقيق للكلمة أقرب إلى أهل السنة – من حيث المضمون الأساسي لمعتقداتهم الدينية – من الشيعة الإثني عشرية، وهذا الاختلاف الديني له مظاهر تمتد عميقًا في جذور ميول أبناء الطائفة الزيدية، حيث تنأى الجماعة بنفسها عن الأحداث التي تمثل الطائفة وتكرس هوية الإسلام الشيعي، ولاسيّما احتفالات عاشوراء التي تصادف ذكرى استشهاد الإمام الحسين.
هذا الانقسام الديني أدى إلى ميول الطائفة الزيدية إلى الإحجام عن الانتساب أو اتباع تعاليم المعاهد الدينية الشيعية الرئيسية في مدينة قم وأصفهان ومشهد في إيران، وهذا بدوره أدى إلى منع إيران من اكتساب النفوذ والتغلغل داخل العقليات الدينية للشباب الزيدي، وباختصار، تاريخيًا لم يكن هناك اتصال وتواصل بين المؤسسات الدينية الإيرانية والطائفة الزيدية في اليمن.
إن انعدام المعرفة والاطلاع والنفوذ الإيراني على الطائفة الزيدية انعكس على التطلعات الإيرانية في اليمن، حيث كانت اليمن ذات أهمية ثانوية بالنسبة لإيران، وساهمت هذه النظرة بالتردد الإيراني والبطء في دعم الحوثيين في اليمن، الذي لم يبدأ حتى عامي 2008- 2009، أي بعد خمس سنوات كاملة من بداية التمرد في صعدة معقل الحوثيين في اليمن.
إيران في اليمن
تكثيف وزيادة حدة التمرد الحوثي، إلى جانب عدم الاستقرار بشكل عام في اليمن، ولاسيّما صعود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ضمن الأراضي اليمنية، هذه العوامل أنتجت تحولاً في النظرة السياسية الأيديولوجية لحركة أنصار الله، حيث بدأت صور زعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله بتزيين معسكرات وتجمعات الحوثيين، وبدأت الحركة تعتمد أيضًا على الشعارات السياسية المنظومة على النمط والتصور الإيراني، وعلى الرغم من الاختلاف الديني العميق بين الزيدية والإثني عشرية سواء على المستويات السياسية أو الإستراتيجية، بيد أن الحوثيين شرعوا بالتعريف عن نفسهم كجزء من محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة.
وتزامن هذا الوعي السياسي الجديد مع إيلاء قدر أكبر من الاهتمام الإيراني في الشؤون اليمنية، وخاصة في أعقاب حالة عدم الاستقرار السياسي الناجمة عن الثورة اليمنية في عام 2011 والتي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح.
واستفاد الحوثيون في تلك الفترة من الفكر الإستراتيجي الإيراني، كما استغلوا الموارد الإيرانية الممنوحة لهم، فاستطاعوا إجراء مناورات بارعة ضمن اليمن المتخمة بالصراعات، واكتسبوا أنصارًا وحلفاءً جدد خلال هذه العملية، وفي هذا الصدد يمكن القول إن ظهور حركة أنصار الله كفصيل سياسي مهيمن في اليمن، يعزى بشكل واضح إلى نجاح السياسة الخارجية الإيرانية.
ولكن على الرغم من هذا النجاح الواضح، إلا أن مؤسسة السياسة الخارجية الإيرانية تخشى الانزلاق ضمن الحروب في اليمن، كونها تدرك تمامًا التكاليف الطويلة الأجل المرتبطة مع هذا المشروع المحفوف بالمخاطر، وهذا يمكن اعتباره ربما من ضمن الأسباب التي حذت بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لإدانة التدخل العسكري السعودي بألطف وأخف العبارات الممكنة.
ولكن على النقيض من الموقف الرسمي الإيراني، تقف وسائل الإعلام المرتبطة مع الحرس الثوري الإيراني، لاسيّما وكالة أنباء فارس، حيث هاجمت الإعلام التعدي السعودي على اليمن بعبارات لاذعة، وعمدت إلى إعداد وتقديم أخبار وتحليلات تدفع إيران لتحضير هجوم معاكس ضد آل سعود.
هذه الأحداث تشير بوضوح إلى انقسام داخل طهران، وهذا الانقسام يمكن أن يؤدي على المدى القصير إلى تورط إيراني أكبر داخل اليمن، ولكن على المدى الطويل فإن الحقائق الإستراتيجية الأوسع نطاقًا قد تعمل على الحد من التوجه والتدخل الإيراني ضمن اليمن، كون الواقع يشير إلى اصطفاف سني إقليمي واسع النطاق حول القضية اليمنية – كما يتضح من مواقف تركيا وباكستان القوية -، وفي هذا الاصطفاف إشارة واضحة موجهة إلى طهران تشير إلى تمادي نفوذها في المنطقة إلى مرحلة لم تعد مقبولة، وفي حال رفضت إيران الإذعان لهذه المخاوف، فإنها ستخاطر بإثارة ردود فعل سنية أكبر بكثير مما نشاهده حاليًا.
المصدر: ميدل إيست آي