فتح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون النيران على خصمه إد ميليباند، زعيم حزب العمال، بعد دقائق من إعلانه حل مجلس العموم البريطاني استعدادًا للانتخابات الجديدة، وبعد خمسة أعوام في السلطة وصفها بأنها وضعت بريطانيا على الطريق الصحيح اقتصاديًا بعد أن كانت تعاني جراء أزمة 2008 المالية، “خلال 38 يومًا ستقومون باختيار صعب بيني وبين إد ميليباند، ليمُر أحدنا عبر هذا الباب”، هكذا تحدّث كاميرون من أمام المكتب رقم 10 الشهير بداونينغ ستريت، بعد أن قدّم قرار حل البرلمان للملكة لأول مرة بعد تعديل قوانين الفترات البرلمانية عام 2011، والذي سلب الملكة حق حل البرلمان بنفسها وأعطاه لرئيس الوزراء شريطة أن يُخطرِها بذلك.
“الاختيار لكم بين اقتصاد ينمو ويخلق الوظائف ويدر المال لضمان وجود تمويل لخدمات الصحة الوطنية، ولحكومة تقلّص الضرائب لحوالي 30 مليون عامل، ولبلد أكثر أمنًا، وبين الفوضى الاقتصادية التي ستتسم بها بريطانيا تحت حُكم إد ميليباند، والذي سيزيد الضرائب لكل أسرة عاملة بحوالي 3.000 إسترليني ليموّل أنظمة الرفاهة، ويدخل ببريطانيا إلى مرحلة من الإنفاق الفوضوي ليرتفع الدين ويقل عدد الوظائف”، بهذه الكلمات القاسية أشار كاميرون لغريمه صراحة في سابقة لم يفعلها سياسي بريطاني من قبل من أمام مقر رئيس الوزراء بهذا الشكل.
كاميرون على ما يبدو لا يريد الانتظار بعد أن أظهرت بعض استطلاعات الرأي تقدّم العمّال على المحافظين بفارق 4%، في حين أظهرت أخرى تفوّق المحافظين بـ 2%، في إشارة إلى حدة المنافسة التي ستتم بها الانتخابات القادمة التي تنعقد في مرحلة متوترة من تاريخ بريطانيا كادت أن تفقد فيها إسكتلندا العام الماضي بعد نجاح حزب إسكتلندا الوطني في الدعوة لاستفتاء، وشهدت ظهور حزب استقلال بريطانيا المعادي لأوروبا، مما هدد إنجلترا بأن تصبح جزيرة معزولة، وهو أمر سببته سياسات كاميرون طبقًا لما يقوله ميليباند بدوره.
مسألة الاتحاد الأوروبي
رئيس الوزراء ديفيد كاميرون (يسار) مع غريمه إد ميليباند (يمين)
يُعَد الاستمرار في الاتحاد الأوروبي واحدة من المواضيع الرئيسية التي ستشعل سباق الانتخابات هذه المرة، حيث يعِد حزب استقلال بريطانيا بإخراج بلاده من الاتحاد، في حين يضم برنامج المحافظين الانتخابي إجراء استفتاء على البقاء في الاتحاد من عدمه عام 2017، وهو تحوّل كبير في موقف الحزب بعد أن كان يؤكد على ضرورة البقاء في أوروبا وإصلاح الاتفاقات المشتركة بين لندن وبروكسل، ليدلل على مدى تنامي شعبية الخروج من الاتحاد بين الكثير من البريطانيين، والضغط الذي شكله حزب استقلال بريطانيا بظهوره على الساحة.
من ناحيته، وكعادته كحزب ذي توجهات أقرب لأوروبا، قال إد ميليباند بأنه يرفض إجراء هكذا استفتاء حال فوز حزب العمال لأنه يهدد استقرار بريطانيا الاقتصادي الذي يعتمد على الروابط العديدة والوطيدة من بلدان أوروبا، وأن مجرد إجرائه دون معرفة نتائجه سيكون تلاعبًا بالسوق البريطاني، وسيضع الكثير من الشركات في خطر، وهي محاولة ربما لمغازلة رأس المال البريطاني لدعمه على حساب ميولهم التقليدية لحزب المحافظين.
“لن يكون هناك شيء أسوأ لبلدنا وسوق التصدير البريطاني من اللعب بنيران السياسة فيما يخص عضويتنا بالاتحاد الأوروبي، على ديفيد كاميرون أن يفهم ذلك، وهو ربما يدركه بالفعل، إذ إن مكانتنا في الاتحاد الأوروبي قد تدهورت على مدار السنوات الخمس الماضية، ولم تعد مضمونة كما كانت”، هكذا صرّح ميليباند.
بدوره، رد وزير المالية البريطاني، المنتمي لحزب المحافظين، جورج أوزبورن، على حجج ميليباند في عدم إجراء استفتاء بكلمات قصيرة لاذعة، “لا يمكن أبدًا أن يكون سؤال البريطانيين عن آرائهم، ورغبتهم في البقاء في الاتحاد من عدمه، خطرًا أو تهديدًا، بل هي الديمقراطية، هكذا تُسمّى، أما بالنسبة لأصحاب المصالح والأموال فمواقفهم واضحة في هذا الصدد؛ إنهم يدعمون خطة إجراء الاستفتاء”.
من ناحية أخرى، تُعَد مسألة عقود الساعات الصفرية Zero-Hour Contracts كما تُعرَف مسألة هامة في الانتخابات، والتي انتشرت بعد الأزمة المالية وتقضي بقدرة أي جهة على تعيين موظّف بشكل مَرِن ليتراوح العمل من دوام كامل في بعض الأيام مقابل عدد “صفر من الساعات” في أيام أخرى طبقًا لحاجة العمل، في حين يتقاضى الموظّف الأموال طبقًا لساعات العمل لا راتب شهري ثابت، وهو ما يقول ميليباند إنه الحقيقة الكامنة خلف ادعاء كاميرون بأنه نجح في توظيف أكثر من نصف مليون بريطاني في السنوات الخمس الماضية، وإنها عقود غير مُنصِفة، بينما يقول كاميرون إنها مناسبة لكثيرين مثل الطلبة.
بين “استقلال بريطانيا” و”إسكتلندا الوطني”
نايجل فاراج زعيم حزب استقلال بريطانيا أمام لوحة إعلانية لحزبه تظهر منافسيه وعلم الاتحاد الأوروبي على أفواهِهم
يُعَد حزب استقلال بريطانيا وزعيمه نايجل فاراج، والذي يرفض الجميع حتى الآن الدخول في ائتلاف معه نظرًا لآرائه المتطرفة حيال المهاجرين والبقاء في أوروبا، لاعبًا مهمًا في الانتخابات القادمة، وهو يهدد المحافظين بشكل رئيسي نظرًا لقدرته على جذب الكثيرين ممن يصوّتون له لصالح أجندته السياسية والاقتصادية، لاسيما أعداء الاتحاد الأوروبي، والذين يرون أن ديفيد كاميرون لا يقوم باللازم للدفع بمصالح بريطانيا في أوروبا والوقوف بوجه توجهات المستشارة الألمانية أنغلا مِركل الراغبة في تشديد وحدة أوروبا بدلًا من الاستجابة لنقادها.
تركّز حملة فاراج على وعود واضحة وصلبة، وهو أمر نادر ربما في السياسة البريطانية التي تحبّذ الوعود المرنة ووضع الخطط التفصيلية لاحقًا، حيث كشف الحزب عن إعلان جديد لحملته الانتخابية يضم الخطوات الخمس الأساسية التي سيقوم بها فاراج؛ أولها الخروج من أوروبا؛ ثانيها السيطرة على الحدود وتقليل المهاجرين؛ ثالثها زيادة الإنفاق على خدمات الصحة الوطنية بثلاثة مليارات إسترليني؛ رابعها تقليص المعونة البريطانية للخارج وتوجيهها للداخل البريطاني؛ خامسها رفع الضرائب عن كل من يتقاضون الحد الأدني للأجور.
“لقد نشرنا بطاقة الوعود هذه لنكون واضحين بشأن معركتنا، ولنقول للبريطانيين إننا نختلف عن أي حزب آخر، حيث لا يجرؤ أحدهم على إعلان هذه الخطوات صراحة رُغم علمه بأنها تتمتع بشعبية كبيرة، أما مهمتي الآن فهي أن أقنِع الناس بأن يصوّتوا للتغيير”، هكذا قال فاراج أمام أنصاره بعد إطلاق حملته الانتخابية، والتي يبدو أنها رائجة بشكل كبير حيث تشير استطلاعات الرأي بأن الحزب على سيحصل على 10% أو 12% من أصوات الناخبين، وهو رقم كبير بالطبع في بريطانيا.
ليس حزب استقلال بريطانيا هو فقط من يغيّر الساحة ويهدد الأحزاب التقليدية، بل أيضًا حزب إسكتلندا الوطني، حيث ظهر بقوة في انتخابات 2007 كأكبر حزب في البلاد لأول مرة إثر تراجع حزب العمال صاحب القوة التقليدية في إسكتلندا، في حين زاد من حصته عام 2011 ليصبح صاحب أغلبية مُطلقة في البرلمان الإسكتلندي، وهو صعود يهدد بالطبع حزب العمال نظرًا لحصوله على أصوات ناخبين كانوا في السابق يميلون لآراء حزب العمال الأكثر انفتاحًا، والتي دائمًا ما يحبّذها الإسكتلنديون.
نيكولا سترجون زعيمة حزب اسكتلندا الوطني
أطلقت نيكولا سترجون، زعيمة الحزب الجديدة بعد استقالة أليكس سالموند الذي فشل في إقناع الناخبين باستقلال إسكتلندا العام الماضي، حملة حزبها الانتخابية في مدينة جلاسجو قائلة بأنها ستعمل مع أي حزب يدفع قدمًا نحو سياسات أكثر تحررًا، وستركّز جهودها على تحقيق وعود الحكومة البريطانية بمزيد من اللامركزية ونقل السلطات من لندن إذا صوّتوا بـ “لا” في الاستفتاء، وهو ما فعلوه بالفعل، هذا ويتوقع كثيرون أن يحقق الحزب نتيجة تاريخية هذه المرة رُغم فشله في الاستفتاء، وربما التأثير على موازين القوى في البرلمان البريطاني، وهو ما دفع بالبعض إلى التكهّن برغبة حزب العمال في التحالف معه، وهي رغبة ينفيها حتى الآن ميليباند.