على أحضان ميليشيات صالح والحوثي خُلقت وترعرعت جريمة اختطاف الخصوم والمعارضين في يمن ما بعد الربيع العربي.
في غضون أيام قليلة من هيمنة تلك الميليشيات على المشهد اليمني بقوة السلاح؛ غدا الاختطاف ظاهرة يومية تتنامي بشكل هستيري وتتسع رقعتها باتساع المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، ويُعد إنشاء السجون السرية من أوائل الأعمال التي تقوم به الميليشيا في أي منطقة تقع تحت قبضتها حتى باتت الجماعة تمتلك ما يقارب مائة سجن خاص بها.
اختطافات في ظل عاصفة الحزم
بعد ساعات من مداخلة هاتفية أجرتها معه قناة الجزيرة حول عاصفة الحزم والأوضاع في صعده؛ خطف مسلحو الحوثي وصالح الصحفي مهدي حامد واقتادوه إلى جهة مجهولة.
قبيل هذه الحادثة كان أولئك المسلحون قد اختطفوا مهندس البث وحارس الأمن في مكتب شبكة الجزيرة في صنعاء، بعد أن اقتحموا المكتب وعبثوا بمحتوياته، حسبما أفاد مراسل الجزيرة.
بعد يومين من عاصفة الحزم اقتحمت الميليشيات المسلحة جامع الفتح بصنعاء؛ وأقدمت على اختطاف أكثر من مائة شخص جلهم من طلاب العلم الشرعي ومن ضمنهم عدد من الأجانب الذين شردتهم وهجرتهم الميلشيات من دماج في يناير 2014.
وكذلك احتجزت الميليشيات فريقًا حقوقيًا من منظمات حقوق الإنسان كان في مهمة حقوقية في محافظة ذمار، وداهمت أيضًا القنوات الفضائية التي لا تتبعها وبعض الصحف وأوقفت بعض المواقع الإلكترونية واحتجزت بعض العاملين فيها، وعاودت اختطاف أمين حركة رفض في محافظة إب الناشط أمين هزاع والتي كانت قد أفرجت عنه بعد أربعين يومًا من اعتقاله.
وقبيل عاصفة الحزم بساعات اختطف مسلحو الحوثي وصالح الصحفي محمود الشرعبي، والشيخ سمير الصعر، والداعية ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺮﻳﻤﻲ ﺇﻣﺎﻡ ﻭﺧﻄﻴﺐ ﺟﺎﻣﻊ ﺍﻟﺸﻴﺦ عبدالله الأحمر، وخمسة من طلاب محافظة مأرب من سكنهم الطلابي في صنعاء، وكذا عدد آخر من الشباب ومن المتظاهرين في محافظة تعز، وشنوا حملة اعتقالات طالت 27 من شباب الثورة وقيادات حزب الإصلاح في محافظة الحديدة.
وبناء على هذه الاختطافات وما سبقها فلا يمر يوم على اليمن دون أن ينتزع من حضنها عدد من أبنائها أو ضيوفها ليكابدوا لظى الظلم ويكتووا نيران الأسى في غياهب زنازين ميليشيات الحوثي وصالح.
المحامي سليم علاو، رئيس حركة نضال الشبابية لمناهضة الاعتقالات والاختطافات، وجه نداءً إنسانيا قبل يومين جاء فيه “يوجد معتقلون ظلمًا وعدوانًا من طلاب العلم ممن تم تشريدهم من دماج وهم من دول: إندونيسيا، ماليزيا، الجزائر، والصومال.
وعن الأماكن التي يقبع فيها هؤلاء المعتقلون وأعدادهم أضاف: “يوجد في قسم شرطة السياغي 20 معتقلاً، وقسم علايه 64، وقسم شميله 14، وقسم القلفان سوق الخليج 14، وقسم ذو يزن 14، أي ما مجموعه 126 معتقل”.
وأكد: “هم الآن في الأقسام يفترشون البلاط، ويلاقون معاملة لا إنسانية، وأناشد الجميع القيام بالواجب الإنساني والأخوي والأخلاقي والديني إزاءهم والوقوف معهم”.
يذكر أن جميع أقسام الشرطة في صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى محتلة من قِبل الميليشيات المسلحة.
مساواة في الاختطاف
في بداية التحالف بين المخلوع صالح وجماعة الحوثي كانت الاختطافات خاصة بأفراد في حزب الإصلاح فقط، بعدها آلت الميليشيا إلا أن تنهج المساواة في جرائمها حيال ألوان وفئات متعددة من الشارع اليمني؛ فالاختطاف طال مشائخ قبائل كسام الأحمر، وقادة عسكريين كاللواء المروني، وقيادات كبرى في الدولة كمدير مكتب رئيس الجمهورية وعدد من قيادات الإصلاح، وأمين عام الحراك التهامي وعدد من أعضاء ومناصري الحراك، وقيادات لحركة رفض في أكثر من محافظة، والمئات من المعلمين والصحفيين، ومثلهم من شباب الأحزاب الإسلامية واليسارية والمستقلين ومثلهم من المتظاهرين وطلاب الجامعات بمن فيهم قيادات طلابية كرئيسي اتحاد الطلاب في كل من جامعة صنعاء وجامعة عمران، ورؤساء بعض فروع الاتحاد في الكليات، والمئات من طلاب الجامعات والمعاهد الشرعية ولم يسلم من تلك الاختطافات حتى طلاب عدد من البلدان الإسلامية الذين وفدوا إلى اليمن لفهم المزيد عن الإسلام وتعلم اللغة العربية.
اختطاف الطفولة
شبح الاختطافات طال حتى أطفال المدارس كالطالب أبوبكر جهلان الذي اختطف من مدرسة الحسن، وقبله 12 طالبًا من مدرستي الإرشاد والشيماء في منطقة ذيفان بعمران والذي نقلت مأرب برس أن اختطافهم جاء عقب احتجاجاتهم للمطالبة بإطلاق سراح معلميهم المعتقلين من قِبل جماعة الحوثي المسلحة دون أي سبب سوى معارضتهم لقرار فصل الطالب الذي رفض ترديد الصرخة الحوثية وهو عبد المجيد هلال الذي يدرس في الصف الخامس الابتدائي.
سابقة خطيرة
ولا يمكن للشارع اليمني تجاهل أن الاختطافات التي تقوم بها جماعة الحوثي وأنصار المخلوع صالح لم تنحصر على الذكور فحسب بل اقترفوا سابقة خطيرة على المجتمع تمثلت باختطاف نساء كالناشطة هويدا المذحجي ويعد هذا التصرف كبيرة وعيب أسود في العرف القبلي لدى اليمنيين.
اختطاف قتلى
من لا يراعي حرمة الأحياء لن يتورع عن الإساءة إليهم حين يصبحوا جثثا هامدة؛ صهيب يحيى فراص اليحيصي، أحد ضحايا جماعة الحوثي وأنصار صالح في مديرية أرحب شمال العاصمة صنعاء، إذ لم تكتف ميليشياتهم بقتله فقط بتاريخ 13 ديسمبر 2014 بل أخذوا جثته وأخفوها حتى تمكنت أسرته من العثور عليها بتاريخ 11 فبراير 2015 في مستشفى 48، بحسب ما نقلته المصادر عن أسرته.
ويمكننا بعد التفصيل المسبق أن نلخص للتأريخ أن اختطافات ميليشيات الحوثي طالت الأموات والأحياء، الذكور والإناث، الشباب والأطفال، المشايخ والقبائل، المدنيين والعسكريين، المعلمين والطلبة، الصحفيين والمتظاهرين .. إلخ.
هوس الاختطاف
بلغت الاختطافات حد الهوس – كما يرى البعض – فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن يزج بعدد من المواطنين في زنازين الميليشا، ولا تسلم أي مظاهرة واحتجاجات سلمية من اختطاف عدد من المحتجين.
وقدرت بعض المصادر أن إجمالي من اختطفتهم الميليشيا المسلحة منذ اقتحامها للعاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي وإلى ساعة كتابة هذا التقرير قرابة 3000 مختطف، منهم 250 فرد من أبناء مديرية أرحب فقط.
يذكر أن حركة نضال الشبابية لمناهضة الاعتقالات والاختطافات أعلنت في منتصف يناير الماضي أن أعداد من تم توثيق اختطافهم إلى ذلك التأريخ جاوز 2000 مختطف.
ذرائع واهية
وإن كان لا يوجد أي مبرر للاختطاف إلا أن مصادر مقربة من اللجان الشعبية في بعض المناطق ترسل أحيانًا تطمينات لذوي المختطفين خصوصًا ولأبناء المنطقة عمومًا، يؤكدون فيها: “أن من تم اختطافهم لن يتعرضوا لأي أذى أو تعذيب أبدًا؛ بل هم ضيوف لدى قائد المسيرة القرآنية، ولفترة وجيزة لا تتجاوز الشهر، وأن الهدف من حجزهم ليس إلا توعيتهم بحقيقة المسيرة القرآنية من خلال بعض الدورات الثقافية في محاولة للتقريب وإزالة اللبس الحاصل كونهم يحملون أفكارا تكفيرية وداعشية”، حسب قولهم.
عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي يقر في خطاباته الإعلامية بقيام ما أسماها “اللجان الشعبية” التابعة لجماعته باعتقال أشخاص، معتبرًا أنه “من الطبيعي أن يكون هناك معتقلون وملاحقة لكل من يثبت تورطه في تنفيذ أعمال إرهابية، لأن هذا من حقهم بل وواجب يحتم عليهم حماية المجتمع من شر هؤلاء”.
نظرة قانونية
يستهجن كثير من المحامين والحقوقين الحديث عن أي قوانين وإسقاطها على ما تفعله جماعة الحوثي، مشيرين أن هذه الجماعة تمارس سلطة الأجهزة الأمنية وتحتل مقراتها بقوة السلاح رغم أنها جماعة مسلحة غير قانونية.
ويضيف الناشط الحقوقي والمحامي الأستاذ خالد الآنسي “وجود هذه الحركة في الأساس غير قانوني وما تقوم به من اختطافات واعتقالات تعتبر جرائم ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولي وليس فقط وفقًا للقانون اليمني، وما قامت به الحركة في 21 سبتمبر لا يعتبر ثورة وإنما اغتصاب للسلطة ومصادرة لحرية الناس بقوة السلاح وبالعنف”.
يذكر في هذا الصدد أن القانون اليمني يجرم حتى على الجهات المختصة في الدولة القيام بقبض أي شخص أو حجزه إلا في حالة التلبس أو بتوجيه من القاضي أو النيابة العامة، ونصت المادة (1) من القانون رقم (24) لسنة 1998 بعقوبة الإعدام لكل من تزعم عصابة للاختطاف وبالحبس لمدة لا تقل عن اثنتي عشرة سنة ولا تزيد على خمس عشرة سنة لكل من خطف شخصًا واذا صاحب الخطف أو تلاه إيذاء أو اعتداء كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس وعشرين سنة وذلك كله دون الإخلال بالقصاص أو الدية أو الأرش على حسب الأحوال إذا ترتب على الإيذاء ما يقتضي ذلك كما نصت المادة (2) من نفس القانون.
إلا أن الواقع يؤكد أن الميليشيات المسلحة لا تضع أي اعتبار لمثل هذه القوانين بل إنها لا تلتزم حتى بما قطعته على نفسها، فالاختطاف مخالف تمامًا حتى لبيانها الانقلابي الذي أصدرته في السادس من فبراير وأطلقت عليه “البيان الدستوري” ونصت في فقرته الثالثة بأن “الحقوق والحريات عامة مكفولة وتلتزم الدولة بحمايتها”.
ويذكر أيضًا أن مخرجات مؤتمر الحوار الذي كان تنفيذ مخرجاته المطلب الثالث لجماعة الحوثي في احتجاجاتها التي سبقت سيطرتها على العاصمة قد حوى الكثير من النصوص التي تكفل الحريات وتجرم الاختطاف والاعتقال التعسفي.