ترجمة وتحرير نون بوست
في ليلة 25 مارس قامت مائة طائرة حربية سعودية بقصف أهداف إستراتيجية داخل اليمن تقع تحت سيطرة المتمردين الحوثيين، دول مجلس التعاون الخليجي – عدا عمان – بالإضافة إلى مصر والأردن والسودان والمغرب وباكستان انضموا إلى هذه العملية سواء بصورة مباشرة أو من خلال الدعم اللوجستي، وعلى الرغم من أن الحوثيين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء والحكومة المركزية منذ سبتمبر عام 2014، بيد أن هروب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن والهجوم الحوثي اللاحق على المدينة الجنوبية، هو ما شكّل فعلًا القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وعلى إثر ذلك بدأت معركة عاصفة الحزم، التي تضمنت هجومًا عسكريًا تسبب بدمار كبير في أنحاء صنعاء وأماكن أخرى، وأسفر عن عشرات القتلى والجرحى من العسكريين والمدنيين.
وصف السفير السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية عادل الجبير، الحملة الجوية بأنها تدافع عن الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة الرئيس هادي، الذي حل محل الرئيس علي عبدالله صالح كجزء من اتفاق سياسي توسطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011، وتابع جبير بقوله “حكومة هادي وافقت على العملية المعتمدة من قِبل المجتمع الدولي، والمكرّسة في العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يدعو جميع الأطراف اليمنية لاتخاذ مسار معين، من شأنه نقلهم من وضعهم الحالي إلى اليمين الجديد مع دستور جديد وانتخابات ديمقراطية وضوابط وتوازنات شرعية”، ووصف الجبير في حديثه الحوثيين بالمفسدين الذين يسعون لإفشال هذه العملية، لأنهم رفضوا أن يصبحوا لاعبين شرعيين ضمن السياسة اليمنية، وأردف موضحًا أنه لن يُسمح لهم بالاستيلاء على السلطة في البلاد، وهذه التصريحات التي أطلقها جبير حول شرعية الحكومة هي محل نظر لعدة أسباب، ليس أقلها غياب أي ذكر للشعب اليمني ومصالحه وتطلعاته ضمنها.
إن رفض الحوثيين لدعوة دول مجلس التعاون الخليجي في 10 مارس للتفاوض في الرياض بغية الوصول إلى تسوية سياسية، قوّض الجهود السعودية الساعية نحو إحياء مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي الأصلية، كما أحبط المساعي الرامية نحو عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي يسعى لحل الانقسامات السياسية العميقة في اليمن، ولكن السبب في رفضهم لهذا التفاوض يعود، كما تشير ستايسي فيلبريك ياداف وشيلا كارابيكو، إلى “تطلّع الأنظمة الملكية في مجلس التعاون الخليجي لتحقيق الاستقرار في الربع الأكثر اضطرابًا في شبه الجزيرة العربية، مما أدى إلى تضمين الاتفاق عددًا من الأحكام التي تجهض المطالب الشعبية الملتمسة للانتقال الديمقراطي”، فلا عجب بعدئذ إذا رأى الحوثيون ضآلة احتمال معالجة مظالمهم في مؤتمر سيتم برعاية سعودية، والتي يبدو أن هدفها ترميم الوضع السياسي الراهن لليمن.
ولكن عملية عاصفة الحزم ليست مهتمة بالإصلاح السياسي الداخلي في اليمن، كون هذه العملية ترمز إلى تحول سياسي أوسع نطاقًا، تحول له موازٍ تاريخي ولكنه بذات الوقت مميز كليًا، وبالنسبة للكثيرين، عاصفة الحزم تثير مخاوف شبح حرب بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية، حرب ضروس ما بين ائتلاف الدول السنية ووكلاء إيران الشيعة في المنطقة، كون الواقع يثبت أن القوات المتحالفة ضد الحوثيين هي الدول ذات الأغلبية السنية، ونتيجة لذلك يخشى العديد من المراقبين أن يطغى النزاع الطائفي على السياق السياسي للأزمة اليمنية ويشوشه بدلاً من أن يوضحه.
بالنسبة للأشخاص الذين يمتلكون ذاكرة طويلة الأمد، تُعيد هذه الحملة العسكرية صورًا من حرب الوكالة السابقة التي جرت ما بين مصر جمال عبد الناصر والمملكة العربية السعودية على الأراضي اليمنية، حين تدخل البلدان في الحرب الأهلية اليمنية (1962-1967)، حيث دعم عبد الناصر الجمهوريين اليمنيين، بمواجهة النظام الملكي اليمني المدعوم سعوديًا، وفي هذا الصراع، خاض الإمام الزيدي المخلوع حربًا، بالوكالة عن السعودية ضد الضباط الأحرار الذين يخوضون حربهم بالوكالة عن القوات المصرية، وعلى الرغم من غلبة الجمهوريين بالمحصلة، بيد أن الواقع أشار حينها أن مصر تعرضت لنوع من الهزيمة، والمملكة العربية السعودية فرضت هيمنتها في نهاية المطاف على ما كان يسمى حينها باليمن الشمالي.
وفي ذات السياق التاريخي، يمكن تشبيه الهجوم الحالي إلى مواز تاريخي أكثر قربًا، وهو التدخل الإيراني والأردني والبريطاني – والإسرائيلي بالتسليح فقط – في ثورة ظفار في عمان، لمواجهة تمرد الجبهة الشعبية لتحرير عمان الماركسية التوجه، وذلك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث انضم تحالف الملكيات المحافظة لدعم قوات السلطنة العمانية ضد القوى الشعبية التي هددت بالانتشار ضمن الخليج الفارسي، ورغم أن توجهات الحوثيين لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بالأيديولوجية أو الممارسة السياسية والثورية اليسارية للجبهة الشعبية لتحرير عمان، بيد أن القوى المضادة في كلا الحالتين تجمعهما قواسم مشتركة عديدة، أهمها أن جميع هذه القوى هي جزء من جبهة مضادة للثورة امتدت لما وراء دول مجلس التعاون الخليجي لتشمل الأنظمة الاستبدادية الأخرى، ورغم عدم تقاسم جميع هذه الدول للنظرة السعودية والخليجية المذعورة والمتوجسة من التوسع الإيراني، بيد أنها جميعها تخشى – وبدرجات متفاوتة – من توسع الدولة الإسلامية (داعش) أو القوى الديمقراطية الشعبية، وبالنسبة لهذه الأنظمة، الحوثيون يمثلون أحد القوى العديدة التي تهدد بتقويض الحالة الراهنة للنظام الإقليمي.
ما يجمع هذا التحالف الجديد أيضًا هو أن جميع الدول – غير الخليجية – المنضوية تحت لوائه تتشاطر الاعتماد على الدعم السياسي والاقتصادي السعودي والخليجي بشكل عام؛ ففي مصر دعمت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات نظام عبد الفتاح السيسي سياسيًا وماليًا منذ توليه السلطة رسميًا في عام 2014، وإجمالاً، قدمت هذه الدول للحكومة المصرية ما يقدر بنحو 23 مليار دولار على شكل منح وقروض ومنتجات بترولية واستثمارات في عام 2014 فقط، وتعهدت بزيادة قدرها 12 مليار دولار إضافية في عام 2015، أما الرئيس السوداني، عمر البشير، فقد التقى مع الملك سلمان في أكتوبر 2014 كجزء من التقارب العام بين البلدين؛ مما أثمر عن حزمة من المساعدات غير المحددة القادمة من المملكة العربية السعودية، الأردن والمغرب أيضًا دخلتا لفترة وجيزة في مناقشات للانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي كجزء من الإستراتيجية الدفاعية عقب ثورات الربيع العربي، والتي تهدف إلى ضمان استقرار الأسر الحاكمة في ظل تزايد المعارضة الداخلية، ورغم عدم قبول انضمام الأردن والمغرب إلى المجلس في نهاية المطاف، مازالت المملكتان تتمتعان بدعم مالي من دول مجلس التعاون الخليجي، وتتشاطران التزامًا مماثلاً مع هذه الدول في محاربة توسع وامتداد تأثير داعش.
الدور الباكستاني في عاصفة الحزم أكثر تعقيدًا من باقي الأدوار، حيث يقبع خلف هذا التدخل تاريخ طويل من العلاقات العسكرية بين باكستان والسعودية، كما يدين رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بحياته السياسية إلى التدخل السعودي، حيث وفرت له المملكة منفى مريح في عام 2000 ومرة أخرى في عام 2007، وموّلت مؤسسته لصناعة الصلب في جدة، ومنذ انتخاب شريف في عام 2013، واصلت السعودية دعمها لباكستان، وكان آخر هذه المساعدات في أبريل 2014 حين ضخت السعودية 1.5 مليار دولار في الاقتصاد الباكستاني على شكل قروض لدعم احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية، وبالمقابل، دعم الجيش الباكستاني الدول الخليجية بشكل نشط، حيث تم تجنيد المرتزقة الباكستانيين ضمن قوات الأمن في البحرين خلال ذروة المظاهرات المعارضة للحكم السني في عام 2011، وذلك بالاتفاق مع شركات الأمن الخاصة التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الجيش الباكستاني.
أخيرًا، وعلى الرغم من التأكيدات السعودية أو حتى الأمريكية المخالفة، إلا أن عملية عاصفة الحزم لا تبتغي دعم شرعية العملية السياسية في اليمن، إنما ترمي إلى الحفاظ على استمرارية الحكم السلطوي في المنطقة، وذلك من خلال قمع القوى التي تهدد بتقويض الوضع الراهن، وليس أدل على ذلك من منظومة الاستهداف التي يصهرها التحالف في بوتقة واحدة، وبدون تمييز ما بين داعش وإيران والحركات الديمقراطية الشعبية الناجمة عن الانتفاضات العربية لعام 2011، وهذا التوجه ينبغي أن يدلل بوضوح على الأهداف الإستراتيجية الأوسع التي يهدف لها هذا التحالف، وبالمثل، المخاطر التي يجسدها على عملية التغيير السياسي والاجتماعي الإيجابي في المنطقة العربية.
المصدر: ميدل إيست ريبورت