يثبت الحزم مرة أخرى أنه دومًا من يُبقي الأمور في طريقها الصحيح، ماذا لو كانت عاصفة من الحزم، أي نوع من التصحيح ستؤول إليه الأمور؟
كل شيء يمشي في اليمن بسرعة، ماعدا ثورة 2011 التي استغرقت وقتًا طويلاً للغاية بالنظر إلى مثيلاتها.
في مراجعة سريعة لأحداث الفترة الأخيرة في اليمن، نجد أن الحكومة في اليمن وفي عهد الرئيس عبدربه منصور هادي تغيرت لأكثر من أربع مرات، وانعقد حوار وطني مرتين؛ مرة كان شاملاً والآخر لم يكن ولم يستمر ويدعى الآن إلى حوار ثالث! ارتفعت أسعار المشتقات النفطية وهبطت وارتفعت فقط في اليمن خلال شهرين، استولت جماعة أنصار الله (الحوثيون) بمساعدة كبار ضباط الجيش والأمن على العاصمة صنعاء خلال ثلاثة أيام، وأخيرًا حددت طائرات “عاصفة الحزم” مواقع الحوثيين المهمة وأبرز نقاط قوتهم وجهزت إحداثياتها للقصف خلال 15 دقيقة .
اليمن الدولة التي تعتبر بنيتها التحتية هبات من حكومات صديقة بسبب الإهمال المتعمد لبناء البلد من الرئيس المخلوع علي صالح، والذي كان يقول إن اليمن دولة فقيرة ولا تملك ولا تستطيع ولا تقدر في كل مؤتمر أو محفل عالمي يستطيع أن يتكلم فيه للإعلام، وهو الذي صعد للسلطة خاوي اليدين وغادرها برصيد مالي يقدره مجلس الأمن بـ 60 مليار دولار مما يجعله ثاني أغنى رجل في العالم بعد الأمريكي بيل غيتس.
صالح الذي أطاحت به الثورة الشبابية الشعبية تحالف مع الحوثيين – وهو الذي حاربهم بجيشه – نكاية بمن كانوا أبرز خصومه في 2011 وفي مقدمتهم حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) وأبرز رجال الجيش المنضمين للثورة أمثال اللواء علي محسن الأحمر المنطوي عن الأنظار حاليًا في المملكة العربية السعودية واللواء حميد القشيبي الذي رفض الخروج من معسكره أثناء المواجهات مع الحوثيين في محافظة عمران (شمال صنعاء) حتى قتل فيه.
أعطى صالح الضوء الأخضر للحوثيين باستخدام كل ما يملك من عتاد ومعدات حتى صارت كل المؤسسات التي يترأسها موالو صالح تتبع الحوثيين بانصياع تام، الحوثيين الذين ما لبثوا أن أحكموا سيطرتهم على المحافظات المستولى عليها، حتى بدأت شائعات تظهر بأن خلاف نشب بينهم (أي الحوثيين وصالح) ثم ظهر التسريب الذي بث على قناة الجزيرة، والذي كان يجمع صالح بأحد قيادات الحوثيين وكان صالح في هذه المكالمة هو الآمر الناهي للطرف الآخر.
وفي محاولات، اتضح فيما بعد أنها يائسة، حاول الطرفان أن يجرا حزب الإصلاح لخيار الحرب في أكثر من منطقة، الأمر الذي بدأ يتجه نحو خيار المواجهة المصيرية انتهى خلال ساعات بإعلان مفاجئ لحزب الإصلاح، وهو انسحابه من هذه المواجهة مغلبًا مصلحة الوطن، حسبما أورد في بيانه الذي تلى انسحابه.
جدد الحوثيين استفزازهم لحزب الإصلاح باقتحام مقاره وأنديته وبيوت الكثير من قادته، في أمر بدا مشابهًا لما حدث في مصر عشية الانقلاب، غير أن الحزب كان رده مجرد بيان يستنكر فيه ما جرى ويجرى.
هادي، الهادئ طيلة الفترة السابقة، لم يكن له باع فيما يجري، هرب إلى عدن (جنوب صنعاء) وقام بعدد من التصرفات السريعة أيضًا والتي لم تكن بالحسبان، فأعلن سحب استقالته وأعلن عدن عاصمة مؤقتة وندد وشجب واستنكر ما تم في صنعاء، وأبرز قائمة وصفها بالسوداء تضم قيادات حوثية وأخرى موالية لصالح مدنية وعسكرية، ثم ظهر في خطاب يهدد فيه كل من كان لهم يد في ما حدث، الأمر الذي بدا غريبًا في البداية واستفز التحالف المذكور سابقًا؛ مما جعلهم يهاجمون محافظة عدن برغم تحذيرات الكثيرين، والذي كان بالنسبة لهادي هي القشة التي قسمت ظهر البعير، فاستعان بالجار السعودي الذي أعلن عن تدخل قوات درع الجزيرة، وهو ما ظهر فيما بعد أنه تحالف يحمل في طياته ما لا يحمل مجالاً للشك، إن الحوثي وصالح وقعا في مصيدة شائكة لا يبدو الخروج منها منتصرين إحدى الخيارات المتاحة.
وها نحن نعود مجددًا لعاصفة الحزم التي كبدت الحوثيين وصالح الكثير مما لم يحسبوا يومًا أنه سيُفقد؛ ولاءات وعدة وعتاد ورفض دولي على الملأ، أعتقد أنها خسارة العمر لجماعة مسلحة ورئيس مخلوع كانت تلك الفرصة الأخيرة ليعيد اعتباره.
أعلنت مواقع عربية عن لقاء سري تم بين المملكة السعودية ونجل صالح ممثلاً أباه، وأبدى فيها الأخير استعداده لتحريك بقية الجيش الموالي له ليكون تحت إمرة عاصفة الحزم، وعن استعداده للانقلاب على الحوثيين شريطة رفع الحظر عليه وعلى أمواله، وحصوله على الحصانة الكاملة التي فقدها، لكن رفض المملكة كان بمثابة كسر قشة أخرى ظن صالح أنها قد تنجيه.
يُذكر أنه لم يعد هناك أي منفذ لدخول أي طائرة مدنية أو خروجها من جميع مطارات اليمن، وتم قصف جميع مدارج الطيران الحربي وجميع مخازن الطائرات وجميع المعسكرات التي استولى عليها الحوثيين بما فيها من مخازن سلاح، وتم قصف منطقة الجراف التي تضم بيوت قيادات حوثية مهمة وبيت صالح ونجله في منطقة حدة جنوب صنعاء، هذا ولايزال القصف مستمرًا حتى اللحظة مع تسجيل حالات وفاة مدنية وإصابات في الأرواح والمنشآت المدنية.