دخل شخصان إلى القصر العدلي بإسطنبول في ساعات الظهيرة، بصفة محاميين ببطاقات هوية مزورة، وتسللا إلى غرفة المدعي العام محمد سليم كيراز، في الطابق السادس، واحتجزاه في غرفته لمدة 8 ساعات، وقامت قوات الأمن باقتحام الغرفة قرابة الساعة الثامنة والنصف مساءً، بعد سماعها أصوات الرصاص في الغرفة؛ مما أدى إلى مقتل المحتجزين، وإصابة المدعي العام بجروح بالغة نُقل على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج، إلا أنه فارق الحياة متأثرًا بإصابته.
وصل كيراز إلى المستشفى مصابًا في رأسه وصدره، عاجزًا عن التنفس، وقلبه متوقف تمامًا، حاول الأطباء إدخاله إلى غرفة العمليات فور وصوله، إلى أنه توفي مباشرة، حيث أفاد مدير الصحة في إسطنبول سلامي ألبايراق، في حديثه للصحفيين أمام مستشفى فلورانس نايتغيل، التي كان يعالج بها كيراز، أن المدعي العام وصل إلى المستشفى في حالة خطيرة، عقب إطلاق النار عليه في القصر العدلي، وأنه توفي رغم كل المحاولات التي قام بها الأطباء.
كيراز تولى التحقيق في قضية الفتى بركين ألوان، الذي فارق الحياة، جراء إصابته بقنبلة مسيلة للدموع، خلال احتجاجات منتزه غزي في منطقة تقسيم بإسطنبول، عام 2013، السلطات التركية أعلنت عن هوية منفذي عملية الاحتجاز، وهما شفق يايلا من مواليد 1991 في زونغولداق، وبختيار دوغرويول من مواليد 1987 في أرداهان، هذه العناصر تابعة لحزب “التحرير الشعبي الثوري” اليساري المدرج في قوائم الإرهاب بالغرب، وفقًا لما أكدته صحيفة “قارشي” التركية، ومن المحتمل أن يكون الخاطفون قد استغلوا انقطاع التيار الكهربائي في عموم تركيا، صباح يوم الثلاثاء؛ مما أدى إلى تعطل نظام المراقبة في قصر العدالة ما سهل دخولهما بهويات مزورة، احتجزت عناصر الحزب المدعي العام مطالبين باعتراف تليفزيوني من الشرطة بقتل الشاب بيركين إلفان وأن تتم محاكمة المتورطين، وأن يُضمن لهما خروجًا آمنًا.
يذكر أن حزب جبهة التحرير الشعبي الثوري تأسس في 1978 وقام بتنفيذ عدة اغتيالات في الثمانينات من بينها رئيس الوزراء التركي السابق حينها نهاد إرم.
وفي أول تعليق للرئاسة التركية على هذا الحادث، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن احتجاز المدعي العام في قصر العدل بإسطنبول، واقعة ليست بسيطة، ويجب الوقوف عليها وتحليلها جيدًا وأخذ العبر منها، وأضاف أردوغان، في حديثه للصحفيين عقب وصوله إلى العاصمة الرومانية بوخارست، في زيارة رسمية لها: “أنه يهنئ قوات الأمن التي قامت بالعملية، واقتحمت غرفة كيراز، وخاطروا بأرواحهم عندما سمعوا أصوات الرصاص، وقاموا بما يلزم، محاولين إنقاذ المدعي العام”.
وأفاد أردوغان أنه كان على اتصال مستمر مع مدير أمن إسطنبول، وأنهم حاولوا التصرف بحكمة من أجل الحصول على نتيجة إيجابية، إلا أن أصوات الرصاص دفعت قوات الأمن إلى دخول الغرفة مباشرة، وأكد الرئيس التركي، أنه يجب من الآن فصاعدًا، تناول كيفية دخول المحامين والموظفين والعاملين في قصور العدل، وكيف سيتم معاملتهم خلال الدخول.
وعلى صعيد آخر شهدت مناطق واسعة من تركيا أمس انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 40 ولاية تركية، فيما ذكرت شركة توزيع الطاقة الكهربائية التركية أنه عطل في خطوط النقل.
في العاصمة أنقرة، أصاب انقطاع التيار الكهربائي شتى مناحي الحياة بالشلل التام، حتى إن عدد كبير من المواطنين ظلوا محاصرين في مصاعد الأبنية بسبب انقطاع التيار الكهربائي وهم بداخلها، إلى حين قيام فرق الدفاع المدني في المدينة بإخراجهم ، كما أُصيبت حركة المرور في المدينة بشلل شبه كامل، بينما قامت الحافلات بتعويض توقف حركة مترو الأنفاق، وقامت بنقل المواطنين، فيما اعتمدت المستشفيات ومراكز الشرطة والمرافق العامة، على المولدات الكهربائية، للاستمرار في أعمالها دون الإضرار بحالات المرضى.
هذا وقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي في توقف رحلات “الترام واي”، و”مترو الأنفاق”، في ولايات إسطنبول، إزمير، بورصة، قيصاري، أضنة، صامسون، وغازي عنتاب، ما تسبب في ازدحام شديد في المواقف، كما تعطلت إشارات المرور في المناطق التي انقطع عنها التيار؛ ما استدعى نشر مزيد من أفراد شرطة المرور، تجنبًا لحدوث اختناقات مرورية، وتعطل حركة السير، كما طال انقطاع التيار الكهربائي ولايات أنطاليا، وأرض روم،إدرنة، إسكي شهير، وديار بكر.
فيما نفى وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، تانر يلدز، أن يكون الانقطاع ناجمًا عن نقص في الطاقة، مستبعدًا حدوث هجوم إلكتروني، وأشار إلى أن العطل قد يكون في خطوط النقل أو ناتجًا عن سبب فني آخر وأن الأمر يتابع لحظة بلحظة، إلى أن خرج الوزير ليعلن أن التيار الكهربائي عاد إلى جميع المناطق في تركيا، ولم يبق أي مكان بدون كهرباء، وأضاف يلدز في تصريحاته للصحفيين، أن الطواقم الفنية عملت منذ انقطاع التيار على تصليح العطل الذي تسبب في حلول الظلام بمختلف مناطق البلاد.
وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قال في تصريح له في أنقرة: إنه “يجري التحقيق في جميع الاحتمالات، وقد تم تشكيل خلية أزمة في وزارة الطاقة”، تعليقًا على إذا ما كان هناك احتمال لهجوم إرهابي بشأن انقطاع التيار الكهربائي.
واختتمت تركيا ليلتها من الكوارث باندلاع حريق في ثكنة السليمية العسكرية التاريخية التي تتبع الفرقة الأولى من الجيش التركي في اسطنبول دون التصريح بالأسباب، لتمثل بذلك ثالث الحوادث في هذا اليوم على الدولة التركية.
وفي حادث آخر صباح اليوم اقُتحم مقر لحزب العدالة والتنمية الحاكم بمنطقة كارتال بالجزء الأسيوي من إسطنبول، مع سماع دوي إطلاق نار من الداخل ما ينبئ بأن العناصر التي اقتحمت المبنى مسلحة؛ مما أدى إلى توافد عدد من فرق القوات الخاصة إلى المبنى واقتحامه لتعتقل المسلحين وتخلي المبنى دون إصابات.
هذا لتتحقق نبوءة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الذي أشار في حديث له بالأمس أنه من الوارد حدوث أعمال تحريضية وإرهابية، خاصة في الفترة الحالية قبيل الانتخابات البرلمانية التي تجري في السابع من يونيو المقبل، داعيًا الجميع إلى ترك الخلافات السياسية، والوقوف ضد هذه الهجمات الإرهابية التي هي في حقيقتها هجوم على القضاء والديمقراطية في البلاد حسب قوله.
بهذا تعيش تركيا 48 ساعة من القلق بشأن الأحداث المتفرقة التي أُصيبت بها البلاد، لتطرح التساؤلات إذا ما كانت هذه الأحداث عابرة وتزامنها مجرد صدفة أم أن ثمة علاقة بين كل حدث من هذه الأحداث.