يراهن أصحاب الرؤى الإصلاحية على بناء الوعي الجماهيري وتطويره في حسم أي معركة إصلاحية، وغدا واضحًا الاهتمام بقضية الوعي عند كل من ينشد التغيير أو التطوير، خاصة مع وجود تغييرات جذرية لكثير من الأفكار التى يصعب على العقل قبولها والتعامل معها بسهولة مهما كانت حقائقها واضحة، ورغم الاهتمام النظري ببناء الوعي إلا أنه لا يتم بناؤه وتغيير القناعات اللازمة لذلك بنفس مستوى الاهتمام، أو حتى بقدر المعلومات والأفكار المثبتة بالأدلة التي يُفترض أن يستجاب لها بشكل أسرع من ذلك بكثير.
عند التدقيق فى هذه المفارقة نجد أن مرحلة بناء الوعى تتسم بعدة مشكلات تتضاعف معها صعوبة الحصول على نتائج إيجابية لهذا الجهد المبذول فى هذا المجال، ويمكن تلخيص هذه المشكلات في النقاط التالية:
أولاً: تحويل عملية بناء الوعي إلى صراع، فأنت من البداية تسميها “معركة” الوعي، و”حرب” الأفكار؛ ما يجعل قبول الأفكار والمعلومات مرتبطًا بإعلان الهزيمة في تلك “المعركة”، فقبول فكرتك دليل على انتصارك وهزيمتي، وهذا يضاعف ممانعة المتلقي في قبول الحوار، فضلاً عن قبول الأفكار وتغيير القناعات.
ثانيًا: هدم المخالف في الرأي، ونعته بمفردات سلبية تعمل على الفرقة والشقاق، مما يجعل هدم صاحب الفكرة هدفًا عند الخصم، فإذا هُدم الشخص كيف تُقبل أفكاره؟ وكيف تُنصر قضاياه؟!
ثالثًا: عدم وضوح القضايا الكلية – في كثير من الأحيان – عند صانع الوعي، والاهتمام فقط بصناعة الوعي الجزئي، الذي قد نكتشف بعد قليل أنه يصطدم مع الوعى الكلي الذي نريد بناءه، فإذا أردنا تغيير ذلك الوعي الجزئي ناقضنا أنفسنا عند المتلقي، وإذا تركنا ذلك الوعي الجزئي الخاطئ حال دون بناء الوعي الكلي الذي نقصد بناءه.
رابعًا: تجاهل قدرات الجمهور المخاطب واحتياجاته وخصائصه، والانطلاق بالحوار والأفكار من ثقافة وقدرات صانع الوعي، وهذا يعمّق شعور المتلقي بغرابة الأفكار، ويجعل رفضها أسهل الاختيارات وأقربها وأكثرها أمنًا.
خامسًا: انطلاق بناء الوعي من المشاكل والاحتياجات الخاصة لمن يقوم بتلك العملية واستمراره في تسويقها دون النظر لقبول الجمهور المستهدف لهذه القضايا، ودون دراسة إشكاليات واحتياجات ذلك الجمهور والإنطلاق منها لبناء الوعي وتطوير الأفكار.
تعد إشكالية بناء الوعي أزمة عند صانعيه أكثر من كونها كذلك لدى عموم الجماهير؛ إذ يركن الجمهور غالبًا إلى الحلول القريبة التي تحسم القضايا بشكل قاطع، دون النظر إلى تحليل المساحات الرمادية فالألوان لديهم إما أبيض أو أسود، والأشخاص إما حسن أو سيء، دون تحليل كل موقف على حدة والوقوف على أسبابه ودوافعه.
تكمن المهمة الكبرى عند صُنّاع الوعي فى إكساب الجماهير مهارة التفكير المنطقي والقدرة على التدقيق في المعلومة، لا مجرد تلقين جزئيات متناثرة في مواسم مختلفة.