محطات العراقيين مع الاحتلال الامريكي متعددة، وتتنوع فصول قصصها وأماكن أحداثها، أحأول أن أسلط الضوء عليها، إضافة إلى ما خلفه هذا الغزو من تغيير في المجتمع وتركيبته الطائفية والسياسية في وقت يمر فيه العراق بمرحلة حرجة من الصراع الطائفي والسياسي.
من خرب البلد؟
بكل تأكيد ستبقى طبيعة الحرب التي خاضها العراقيون مع المحتل الأمريكي حاضرة في أذهانهم لفترة طويلة من الزمن، وسيذكرها الأجيال جيل إثر جيل، وسيتكرر استعادة ذكريات هذا الغزو بألم في أماكن متعددة، وسيخلد التاريخ هذه المحطات بقصص مختلفة، ولن تزول آثار هذه المحطات إلا بنهوض البلاد من ركام وحطام هذه المرحلة المرة والتي لايزال العراقيون يعانون منها إلى يومنا هذا، ولن يكون هذا إلا بإصرار وتكاتف جماعي من أقطاب البلد المختلفة والمتنوعة.
نقاشات عراقية تدور في مختلف البيوت والمنتديات والمقاهي، يكون فيها النقاش معمقًا حول محطات الغزو الأمريكي للعراق، ويبقى نقد تلك الفترة موضوعًا هو غاية الكثير من العراقيين، فيكون هدفهم في التحليل لما جرى في ذلك الزمن قبل اثنى عشر عامًا هو التطرق لمن ساعد المحتل في خراب البلد وماهي مبرراته التي لا تشفع له عند الكثير من العراقيين، مثقفون وإناس عاديون يفتشون وينبشون في حيثيات المشهد قديمًا فيجدون من وقف مع المحتل في تلك المرحلة هو من يقود البلد في هذه المرحلة وهو من الأسباب التي لم تدع العراق يستقر إلى يومنا هذا، نقاشات تُطرح وفي أغلبها يدور سؤال متكرر بطرق مختلفة؛ فالكل يسأل “من خرب البلد؟ ومن دمره؟ ومن، ومن، ومن، قد لا يكون السؤال واضحًا، وهو في ذات الوقت لا يبدو غريبًا وقد عرفه الكثير، ويجيب آخرون على السؤال بـ “أتعرف من خرب البلد؟ هم أبناء من هذا البلد تعأونوا مع أطراف من خارجه ودمروه وأنهكوا أهله ونهبوا ثرواته.
في المشهد حرب العراق، أو احتلال العراق، أو حرب تحرير العراق، أو عملية حرية العراق، وهذه بعض من أسماء كثيرة استعملت لوصف العمليات العسكرية التي وقعت في العراق عام 2003 والتي أدت إلى احتلاله عسكريًا من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا، كما وأطلق المناهضون لهذا الغزو تسمية “حرب بوش”.
حرب بدأت من قِبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافًا كبيرًا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافًا صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة للمعارضة العراقية أثناء فترة حكم صدام حسين الرئيس السابق للعراق، وكانت هذه المعارضة قد ضمت زعامات سياسية ودينية بمختلف القوميات والانتماءات حينذاك، في حين أن القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية شكلت نسبة 98% من هذا الائتلاف، ولقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي في عدة عقود.
إذًا فوجود جبهات عراقية خربت البلد هي بنسبة قليلة من أبنائه، من الممكن وقد ينسى العراقيون تدخل المحتل في بلادهم، ولكن من المستحيل أن ينسوا من ساعده ووقف معه جنبًا إلى جنب ليقتل وليهدم كيفما شاء ووقت ما يشاء، وتبقى تبريرات الحرب من قِبل من غزا العراق أو من ساعد على غزوه متعددة ومتشعبة ولها أكثر من وجه.
فحسب الإدارة الأمريكية ومن خلال ما قدمته قبل وأثناء وبعد سقوط النظام السابق في بغداد في 9 أبريل 2003 من مجموعة التبريرات لإقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي بشرعية الحرب، ومن أبرز هذه التبريرات، استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في عدم تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان التفتيش عن الأسلحة بمزأولة أعمالها في العراق، وكذا أيضًا استمرار حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتصنيع وامتلاك “أسلحة دمار شامل” وعدم تعأون القيادة العراقية في تطبيق 19 قرارًا للأمم المتحدة بشأن إعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من “أسلحة الدمار الشامل”، ومن أكثر التبريرات شيوعًا أيضًا، ما قالته تلك الإدارة للعالم بأن حكومة الرئيس السابق صدام حسين يمتلك علاقات مع تنظيم القاعدة ومنظمات “إرهابية” أخرى تشكل خطرًا على أمن واستقرار العالم.
وبسبب هذه التبريرات ومن أجل نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية وتغيير أنظمة الحكم الرسمية للدول، جاء المحتل للعراق غازيًا فوجد من يعينه بكل أنواع المساعدة على هذا الغزو سواء كان معنويًا أو ماديًا أو بشريًا أو من أي أنواع الدعم كان.
وبعد الحرب ومحطات الغزو الأمريكي؛ تعرضت التبريرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى انتقادات واسعة النطاق بدءًا من الرأي العام الأمريكي إلى الرأي العام العالمي وانتهاءً بصفوف بعض المعارضين لحكم صدام حسين؛ فما قالته تلك الإدارة عن أن العراق يمتلك أسلحة للدمار الشامل وهو ما دعاها إلى غزوه وتغيير النظام فيه، كانت نتائجه أنه لم يتم حتى هذا اليوم العثور على أية “أسلحة دمار شامل” في العراق بل إن نتائج مفتشي الأسلحة أكدت عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل نهائيًا، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت موعدًا نهائيًا لبدء العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم بأعمالها في العراق.
من خرب البلد؟ هو من خرب بلدان آمنة أخرى، وهو ذاته من يدعم السلام ويحث على الديمقراطية بطريقة مخالفة! فهو يقتل هنا ويخرب هناك بأسماء ومبررات شتى ويجد من أبناء جلدتنا من يدعمه ويقف إلى جانبه بغايات وأهداف شتى.
من زرع الفتن؟
بعد محطات من الصراع الطويل والمقاومة المتواصلة للمحتل الأمريكي والتي خاضها العراقيون لقرابة عقد من الزمن، مر العراق بتجربة ومراحل جديدة وهي تشكيل حكومة عراقية وصياغة دستور جديد للبلاد، بهاتين المرحلتين وخلال تنظيم أعمالهما من قِبل رجال السياسة والدين في البلد حدثت أحداث بتطورات كانت متوقعة للكثير من العراقيين، فكان أن ولدت الفتنه الطائفية أثناء وخلال العمل على إعدادهما، وتقف الكلمات عاجزة للتعبير عن حجم المأساة التي تعرض لها العراقيون في عراقهم الجديد، عراق حدد شكله السياسي أشخاص لم يكونوا خبراء في السياسة التي تؤهلهم لقيادة العراق، هذا البلد الذي يصعب الحكم فيه، وهو يحتاج إلى أحزاب تعي مكونات وطبقات هذا المجتمع وتوفر له ما يحتاج قبل أن يغضب، لأن هذا الشعب ولعقود طويلة من الزمن عبّر الكثير منهم عن غضبهم بطرق متعددة وفي أزمنة ملتهبة.
ساسة العراق وسياسيوه والذين أمسكوا بالسلطة والحكم فيه طوال السنوات التي تلت الغزو أوصلوا العراقيين بمواقفهم إلى الفوضى وعدم الاستقرار، فبدل أن يوحدوا العراقيين فرقوهم، وبدل أن يكونوا عونًا لهم كانوا غير مبالين بهم ولا بأمورهم، فأُهدرت الأموال، وأُريقت الدماء واُنتهكت الأعراض ونًهبت الثروات وهم في كل هذه الأزمات تراهم صامتون لا يتخذون قرارات مناسبة للحل، وإن اُتخذت القرارات فإنها ستكون معقدة للمشهد غير معالجة له، فيصف الكثير من العراقيين أن من يحكم البلد اليوم ومن يمثل الشعب في أروقة الحكم هو مجرد دمى متحركة بخيوط يمسك أطرافها صناع القرار الأمريكي، لدرجة أن الكثير منهم فقد الثقة في الدوائر السياسية والعسكرية المحيطة بصانع القرار العراقي في وقتنا هذا، كل هذا كان بسبب خطط الإدارة الأمريكية والعمل السياسي التي رسمته لإدارة المؤسسات العراقية السياسية منها والعسكرية، وبسبب هذا كله أفقد القدرة في أروقة السياسة العراقية على إيجاد حلول حقيقية يمكنهم الاعتماد عليها في بسط الأمن وتوفير الحياة الكريمة للعراقيين، ولكن لم يفلحوا في ذلك إلى يومنا هذا كون أساسهم الذي بنوا عليه حكمهم كان ضعيفًا أوصل البلاد والعباد إلى دمار شامل في كل مرفقاتهم.
فترى العراق بعد اثني عشر عامًا مقسم الوطن على أسس طائفية وعرقية مقيته نشرت فيه روح التعصب للقومية والطائفية والمذهبية التي لم تكن متوفرة قبل ذلك الغزو كما حدثت بعده! فأصبح كل شيء في البلد يسير على تلك الأسس والتي إن بقيت فيه لن تقوم للعراق قائمة في الأعمار والازدهار إلى أن يشاء الله! فقد قامت تلك القوات على نشر ثقافة المكونات وفق الأماكن وساكنيها من الشيعة والسنة والكرد والتركمان وغيرهم، ووفق ما رسمته في هذا الشأن كانت السياسة والفتن الطائفية قد نمت في تلك الأماكن أيضًا.
اختلافات السياسة في العراق لم تبق شيء في العراق إلا ودمرته، فلم ينحصر ذلك الخلاف في السلطات القائمة على إدارة البلاد في الأمور الداخلية فيما بينهم كسياسيين، ولكن امتدت خلافاتهم تجاه مواقف العراق الداخلية والخارجية السياسية منها والاقتصادية، إضافة إلى القضايا التربوية والأمنية والحريات العامة في داخل البلد، وقد تطور هذا الاختلاف إلى أن وصل إلى معارضة سياسية مسلحة، وفق كل طائفة ومذهب وقومية وانتشرت المليشيات وعم العنف والقتل وسفك الدماء وخَرِبت البلاد على هذا النحو، والذي كانت بدايته أزمات سياسية تطورت فيما بعد لنزاعات واصطدامات يمر العراقيون بها يوميًا ويعكر المشهد العراقي حاليًا هو ذات المشهد المتكرر في مناطق عراقية أبرزها ما يحدث الآن في الأنبار وديالى على خلفية فض اعتصام الأنبار بالقوة واعتقال رموز سياسية ودينية في تلك المناطق.
يعم خلاف سياسي فيكون بعده فتنة طائفية فيحصل بعده معارك كثيرة بمحطات دموية يصفها المدافعون فيها بأنها لأغراض الدفاع عن النفس لا أكثر، ويقول عنها المهاجمون بأنها لحماية القانون لا أكثر، وبين الغايتين يُقتل العراقيون وتخرب مدنهم دون أن يستفيدوا منها شيء طيلة 12 عامًا بعد الغزو الأمريكي لبلادهم.
من زيف الإعلام؟
يكون الحال مأساويًا، فتفتح التلفاز ليكون الوضع طبيعيًا في بعض وسائل الإعلام؛ غزو في العراق هو تحرير له في معظم المحطات التلفزيونية في دول التحالف لهذا الغزو أو ما سواها، ويكون دمار شامل في البلد وتراه في التلفاز إعمار وإعادة هيكلة، هو الإعلام وما يقوم به ليس بجديد ولن يكون بقديم أبدًا، هو من دمر العراق قديمًا وحديثًا وامتد دماره إلى بلدان أخرى، حرب العراق والغزو بكل أنواع فكريًا واجتماعيًا ناهيك عما خلفته تلك الحرب بمحطات من الدمار والخراب بكل أنواعها صاحبها إعلام تجميلي في دول فاعلة أخرى، وهو ذات الإعلام الذي لم ينقل الحقيقة أبدًا في وسائل الإعلام العربية والعراقية آنذاك على بساطتها.
منذ حرب فيتنام كانت جميع المنظمات ووسائل الإعلام الغربية قد تفهموا الحكمة التقليدية والدروس المستلهمة من الحروب حول كيفية كسب ود الجمهور، وكيفية إقناعه بما يجب أن يقتنع! كون أن رجال السياسة كانوا يعلمون أن الجمهور لن يقبل ولن يسامح بوقوع إصابات وضحايا في أروقة المدنيين العزل، ولن تُدعم الحرب شعبيًا إن كان مظهر القتل المختلف هو السائد في الإعلام، ولأنهم يعتقدون جازمين أن دعمهم الشعبي تجاه هذه الحروب المعلنة ضد الإرهاب يجب ألا تخسر دعمها من داخل البلاد مهما بلغت خسائرها، ولن يكون هذا إلا بدعم إعلامي مكثف من قِبل وسائل الإعلام المختلفة.
ولأجل هذا التحسين استخدم الإعلام بكل أنواعه ووسائله في الغزو الأمريكي للعراق، فبذل رجال السياسة والقائمون عليها وكذا من قام على إدارة الحرب بكل وسائلها المختلفة، على تقديم صورة جملية مجمّلة بكثير من الأكاذيب عن هذه الحرب التي استمرت قرابة عقد من الزمن مخلفة ورائها الكثير من الدمار في البلاد والعباد، وتُلفت وسائل الإعلام هذه الأنظار إلى العنصر الرئيسي في الحرب والتصريحات والخطابات الإعلامية على أثرها بجانب من جوانبها وتقوم هي بطريقتها على تجميله وإخراجه كما تريد هي لا كما هي الحقيقة.
فكلما ارتكبت تلك القوات الأمريكية الغازية جريمة بشعة راح ضحاياها الكثير من العراقيين تحولت هذه الجريمة إلى أنها محطة رهيبة يخوضها المحررون للعراق مع الإرهابين هناك، وكلما ارتكبت تلك القوات حماقة في البلاد وخراب في المرفقات تراهم يسابقون الأحداث ويتصدرون الأخبار بإن المحررين قاموا بتدمير منجم للألغام وآخر لمخازن العتاد والأسلحة! وهو في ذاته قصف عشوائي لمنازل وملاجئ لأناس بسطاء، ومع هذا هم يعملون جاهدين لإقناع أنفسهم وإقناع العالم بوسائل مختلفة على أنهم قد فعلو فعلاً حميدًا في باطنه خبث وقتل ودمار، ويعمل ذلك الإعلام على تجميل الصورة أكثر بعمل استفتاءات إلكترونية وأخرى على أرض الواقع هنا في أرض الحرب، أو هناك على أرض التأييد العسكري لها، فتكون تلك الأسئلة مصطنعة وتكون كذلك نتائجها منافية لما يجري على الأرض وتكون تلك النتائج حسب ما يريدون هم.
الإعلام تدهور مع بداية الغزو الأمريكي للعراق، فنسي التدهور هناك وأبدع فيه من يقوم عليه في بلادنا، فإن كان الإعلام مزيفًا في مرحلة من مراحل الغزو وكان المسبب لهذا التدهور وعدم نقل الحقيقة، أصبح اليوم الإعلام العراقي هو أكثر الوسائل الإعلامية تدهورًا وضياعًا بين المؤسسات الإعلامية العالمية، علمًا بان العراق هو البلد الأول عربيًا الذي أدخل التلفاز اليه، فيشوه الإعلام العراقي في يومنا هذا الكثير من الحقائق ويبث الكثير من الفتن في أوساط شعب تائه لا يعرف الحقيقة وسرعان ما تزرع الفتن في ربوعه ويثور من أجلها عضبًا.
إذًا من زيف الإعلام؟ يجيبك الإعلام نفسه، أنني وُجدت لأجمل الكثير من الأحداث ولأبثها بغير، ولأشن حربًا فكرية وإعلامية لا تقل أهمية عن تلك التي تقاد بالمدافع والطائرات، وينوه لك ذلك الإعلام بأن عمله لن ينجح سوى في مكان قد هيأ له كافة الوسائل والإمكانيات والسبل لذلك التزييف، ويخبرك هو نفسه بأنك ستجد في العراق كل ما تريد لهذه الغاية وحسب ما تشاء.
من سرق البلد؟
العراق، هذا البلد الكبير اقتصاديًا، الغني بثرواته الطبيعية الكثيرة، وصاحب رابع أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم، أصبح وبعد الغزو الأمريكي له أشبه بمزرعة مليئة بالخيرات تنهشها الذئاب وليس لأهلها في خيراتها نصيب سوى الاسم والمعنى، فشعب يعاني من مشاكل في الخدمات ويفتقر للكثير من مقومات الحياة في بلد يعم الفساد المالي والإداري في ربوع مؤسساته.
أرقام وإحصائيات رسمية وغير رسمية، صحفية وأخرى استقصائية، تكشف بين الحين والآخر حجم السرقة الكبيرة لخيرات هذا البلد، والتي يشترك فيها أطراف عديدة من مختلف الأماكن والمناطق والاتجاهات، سواء في داخل البلد أو خارجه، ومنذ السنين الأولى لذلك الغزو الأمريكي للبلاد والعراق يُنهب ويُسرق كل يوم، وتذهب خيراته جراء الحروب ونتيجة للإستراتيجيات الدولية الرامية لتنظيم سرقة خيراته.
في وقت تقدر فيه ميزانية العراق قبيل الاحتلال بأقل من عشرة مليارات دولار، تكون هذه الميزانية بعد عقد من الزمن بأكثر من مئة وخمسون مليار دولار، تضخم كبير في الميزانية يحاذيه تقصير كبير في توفير الخدمات لسكان هذا البلد، فلو وزعت ربع هذه الميزانية على بلدان فقيرة لأغنتهم لسنين، ومع هذه الميزانية الكبيرة بأرقامها يبقى العراق هو العراق؛ مدمر اقتصاديًا ويفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ولا تتوفر فيه مقومات العيش البسيط.
الكثير من المتابعين للأحداث التي وافقت الحرب واستمرت معها، يعرف جيدًا أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لم تكن رامية لتحريره أو لجلب الديمقراطية له، بل هي أطماعهم في خيرات هذا البلد ولن تحصل عليه إلا بدمار مجتمعه وتفكيك أواصره، وتكشف الوثائق بين الحين والآخر مجريات سرقات للنفط العراقي والذي يعد شريان الحياة العراقية من قِبل شركات أجنبية وصفقات عالمية، تتعدد أشكال السرقة فمنها المنظم ومنها ما هو ظاهر للعيان بأنه سرقة، وتجتمع الآليتين لدمار البلد وسرقة خيرات أبنائه، شركات لها من أسمها نصيب ومعنى كبير في الدلالة على وجودها على الأرض العراقية للاستثمار تارة وللتنقيب تارة أخرى، فتجدها تارة بريطانية وتارة أمريكية وأخرى ساهمت بلدانها في تدمير وغزو العراق، نفط عراقي يُستخرج ويُباع لأطراف معينة ويسرق منه المحتل كما يشاء بطرق متعددة وبآليات مختلفة في مشهد لم يعد يخفى على أحد.
ما يسلم منه النفط من سرقة منظمة بموافقة الأطراف هنا أو هناك يسرق بطريقة أخرى أيضًا، فعمليات التهريب لاتزال قائمة منذ الأيام الأولى لتلك الحرب، تهريب ساهم فيه الكثير من القائمين على إدارة أمور وتوزيع هذا المنتج، إضافة إلى دور الأحزاب والمليشيات في ذات الهدف.
إذًا يدمر البلد حربيًا، ويُسرق اقتصاديًا، فتذهب خيراته أدراج الرياح، ويبقى السؤال؛ من سرق البلد؟ من دمر خيراته؟ من ومن، يجيبك صدى صوتك هذه المرة بأن كل هذا التخريب والتدمير هو تدمير خارجي ساهم فيه الكثير داخليًا ومن أبناء هذا البلد، فوسط ظروف أمنية بالغة في التعقيد وإجراءات مشددة في الأحياء السكنية والمناطق المختلفة، يُسرق النفط على بعد أميال دون رقيب أو محاسب لهم عما يفعلوه.