ترجمة وتحرير نون بوست
إثر إعلان الحكومة الأمريكية عن التغييرات الجذرية الجديدة لحزمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر يوم الثلاثاء، يمكن القول إن إدارة أوباما اتبعت سياسة العقاب والثواب على حد سواء، لصياغة نبرتها الجديدة للعلاقة المتوترة مع الحليف المصري البالغ الأهمية بالنسبة لها.
اتخذت الولايات المتحدة الخطوة التي طال انتظارها، والتي تتضمن إيقاف نظام الائتمان الممنوح لمصر لدى الولايات المتحدة الأمريكية ابتداءً من السنة المالية لعام 2018، وبناء على هذا القرار لن تعود مصر قادرة على تمويل تدفقاتها النقدية ضمن أمريكا، وهي الآلية التي سمحت لها على مدى عقود بطلب معدات عسكرية أمريكية الصنع مقدمًا، بموجب نظام الائتمان الذي يخولها وفاء قيمتها في وقت لاحق، وتم اتخاذ هذا القرار في ظل افتراض موافقة الكونجرس الأمريكي على تخصيص مبلغ 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية لمصر عامًا بعد عام.
هذا القرار الذي ينتزع الامتياز المصري، يمهد السبيل أمام الحكومة الأمريكية في المستقبل لوقف هذه المساعدات الأمريكية أو الحد منها أو ربطها مع شروط تتلاءم وتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية، وبموجب هذا القرار أيضًا، ستكون أمريكا ابتداءً من عام 2018، قادرة على ممارسة سيطرتها على نوع الأسلحة التي ستقتنيها مصر، بحيث سيتم تركيز المساعدات تجاه تزويد مصر بقدرات لمكافحة الإرهاب وتجاه الاستثمارات في مجال الأمن البحري وأمن الحدود، بدلاً من سعي الحكومة المصرية التاريخي الذي يهدف للحصول على الدبابات والطائرات الحربية ابتغاء بناء قوة عسكرية تقليدية متينة.
ولكن رغم هذه التغييرات الهامة والتي تبدو معقولة، قررت إدارة أوباما السماح بتسليم طائرة الـ F-16 وغيرها من المعدات العسكرية، التي تم إيقاف تسليمها لمصر احتجاجًا على سجل الحكومة المصرية المروع في مجال حقوق الإنسان، وتشير مصادر أن الرئيس أوباما أخبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مكالمة هاتفية يوم الثلاثاء، أن الحكومة الأمريكية ستواصل مطالبة الكونجرس بتخصيص مبلغ 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنوية لمصر.
ووفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، أعرب السيد أوباما في حديثه مع السيسي، عن قلقه إزاء اعتقال مصر للمتظاهرين السلميين، والمحاكمات الجماعية للمعارضين السياسيين، ولكن من غير المرجح أن يكون لهذا الانتقاد تأثير كبير على مجرى الأمور، بالنظر إلى تقلّب وتلوّن موقف الولايات المتحدة تجاه مصر في أعقاب ثورة عام 2011 وعودة البلاد لاحقًا إلى نظام الاستبداد تحت حكم السيسي.
إن الحفاظ على علاقات التحالف الوثيقة مع الحكومة المصرية، له مبرراته وأسبابه القوية بالنسبة لإدارة أوباما، كون هذه الروابط توفر للسفن الحربية الأمريكية مرورًا معجلاً عبر معبر قناة السويس الإستراتيجي، كما تسمح لسلاح الجو الأمريكي المرور بحرية فوق المجال الجوي المصري، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تعتبر مصر شريكًا هامًا في الحرب ضد الدولة الإسلامية، المنظمة الإرهابية التي تتزايد فروعها ووشائجها في المنطقة.
ولكن من جهة أخرى، كان يمكن لأمريكا أن تستخدم المعونة كأداة للضغط على الحكومة المصرية لإرغامها على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي، فمصر منذ فترة طويلة تعتبر هذه المساعدات كحق من حقوقها المكتسبة، وذلك بغض النظر عن سلوكها، وهذا الحق ناجم – من وجهة النظر المصرية – عن توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، وعلى الرغم من سعي بعض أعضاء الكونجرس في السنوات الأخيرة إلى ربط استمرار المساعدات باشتراط حصول تغييرات في سلوك الحكومة المصرية، بيد أن هذا المسعى تم إحباطه من قِبل المشرعين الأمريكيين، الذين قدروا أنه من الأصلح تفويض إدارة أوباما بالمرونة الكاملة بهذا الموضوع.
نهاية، فإن طمأنة الحكومة المصرية حول استمرار المساعدات الأمريكية – رغم بعض التعديلات التي طالتها -، من شأنه أن يبعث برسالة مبطنة سيتم تفسيرها على أنها تأييد خجول للممارسات الاستبدادية الجارية في البلاد، وفي نهاية المطاف، فإن المغلوب على أمره في هذه المعادلة هو الشعب المصري، الذي سيدفع ثمن إعادة المساعدات العسكرية من دمه وحريته؛ فخلال آخر مظاهرة خرجت في القاهرة، فرقت قوات الأمن التظاهرة باستعمال رصاص الخرطوش ضد المتظاهرين العزل، وعقب وفاة الشابة شيماء الصباغ إثر إصابتها بطلق ناري متأثرة بجراحها، أوضح مسؤول أمني ببرود أنها توفيت نتيجة لكونها نحيفة، ومن جهتها أعلنت السلطات المصرية عن نيتها بتوجيه تهم للمتظاهرين الآخرين بجرائم قد تسفر عن حبسهم لعدة سنوات.
المصدر: نيويورك تايمز