محمدو بخاري: هل يبدأ مرحلة جديدة لنيجيريا؟

لأشهر طويلة ظلت الشكوك تراود كثيرين حيال قدرة نيجيريا على المرور بالسلام عبر أيام الانتخابات الرئاسية العصيبة، والتي توقع البعض أن يتخللها العنف وربما فشلها من الأساس، لا سيما مع احتمال تنامي هجمات بوكو حرام واندلاع التوتر الإثني والطائفي، بيد أن البلد الأكثر تعدادًا في أفريقيا بـ170 مليون شخص نجح في إجراء انتخابات هادئة وشفافة نسبيًا، ليخرج بأول فوز لحزب معارض منذ تدشين الديمقراطية النيجيرية عام 1999، وليصبح محمدو بخاري رئيسًا لنيجيريا خلفًا لجودلاك جوناثان بحصوله على 54٪ من أصوات الناخبين مقابل 45٪ للأخير.
بين الشمال والجنوب
تنقسم نيجيريا كما هو معروف بين الشمال المسلم، حيث يغلب عرقا الهوسا والفولاني، والجنوب المسيحي، حيث يغلب عرقا الإيجبو واليوروبا، وكان التوتر قد ازداد في السنوات الأخيرة بين الشمال والجنوب نظرًا لترشّح الرئيس جودلاك جوناثان عام 2011 وفوزه، في ما رآه البعض نوعًا من الخرق للعُرف السياسي السائد بتبادل المنصب بين جنوبي تارة وشمالي تارة أخرى، حيث تولى الرئيس السابق أولوسِجون أوباسانجو، وهو مسيحي من اليوروبا بالجنوب الغربي، لُمدتَين، ثم سلّم الحكم لعمر يارادوا المُسلم، بيد أن وفاة عمر في مدته الأولى أنهت الحكم الشمالي مبكرًا ليقرر جوناثان نزول الانتخابات بدلًا من ترشيح مسلم ليتولى أثناء مدة يارادوا الثانية، وهو قرار لامه الكثيرون عليه واعتبروه بذرة التمرّد الذي ضرب الشمال وأدى لتنامي جماعة بوكو حرام.
ينتمي جودلاك جوناثان لعرقية ذات نسبة ضئيلة من السُكان وهي الإجاو Ijaw، وقد نما نفوذ تلك المجموعة والمنطقة التي ينحدر منها جوناثان مباشرة فور توليه السلطة مما أثار حفيظة المسيحيين من خارجها، كما ازداد نصيبهم من كعكة النفط المتركّز في الجنوب بمنطقة دلتا نهر النيجر، لتظهر طبقة من الأغنياء المحيطين به وصلت إلى دخول جوناثان في معركة مع مدير البنك المركزي النيجيري حين طلب فتح تحقيق في شكوى مقدمة باختفاء 20 مليار دولار من عوائد النفط، في إشارة واضحة إلى فساد حكومة جوناثان.
كان جوناثان يعتمد بشكل ما على إرث أوباسانجو الرئيس المنتخب البارز منذ عام 1999، بيد أن أوباسانجو قد ضاق ذرعًا بجوناثان واتهمه علنًا بنشر التفرقة بين النيجريين بسياساته الطائفية والإثنية، “أن تسمح لنفسك بهيمنة دائرة صغيرة دون بقية النيجريين، حتى يراك الناس كرجل الإيجاو في بلدهم، هو خطًا لم يكن من المفترض أن يقع أبدًا،” هكذا كتب أوباسانجو في خطاب مطوّل للرئيس السابق، والذي تدهورت شعبيته بشكل أكبر إثر فشله وتباطؤه في التعامل مع توسّع بوكو حرام وانعدام شعبيته في الشمال المسلم.
بخاري: آفاق ومخاوف
كان تدهور شعبية جوناثان خارج إطار مجرد التوتر بين الشمال والجنوب فُرصة للمرشح محمدو بخاري الذي توقع أن يحظى بدعم الشمال المسلم بالطبع، وعمل على جذب أصوات المسيحيين الساخطين على جوناثان، لا سيما بين اليوروبا، لتوسيع قاعدته الشعبية، وهو ما دعاه إلى اختيار نائب مسيحي من اليوروبا بالجنوب الغربي، هو يِمي أوسينباجو، لينجح بالفعل في جذب أصوات الكثيرين بالشمال والجنوب، وليصبح حزب تقدميّي الكونجرس أول حزب معارض يتسلم السلطة من حزب الشعب الديمقراطي منذ عام 1999.
على العكس من جوناثان، ينظر الكثيرون إلى بخاري، الذي حكم لأشهر قصير عبر انقلاب عسكري فاشل في الثمانينيات، باعتباره محاربًا للفساد نظرًا لسُمعته كرجل نظيف اليد، أضف إلى ذلك أن شعور الشماليين بعودة صوت لهم إلى رئاسة نيجيريا سيصلح الكثير مما أفسدته رئاسة جوناثان، كما سيريح الكثيرين من المسيحيين الذين تم تهميشهم في عهد جوناثان، مما يعني فرصة كبيرة لتجديد العقد الاجتماعي في نيجيريا، حيث يدخل رئيس، لأول مرة، بشرعية ربما متجاوزة لخطوط الاستقطاب الشمالي الجنوبي التقليدية.
من ناحية أخرى، بخشى البعض من أن بخاري قد يستخدم شرعيته كرئيس مسلم لشن حملة عنيفة ضد بوكو حرام في الشمال مع دعم الشماليين له، والذين يقول كثيرون أنهم تعاطفوا مع الجماعة نظرًا لإقصاء الرئاسة لهم، أما الآن وقد أصبح بخاري ممثلًا لهم فقد يعطيه ذلك موقع قوة لمواجهة الجماعة بشكل عسكري، بيد أن هذا السيناريو لا يبدو مرجحًا حتى الآن، إذ يمكن لبخاري المنحدر من عرقية الهوسا والعالم بجذور وأسباب نشأة بوكو حرام، أن يكون قادرًا على احتوائها بشكل أكبر وأكفأ، لا سيما وأن الأعمال العسكرية لم تنجح حتى الآن، ولا يبدو أنها ستنجح.
ما إن كان بخاري سيعتمد على القوة الصِرفة في التعامل مع بوكو حرام أم سيفتح باب الاحتواء هو أمر يتوقف بالطبع على مواقف الجماعة منه ومن فوزه بالرئاسة، وهي التي تُدرك أن قواعدها الشعبية في الشمال قد تكون مهددة إذا ما قررت تبني مواقف متشددة من السلطة الجديدة والمضي قدمًا في ترسيخ نفسها كفصيل “داعشي” بغرب أفريقيا، وهو تحرّك سيعزلها ويجعل ضربها أسهل، في حين سيكون عودة الحوار ولو بشكل غير رسمي أفضل للطرفين، وهو الذي يرجح البعض الآن ويريده أغلب النيجيريون.
عهد جديد؟
بينما يخشى المتشائمون من قبضة رجل عسكري حاول الانقلاب يومًا ما، ترى الغالبية ممكن انتخبوه وينتظرون مرحلة أفضل مما سبق أن بخاري اليوم ليس كبخاري الثمانينيات، وأن النمو الذي شهدته نيجيريا وجعلها في 2014 أكبر اقتصاد أفريقي (من حيث القدرة الشرائية) لم يعد يسمح بالعودة للوراء، وهي واحدة من أسباب سخط الطبقة الوسطى الكبيرة والمتنامية على جوناثان واتجاهها لبخاري.
باعتباره أول حزب معارض ينجح منذ بدء الديمقراطية في تسلّم السلطة، وأول مرشح يتجاوز استقطاب الشمال والجنوب ويتمتع بشعبية بين قطاعات واسعة من المسيحيين، مع سمعته كرجل ضد الفساد، يتوقع كثيرون أن ترى نيجيريا في الأعوام المقبلة مرحلة أفضل من سابقاتها، وأن تنطلق بشكل أكبر مستغلة شرعية نظامها الديمقراطي على الساحة الأفريقية، وأن تنجح في احتواء بوكو حرام التي ما اتجهت إلى التطرّف إلا ردًا على تجاهل الجنوب.
بينما وقف النيجيريون لساعات طويلة منتظرين دورهم في التصويت، يبدو ولأول مرة أن هناك هدفًا واحدًا تتجه له أصوات المسلمين والمسيحيين، وأن الرجل الذي نجح في كسب ثقة هؤلاء يجد نفسه الآن أمام فرصة تاريخية لتحويل نيجيريا إلى الأفضل اقتصاديًا واجتماعيًا، وتدشين عقد اجتماعي جديد يغلق باب التوتر الشمالي الجنوبي ويعيد التوازن بينهما، ما إذا كان محمدو بخاري سيستغل تلك الفرصة بالفعل أم يتجه نحو ما يخشاه البعض هو أمر ستكشف عنه الأيام.