ستعرف الفضائيات الجزائرية إضافة نوعية من خلال قناة “الأنيس” الدينية الجزائرية التي ستباشر بثها في الأيام القليلة القادمة، ولا شك أنه ستكون أمام القناة الكثير من التحديات التي ستؤثر على مسارها حتى تجد مكانها في الساحة وتتموضع في الوسط الإعلامي بشكل عام والوسط الديني بشكل خاص، نجمل أهمها في النقاط التالية:
أولى العقبات التي ستواجه القناة تتعلق بالإمكانيات المادية للقائمين عليها، ومدى القدرة على ضمان استمراريتها من جهة، وتقديم منتج نوعي يُحدِث فارق من جهة أخرى، وإذا ما كان باستطاعتها جلب الإعلانات، أم ستكتفي بالدعم والتبرعات، و”تضحيات” العاملين فيها.
يتمثل التحدي الثاني في الحملات الإعلامية التي ستشن ضدها إن عاجلاً أو آجلا من طرف اتجاهات مختلفة، في مقدمتها الفضائيات الإخبارية والعامة (الزميلة) التي ستحاول رصد كل شبهة خطأ تتصوره لمحاولة ضرب القناة ومصداقيتها، وما تعتبره تخلفًا ورجعية وما شابه ذلك، وستحاول اللعب على وتر “المرجعية والهوية الوطنية”، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل المنشغلين بالهوية الوطنية من المشتغلين بالمجال الإعلامي لم يسعوا لتأسيس فضائيات دينية تحفظ ما يدافعون أو يزعمون أنه يدافعون عنه، وتلك البرامج الدينية على هامش بعض الفضائيات لا يمكن الارتكان إليها للقول بحميتها الوطنية وغيرتها عليها؛ لذلك فإن القناة يتوجب عليها محاولة رسم تصورات أولية لكيفية التعاطي مع مثل هذه المواقف والاستثمار في تلك القضايا بما يخدم برنامجها.
غير بعيد عنه ستواجه القناة تحد آخر يتمثل في الصراعات ضمن الدائرة الدينية الجزائرية بشكل عام والدائرة السلفية بشكل خاص، إذ هناك شكل من الاصطفافات داخل البيت السلفي بالرغم من “ضبابيته” إلا أنه على مستوى الأتباع جلي ذلك التناقض الذي بلغ حد التحذير من دروس بعض الشيوخ ونعتهم بالخروج عن المنهج، وبغض النظر عن هذا التباين “الروتيني” إن صح التعبير، فإن أبرز إشكالية ستطرح في هذا السياق إضافة إلى مقاطع الفيديو التي ستقتطع من البرامج والتي ستعتبر أخطاء أو انحرافات علمية يستند عليها في تأكيد المواقف السابقة، فإنه سيواجه الاتجاه المختلف مع القناة تحد كبير جدًا في كيفية التعاطي مع الوضع وضرورة الظهور في برامج بعض القنوات أو تأسيس فضائية أخرى التي ستصبح حينها “واجب شرعي”.
وهنا قد نشهد طور جديد من “الخلافات” يعتمد الفضائيات كأدوات جديدة، وتأثير ذلك سيتوقف على مدى قدرة كل الأطراف على إيجاد صيغ ما لتأطير خلافاتها بحيث لا تنعكس سلبًا على مشروع الإصلاح الديني الذي يفترض أنه الهدف الأسمى للطرفين، أما بالنسبة لبقية الأطياف الدينية الوطنية فمن المعروف أن الشيخ بن حنفية من بين “السلفيين” – بوصفه أبرز مرجعية علمية في القناة – القلائل الذين استمروا بالنشاط في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتربطه بها علاقات جيدة، كما أنه من المتخصصين في المذهب المالكي والمدافعين عنه (لا يعني أن غيره على العكس من ذلك) من داخل المؤسسة الدينية الرسمية بشكل أو آخر، تأسيسًا على هذا لا يتوقع مشاكل حادة في هذا الإطار، ولكن لا ينفي احتمال أن نشهد استعانة الفضائيات الإخبارية والعامة ببعض الوجوه من الاتجاهات الدينية الأخرى (الصوفية مثلاً) للسجال فيما يمكن أن يطرح عبر فضائية الأنيس.
التحدي الأخير يتعلق بمدى قدرة القناة على مسايرة “الأحداث السياسية” الوطنية بشكل خاص والدولية بشكل أقل، وفي هذا الإطار مهما حاولت الابتعاد عن القضايا السياسية لتجنب ما قد يترتب عن ذلك من إشكاليات، فإنه لابد من طرق هذا الباب خاصة لما يتعلق الأمر “بالفتاوى المباشرة” والتي تطرح فيها إشكاليات لها صلة مباشرة بالتدبير السياسي على غرار قانون الأسرة، أو الخيارات الاقتصادية، كما أن المتابعة اليومية تطرح بإلحاح ضرورة صدور مواقف “شرعية” من الأحداث، وإلا فإن المشاهد الجزائري ستطرح لديه أزمة ثقة في القناة، ومكمن الصعوبة في هذا المجال أن المصداقية أصبحت في الغالب مقرونة بمدى “الجرأة” في إصدار مواقف تتعلق بخيارات سياسية كبيرة على غرار “عاصفة الحزم”، فتأسيسا على ذلك “تصنف” الشخصيات، ولا شك أن هذه المواضيع ستكون أهم أدوات السجال مع وسائل الإعلام الأخرى وما تمثله من توجهات دينية أو سياسية.
في الأخير فإن مستقبل القناة وقدرتها على تحقيق فارق في الحالة الدينية الجزائرية من خلال طرح رؤية شرعية تتوافق مع خصوصيات المجتمع الجزائري، وفي نفس الوقت اجتياز حقول الألغام الإعلامية المرهونة بمدى استجابتها للتحديات الثالثة التي أشرنا إليها أعلاه، هي مهمة في غاية الصعوبة، ولكن يبقى الحدث بحد ذاته إنجازًا هامًا يُحسب للقائمين عليه.