يلاحظ مراقبون أن العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم “السعودية” تمر بحالة من الفتور بينما تتوهج في طهران في هذه الأوقات بعد توصل مجموعة الدول (5+1) بقيادة الولايات المتحدة إلى اتفاقٍ إطاري مع إيران حول برنامجها النووي.
أوباما يهاتف الأمس قادة دول خليجية ليس من بينها السعودية، حيث أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالات هاتفية، مساء الجمعة، بكل من أميري قطر والكويت وعاهل البحرين وولي عهد أبو ظبي، أطلعهم خلالها على ما تم التوصل إليه مع إيران بشأن ملفها النووي بمدينة لوزان السويسرية، في خطوة يبدو وأنها لطمأنة أصدقاء الأمس بعد التوصل لاتفاق مع غريمتهم “إيران”، يأتي ذلك بالتزامن مع الإعلان عن اجتماع قمة سيعقد بين الرئيس الأمريكي أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، لبحث الموضوعات والتطورات في المنطقة.
لا أحد يعلم حتى الآن أجندة هذا اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ومجلس التعاون الخليجي، ويفتح هذا اللقاء وجهات النظر أمام المحللين في رؤيتهم لهذا الوفاق الأمريكي الإيراني المؤقت في أسوء الأحوال، حيث ينتظر الجميع صدى هذا الاتفاق على قضايا المنطقة المشتعلة.
انقسمت الآراء في هذا الأمر حيث يرى متابعون أن شهر العسل التاريخي بين الولايات المتحدة والسعودية أوشك على الانتهاء وأن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة كبرى كسابق الوقت للدولة العجوز السعودية، ويرى أيضًا أصحاب هذا الطرح أن الولايات المتحدة لن تلتزم بالرؤية السعودية للصراع في المنطقة التي ترى إيران تهديد استراتيجي.
بينما يرى فريق آخر من المتابعين أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران لن يتعدى الاتفاق النووي وسيظل الأمر بين البلدين كما هو قائم على توترات وعدم ثقة متبادلة وستقوم السعودية بالاستفادة من ذلك، وترجح هذه الاحتمالية من انهيار الاتفاق النووي في أقرب فرصة بسبب شكوك في عدم جدية الإيرانيين في تنفيذه.
هناك أسباب منطقية نطرحها للفرضية الخاصة باستبدال الولايات المتحدة للحليف السعودي في المنطقة بالتحالف مع إيران:
أولها أن استقلال أمريكا في مجال الطاقة أصبح قاب قوسين أو أدنى ولم يعد الاعتماد على النفط السعودي متحكمًا، بعد أن شهدت واردات الولايات المتحدة من النفط 50% تناقصًا منذ 12 عاما، ويرجع ذلك إلى زيادة انتاج الهيدروكربونات غير التقليدية مثل النفط والغاز والفحم الحجري على أراضيها ما مكنها من الاستغناء عن الاستيراد من دول الخليج بشكل جزئي وأعلنت أنه من المتوقع أن تتوقف عن استيراد النفط بحلول 2020.
ثاني هذه الأسباب أن إيران ربما بعد أن تخرج من كبوتها الاقتصادية ستستطيع أن تمثل توازنًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في المنطقة في مجال الطاقة حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، ما معناه أنها ستؤمن بديلا جاهزًا للطاقة ما سيحد من قدرات الخليج وانفرادته في المنطقة وتصبح المنطقة بزعامتين تمكنا للولايات المتحدة من اللعب على وتر العصا والجزرة لكلايهما.
نستطيع أن نرى السبب الثالث أن الولايات المتحدة باتت ترى الإسلام السني التي تقوده السعودية أخطر عليها من الإسلام الشيعي بمرات ، حيث أن الحركات الجهادية هي نتاج لنموذج الإسلام السعودي، ولم يحدث أن خرجت منظمة شيعية من تحت العباءة الإيرانية تهدد المصالح الأمريكية بقوة كتلك التي تخرج من عباءة النظام السعودي وتهدد المصالح الأمريكية دومًا بشكل صريح، فربما تفسر الفرضية هذا الأمر بأن النموذج السعودي لم يعد المغري لأمريكا كما كان من قبل.
يعضد هذه الفرضية ما نشرته جريدة الواشنطن بوست الأمريكية بأن الاتفاق النووي الإيراني تسبب فيما وصفته الصحيفة بالعراك وراء الكواليس بين الولايات المتحدة من جهة وإسرائيل والسعودية من جهة أخرى، حيث اعتبرت الصحيفة الأخيرتين هما البلدان الأكثر تضررًا من وراء ذلك الاتفاق بين الغرب وإيران .
وذكرت الصحيفة أن النفور السعودي الإسرائيلي من الاتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى توافقهما بحكم الواقع ضد الاتفاق، قد يظهر هذا الجوانب الخفية وراء هذه المفاوضات، مضيفةً أنه في حال أصبحت إسرائيل الحامي والمدافع عن الدولة السنية، على حد تعبير الصحيفة، فإن هذا قد يأتي بفائدة دائمة لأمن إسرائيل، بل قد يمهد الطريق لإحراز تقدم في القضية الفلسطينية دون الوساطة الأمريكية المعتادة.
ورجحت الصحيفة أن المفاوضين لم يكونوا على دراية بتداعيات الاتفاق الذي أبرموه مع إيران، لافتين إلى أنه مثلما يوجد ضباب إبان الحروب فإن هناك ضبابًا أيضًا إزاء اتفاقيات السلام، حيث أن إحدى المشاكل التي تحاصر اتفاقات السلام بالمنطقة هي تقييد برنامج إيران النووي، كما لوحظ وجود خلاف حاد بين المراقبين حول المخاطر والفوائد المحتملة من هذه الانفراجة بين إيران والغرب بعد 34 عامًا من العداء.
انفتاح الولايات المتحدة تجاه إيران قد يترك أيضًا أثره على الصراع السني الشيعي في المنطقة، الذي يتسبب في حرب دامية بالشرق الأوسط بين القوى السنية بزعامة السعودية والأخرى الشيعية بزعامة إيران وذلك عن طريق تكتيك الحروب بالوكالة في المنطقة، كما في سوريا والعراق والبحرين ولبنان.
وفي حالة فشل الولايات المتحدة في إدارة ما سمته بشراكتها مع إيران، فإنها ستتسبب في انتشار الصراع الطائفي كالنار في الهشيم في المنطقة برمتها بين الجهاديين السنة ضد وكلاء إيران الذين يسيطرون سويًا بشكل متزايد على الصراع في سوريا وعدد من الأماكن الأخرى.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأطروحة لا تعكس رؤية أوباما التي قال أنها تريد الابتعاد عن الصراع السني الشيعي، بينما هذا القرار قد يجعل المنطقة أكثر اشتعالًا جراء خطر غير مقصود من الإدارة الأمريكية من شأنه أن يؤدي إلى أن تستبدل الولايات المتحدة حلفاءها السنة في الشرق الأوسط بشركائها الشيعة الجدد، فما تخشاه دول الخليج والإسرائيليون هو أن يصاحب إحياء الولايات المتحدة علاقاتها مع إيران إنهاء الولايات المتحدة علاقاتها مع المنطقة، وهو الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتحدث بشكل متواصل حول إنهاء الحروب في الشرق الأوسط، فغموض الموقف الأمريكي بشأن استخدام القوة العسكرية في سوريا يثير مخاوف دول الخليج، باعتبار ذلك في إطار الاتفاق الأمريكي الإيراني، وهذا ما يدعو أوباما إلى ضرورة توضيح أطر الاتفاق مع إيران سياسيًا وألا ينفرد بالأمر وهو ما يعتقد أنه سيتم في لقائه مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أن الاتفاق مع إيران لا يجب أن يعد مجرد نجاح لإدارة أوباما فحسب، بينما يتجاهل الجميع أن يفكر في المخاطر المحتملة منه.
هذا كله على عكس ما يرى مروجو الأطروحة الثانية التي تقول أن الولايات المتحدة ليست بكل هذا الغباء لتلقي بكل أوراقها في قطعة اللهب المشتعلة من أجل التحالف مع إيران دون أن تحسب عواقب ذلك، حيث يؤكدون أن هذا الوفاق الأمريكي الإيراني لحظي ولن يكون عمره الافتراضي طويلًا وسيلحق بالوفاقات السابقة ولكن فترة طوله أو قصره ستحدد مدى تغير علاقة واشنطن بالخليج.