لم يكن تصديق الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي بالمفاجيء على حكم إعدام سبعة معارضين للسلطة والمؤبد لآخريّن في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “عرب شركس”، خاصةً مع انتهاج السلطات المصرية نهجًا قمعيًا جديدًا في قتل المعارضين سواء بالأحكام القضائية أو بقتلهم أثناء الحملات الأمنية والتظاهرات.
مصلحة السجون المصرية نفذت أول حكم بالإعدام منذ الانقلاب العسكري في قضية سياسية مطلع مارس الماضي، رغم عدم كفاية الأدلة ليصدر بحق المتهم فيها حكمًا بالإعدام، حيث أعدم الشاب “محمود حسن رمضان عبدالنبي” المتهم في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”أحداث سيدي جابر” شنقًا في 7 من مارس الماضي، ليصدم هذا الحدث الجميع الذين تنفسوا الصعداء في السابق بعد عدة مطالبات دولية وإقليمية منها مطالبة اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأفريقي بوقف تنفيذ الحكم، والذي تأخر على إثرها تنفيذه عدة أيام بالفعل، ليأتي تنفيذه بعد ذلك دون سابق إنذار، في صدمة للعاملين في مجال حقوق الإنسان والنشطاء المعارضين للسلطة، والذين أبدوا توقعاتهم بأن يكون تنفيذ الحكم ما هو إلا بداية لإعدام مئات المعارضين.
تنفيذ الحكم بحق شاب ثبتت برائته من تهم “إلقاء الأطفال من أعلى عقار سيدي جابر بالإسكندرية، والقتل مع سبق الإصرار والترصد”، كانت قد وجهت بناءً على فيديو تمت معالجته بمونتاج، ظهر خلاله الذي تم إعدامه حاملًا راية سوداء بشعار التوحيد، كما أظهر الفيديو شخصين يقعا من أعلى خزان في عمارة سكنية بمنطقة سيدي جابر تبين بعد ذلك أن الطفل المتهم محمود رمضان في قتله مازال على قيد الحياة، حيث أنه سقط مسافة بسيطة من أعلى الخزان على سطح المبنى، كما لم يظهر في الفيديو أن رمضان هو من قام بعملية دفعه للسقوط، هذا فضلًا عن منع شهود النفي في القضية من المثول أمام المحكمة والاكتفاء بشهود الإثبات، مع رفض محكمة النقض حتى نظر الطعون المقدمة من المحامين، كما تعرض الشاب للتعذيب للضغط عليه للرضوخ والاعتراف بالتهم الموجهة إليه، كل هذا العوار القانوني في القضية، مع المطالبات الدولية بإيقاف الحكم وإعادة محاكمة الشاب محاكمة عادلة، لم تثني السلطات المصرية عن تنفيذ الحكم، لتؤكد بذلك أن إعدام الشاب لم يأتي لارتكابه جريمة وإنما جاء لمجرد اختبار مدى تفاعل الشارع والمعارضين مع الحدث، ليكون بدايةً لإعدام المئات الصادر بحقهم أحاكمًا مماثلة، يليه إعدام قيادات بجماعة الإخوان المسلمين على رأسهم مرشد الجماعة الصادر بحقه عدة أحكام بالإعدام.
جاء تصديق السيسي على الحكم في قضية عرب شركس بعد رفض المحكمة العسكرية العليا في 24 من مارس الماضي لطعون النقض المقدمة من دفاع المتهمين في القضية رقم 43 جنايات عسكرية لسنة 2014، ليتم تأيد الحكم الصادر من المحكمة العسكرية “الهايكتسب” على 7 متهمين بالإعدام بينهم 6 معتقلين في سجن العقرب، وكذلك السجن المؤبد لشخصين آخرين، وذلك في أغسطس من العام الماضي، بعد تصديق مفتي الجمهورية على الحكم أواخر أكتوبر من نفس العام، وذلك على إثر اتهام 9 من معارضي السلطة في مصر بالانتماء لأنصار بيت المقدس والتخطيط لعمليات إرهابية، وتلقى تدريبات مسلحة وإطلاق نيران وصواريخ على سفن بحرية، والهجوم على منشآت عسكرية، وكذلك تنفيذ هجوم مسلح استهدف حافلة تقل جنود للجيش في منطقة الأميرية بالقاهرة، واتهامهم بالشروع في قتل مساعد بالقوات المسلحة، وقتل 6 جنود في كمين للشرطة العسكرية في منطقة مسطرد، وكذلك قتل ضابطين أمن بمخزن عرب شركس، بحسب ما ورد في محاضر التحقيقات.
تلك الاتهامات ثبت تلفيقها في أكثر من وجه، حيث قالت تحقيقات النيابة إن المتهمين فخخوا المكان في قرية عرب شركس، وذلك بتاريخ 19 مارس 2014 ، وأضافت أن قوات الأمن اعتقلت ثمانية منهم وقتلت ستة آخرين، وأنها أوقفت المتهم التاسع في وقت لاحق، رغم أن المحتجزين جاء اعتقالهم قبل تلك الواقعة بفترات متابينة، فكان المحكوم عليه بالإعدام في القضية “محمد علي علي عفيفي” معتقل قبل الواقعة بأكثر من 3 أشهر، حيث اعتقل بتاريخ 19 نوفمبر من العام 2013، وكذلك بالنسبة لـ”محمد بكري هارون” والذي اعتقل مع زوجته وأولاده من الزقازيق في 28 ديسمبر من العام قبل الماضي، واحتجزت زوجته 10 أيام بمقر الأمن الوطني قبل الإفراج عنها، أما “هاني مصطفى أمين عامر” كان قد اعتقل قبل الواقعة بثلاثة أشهر تقريبًا، حيث اعتقل في 16 من ديسمبر 2013 مع صهره من مكتب حي ثالث بالإسماعيلية، ليتعرضوا للتعذيب في معسكر الجلاء بالجيش الثاني الميداني الشهير بالعازولي ما أدى إلى إصابتهم بكسور وجروح خطيرة، بحسب ما روت أسرهم فيما بعد، حيث ظلوا جميعًا رهن الاختفاء القسري حتى إعلان وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في مؤتمر عقده في 30 مارس 2014 عن اعتقال منفذي عملية عرب شركس.
وكان 3 آخرين من المحكوم عليهم بالإعدام قد اعتقلوا قبل الواقعة المتهمين فيها بثلاثة أيام، وذلك في 16 من مارس العام الماضي، وهم: “عبدالرحمن سيد رزق” الطالب بالمرحلة الثانوية والبالغ من العمر 17 عامًأ، وكذلك خالد فرج محمد علي – 27 عامًا”، وأيضًا “إسلام سيد أحمد – 26 عامًا”، كما اعتقل “أحمد أبو سريع محمد” في ذات اليوم، ليحكم عليه بالسجن المؤبد في نفس التهم، ليعتقل “حسام حسني عبداللطيف سعد” في اليوم التالي من اعتقالهم أي قبل وقوع الحادث المتهمين فيه بيومين، فيما لم تتمكن قوات الأمن من اعتقال “أشرف علي علي حسانين الغرابي”، والذي حكم عليه بالإعدام غيابيًا.
رغم تقديم أدلة قانونية واضحة من قبل هئية الدفاع عن المعتقلين للمحكمة تثبت اعتقالهم جميعًا قبل حدوث القضية التي اتهموا بتنفيذها، إلا أن النيابة تجاهلتها تمامًا ولم تعرها أي اهتمام أثناء سير التحقيقات، كما أن المحكمة رفضت الموافقة على استدعاء شهود النفي، حيث كان الشاهد الوحيد بتلك القضية هو ضابط بقطاع الأمن الوطني لتصبح أدلة الإثبات في القضية كالعادة عبارة فقط عن تحريات مجهولة المصدر من قطاع الأمن الوطني الذي يتولى التحقيقات في القضايا السياسية.
ما يجعل أمر تنفيذ الحكم في قضية عرب شركس واقعًا قريبًا قد يحدث في أية لحظة أو ربما قد حدث بالفعل دون الإعلان عن ذلك، فوفقًا لقانون الإجراءات الجنائية فإن حكم الإعدام ينفذ بعد 14 يومًا من تاريخ صدوره، ولم تلوح في الأفق أية أنباء عن قبول السيسي الالتماس المقدم الذي يوصي بعدم تنفيذ الحكم الذي تأكد في 24 مارس بعدما رفضت المحكمة العسكرية بمعسكر الهايكستب كافة الطعون المقدمة عليه، ليلحق 6 آخرين بـ”محمود رمضان” ليكونوا ضحايا للأحكام القضائية المسيسية، في ظل انعدام احتمالية وقف التنفيذ.
بدا منذ إعدام المعتقل السياسي الأول في ظل الحكم العسكري في مصر أنه لن ولم يكون الآخير، فبعد إعدامه بعدة أيام أصدرت محكمة جنايات المنصورة حكمها بإحالة أوراق 8 معتقلين إلى المفتي، وفي نفس اليوم أحيل 14 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين إلى المفتي في قضية “غرفة عمليات رابعة”، وتلاهما بيومين إحالة محكمة جنايات الجيزة 22 آخرين في قضية “اقتحام كرداسة”، وذلك في 18 من مارس الماضي، ليتم بعدها رفض الطعن المقدم في 24 مارس في قضية عرب شركس ويتأكد الحكم قبل تصديق السيسي عليه، ليكون آخر تلك الإحالات قبل يومين فقط بإحالة أوراق 5 متهمين في قضية أحداث كرداسة إلى المفتي، هذا فضلًا عن تجاوز أحكام الإعدام منذ انقلاب الـ 3 من يوليو الـ 1000 حكم بحق المعارضين بينهم قيادات بجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، ليرى القاصي والداني أن حل قادة الانقلاب للتخلص من معارضيهم سيكون بتصفيتهم سواء بالقتل المباشر أو بأحكام الإعدام المسيسة أو ربما يرى البعض هذه الإعدامات في إطار الضغط المباشر للقبول بتسوية ما مع النظام أو مجرد ترسيخ للأمر الواقع.