صادر جهاز الأمن السوداني أكثر من نصف الصحف السودانية “14 صحيفة دفعة واحدة” في شهر فبرايرالماضي، تأتي هذه الخطوة قبيل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في الشهر الجاري، تذرعت الأجهزة الأمنية بتناول الصحف السودانية قضايا اجتماعية واقتصادية تمس الأمن العام في البلاد.
جراء هذه الخطوات المتخذة من قبل أجهزة أمن النظام السوداني، اتهمت منظمة العفو الدولية جهاز الأمن والمخابرات السوداني بشن حملة قمعية غير مسبوقة على وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، وأحصى تقرير للمنظمة عشرات المصادرات التي طالت الصحف إلى جانب إغلاق عدد كبير من المنظمات.
فمنذ يناير 2015، صودرت أعداد ما لا يقل عن 16 صحيفة سودانية، في أكثر من 42 مناسبة مختلفة بذرائع مختلقة، من قِبل جهاز الأمن، وخضع ما يقارب 21 صحفيًا للاستجواب من قِبل الشرطة وجهاز الأمن وذلك بسبب اقتراب الانتخابات، هذه الأعداد تفوق ما تمت مصادرته في عام كامل وهو 2014 حيث تعرضت ما لا يقل عن 18 صحيفة للمصادرة التعسفية في 52 مناسبة خلال العام 2014.
هذا ما دعى ميشيل كاغاري، نائب مدير البرنامج الإقليمي لشرق أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، أن تصرح بقولها: “بينما يدخل السودان المرحلة التحضيرية للانتخابات، تثير سيطرة جهاز الأمن والمخابرات على ما ينبغي لوسائل الإعلام أن تقول وما يجوز للمجتمع المدني الإدلاء به من تعليقات أو تصرفات، بواعث قلق عميقة”.
من جانب الحكومة السودانية فإنها بررت هذا التصرفات على لسان وزير إعلامها أحمد بلال، مدافعًا عن مصادرة 14 صحيفة خلال يوم 16 فبراير قائلاً “إن أية صحيفة تهدد الأمن القومي ستصادر”، كما أكد أن الأمر سيظل هكذا إلى أن يعدل الدستور، فيما برر الرئيس عمر البشير عمليات المصادرة أيضًا في مؤتمر صحفي عقب أسبوع، قائلاً إنه “ينبغي على الصحف ألا تتجاوز الحدود”.
يُذكر أن جهاز الأمن أجبر جميع الصحفيين في السودان على ملء استمارة من سبع صفحات تتضمن معلومات تفصيلية عن عائلاتهم ودخولهم وقضاياهم القانونية والبلدان التي زاروها وخلفيتهم التعليمية وعناوينهم وأرقام هواتفهم، وكذلك المقالات التي كتبوها، في خطوات غير مسبوقة تجاههم.
مجلس الصحافة في السودان يؤكد أن كل هذه الخطوات انتهاك لحرية التعبير، ويؤكد المجلس أن الحكومة لن تكتفي بمصادرة الصحف الورقية فقط بل إنها بصدد تعديل القانون ليسمح لها بحجب الصحف الإلكترونية أيضًا، هذا وقد عبر الاتحاد العام للصحافيين السودانيين عن أسفه لإعمال الإجراءات الاستثنائية في مواجهة الصحف بعيدًا عن قانون الصحافة والمطبوعات الحاكم للممارسة الصحافية في البلاد.
ودعا الاتحاد، الجهات العدلية والتشريعية، إلى العمل على مواءمة القوانين ذات الصلة بالنشر وحرية التعبير وضرورة الاحتكام للقضاء في التعامل مع الصحف وقضايا النشر.
هذه القرارات اُعتبرت هي الأسوء في تاريخ الصحافة السودانية، لكن لا يمكن فصلها بأية حال عن الأوضاع العامة التي تشهدها البلاد في هذه الفترة، حيث يشير معارضون سياسيون أن هذا السلوك نابع من الأزمة التي يعيشها النظام الحالي، وقلقه حيال الانتخابات التي يصر على إجرائها في موعدها رغم عدم وجود توافق مجتمعي على ذلك.
يرى مراقبون أن هذه الخطوات هي بمثابة رسالة تحذيرية للصحف قبل الانتخابات العامة المقررة هذا الشهر، وهي أن المصادرة لن تقف في حال انتقاد سير الانتخابات أو المساس بالحزب الحاكم الذي يهيمن على البلاد.
المعارضون يرون أن الاستمرار في عملية انتخابية في ظل هذا الواقع عملية عبثية لا معنى لها سوى إعادة تحكيم حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة عمر البشير منفردًا بمصير السودان، وهو ما يعد استنساخ للأزمات الحالية.
النظام السوداني الحالي لا يجد أمامه سوى تأمين نفسه حتى إجراء الانتخابات ولو بأشد الإجراءات القمعية المتخذة لأن أمر الانتخابات هذه المرة أصبح حياة أو موت للنظام، فكل عثرة من شأنها أن تعطل الانتخابات يجب إقالتها بسرعة عن طريق الأجهزة الأمنية وهو الحادث بالفعل منذ بداية العام.
النظام يواجه تحديات جمة بإجرائه لهذه الانتخابات ولكن العجيب أنه مصر على إجرائها مهما كلفه الأمر، إذ إن الأمر أقل ما فيه هو التكلفة الاقتصادية التي سيمنى بها السودان مقارنة بالوضع الاقتصادي المتردي، في ظل غياب الدعم الخارجي كسابق الانتخابات التي تلت الانفصال.
الصحفيون السودانيون لا يكفون عن الاحتجاج على هذه الممارسات، فهم يعلمون جيدًا أنهم ضحايا للوضع السياسي، والسلطات السودانية تتخذ معهم أسلوب الجولات، فبعد هذه الجولة القمعية ستتجه الحكومة للجلوس مع الجماعة الصحفية السودانية في جولة أخرى لإقرار قانون جديد لم يشتركوا في إعداده من الأساس.
الصحافة السودانية رغم ما تعانيه أمام النظام الحاكم الا أنها تظل أداة فعالة في الرأي العام السوداني، فمازالت لديها تأثير يعلمه جيدًا النظام من خلال أدواته الأمنية، النظام يضغط على هذه الصحف ماليًا عن الطريق السيطرة على سوق الإعلان فتوزيع الإعلانات يتم حسب درجة قربك من النظام وإلا فالصحف غير الموالية للنظام الحاكم تعاني من مشكلات ارتفاع أسعار الطباعة وعدم المقدرة على سداد متطلباتها المالية.
يبلغ عدد الصحف السودانية نحو 55 صحيفة منها 30 سياسية ،17 رياضية، وسبع صحف اجتماعية، لكن الصحف التي تصدر الآن 42 صحيفة فقط منها 25 سياسية، عشر صحف رياضية وسبع اجتماعية، وبقية الصحف بين المصادرة والإغلاق، علمًا بأن هذا التصنيف يأتي من قِبل مجلس الصحافة السودانية.
السودان ما بين النظام وحرية الصحافة فإن ترتيبها متأخر جدًا في هذا الصدد، وفق ما ذكرته منظمة مراسلون بلا حدود، حيث يقبع السودان في المرتبة الـ 172 من بين 180 دولة كأسوأ الدول التي تعاني فيها الحريات الصحفية، وهو ترتيب يعبر عن الواقع الفعلي للصحافة السودانية.