رسائل متبادلة يتقاذفها نظام الجنرال السيسي في مصر مع جماعة أنصار الله “الحوثي” المسيطرة على الأوضاع في اليمن، والتي من المفترض أن الجيش المصري يخوض حربًا ضدها ضمن قوات عاصفة الحزم بقيادة سعودية.
بدأ الأمر بتصريح للسيسي في خطابه بالندوة التثقيفية الـ 16 للقوات المسلحة المصرية وهو يوجه رسالة للشعب والمسؤولين في اليمن ويقول لهم: “الجيش المصري لمصر فقط وليس لحد تاني”، فسر الجميع هذا التصريح على أنه رسالة للحلف الذي تقوده السعودية ويضم دول الخليج باستثناء عُمان ضد الحوثيين في اليمن، مفاد الرسالة أنه لن يسمح بمشاركة برية للجيش المصري في اليمن.
الرد جاء سريعًا من صنعاء على لسان أحد أبرز حلفاء الحوثيين في اليمن وهو حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه المخلوع علي عبدالله صالح حيث قال إنه يرحب بما ورد في حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي أشار فيه أن مهمة الجيش المصري هي الدفاع عن مصر.
نستطيع أن نقرأ من هذه الرسالة والرد عليها أن القاهرة تخفي غضبًا تحدثت عنه وسائل الإعلام من عدم محورية دورها في عاصفة الحزم، حيث كانت تعتقد أنها ستكون العمود الفقري لهذه العملية، وهو ما لم يحدث حيث قادت السعودية العملية واحتفظت بالدور المحوري لنفسها ولم تخبر القاهرة بمثل هذه الضربة إلا في وقت متأخر ما يعني أن مشاركة القاهرة كانت بروتوكولية ليس أكثر ولن يكون عائدها المادي كما المأمول عند السيسي، ومن ناحية إذا احتاجت العملية تدخلًا بريًا فإن الاعتماد السعودي الأقرب سيكون للباكستانيين والسودانيين لذلك تشعر القاهرة بأن هوة خلافاتها مع رياض “سلمان” اختلفت بعكس ما كانت في أيام رياض “عبدالله”.
رسالة أخرى تطلقها القاهرة على لسان السيسي تقول إن مضيق باب المندب قضية أمن قومي مصري وعربي، وتعتمد الدولة المصرية هذه الرواية لتبرير تدخلها العسكري في اليمن ضمن عاصفة الحزم، لكن الرد الحوثي لم يتأخر كثيرًا حيث بعث المتحدث باسم جماعة “أنصار الله” الحوثيين في اليمن برسالة طمأنة إلى مصر بخصوص مضيق “باب المندب” الإستراتيجي، حيث قال في تصريحات له إنه “سبق وأوضحنا للقيادة المصرية والشعب المصري الشقيق أن اليمن حكومة وشعبًا أبديا استعدادهما للدخول في نقاشات مباشرة لإزالة المخاوف – إن وجدت – فيما يخص مضيق باب المندب وتأثيراته على الملاحة الدولية”، وأضاف “لهذا نؤكد مجددا لأشقائنا في مصر أن يدركوا ألا صحة لتلك المخاوف إطلاقا وأن الهدف منها توريط الشعب المصري في المشاركة في دماء اليمنيين وسفكها بدون حق”.
هذه الرسائل المتبادلة لا يمكن قراءتها بعيدًا عن الخبر الذي تم تأكيده من قبل وزير الخارجية اليمني الذي أكد فيه أن ثمة طائرات روسية أقلعت من مصر وسلطنة عُمان إلى صنعاء بهدف معلن وهو إجلاء رعايا من اليمن ولكن كانت الطائرات محملة بسلاح وصل إلى يد الحوثيين، فهل كانت مصر لا تعلم بهذا الأمر أم الموقف المصري من اليمن يوشك أن يتغير، خاصة وأن عاصفة الحزم لم تحسم أي شيء على الأرض حتى الآن ويبدو وأن الأمر قد يطول قليلًا خاصة مع نية روسيا مناقشة مشروع قرار يدعو إلى هدنة إنسانية، وإلى وقف الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية على جماعة الحوثي في اليمن، ما ينذر بأن الدب الروسي قد يحول اليمن إلى سوريا آخرى بالتعاون مع إيران التي أبرمت اتفاقًا مبدأيًا مع الولايات المتحدة قد يكون له ملحقات سياسية في اليمن.
القاهرة قد تعيد مراجعة النظر في القضية اليمينة خاصة ومع ظروف ما ذكرناه سابقًا عن الخلاف في وجهات بين السعودية من جهة والقاهرة والإمارات من جهة أخرى، حيث يؤكد بعض المحللين أن الإمارات شاركت في هذه العاصفة على مضض وكذلك مصر، كلتا الدولتين تريدان فتح جبهة أخرى في ليبيا وهو ما تعارضه الرياض بشدة التي ترى أن الخطر الأوحد حاليًا يتمثل في إيران بعد إبرامها اتفاق بشأن برنامجها النووي مع واشنطن ما سيحررها من قيود كثيرة ستعجل بانطلاقها في الشرق الأوسط، وهو ما تتصدى له السعودية بداية من اليمن وقد تنتقل إلى سوريا.
هذا كله يقع في مقارنة بين “مسافة السكة” التي أعلنها السيسي من قبل في حديثه عن أمن الدول العربية ولا شك أنه مازال يستخدم هذه النغمة لكن الغرف المغلقة قد تحوي أشياء وأفعال أخرى، حيث صرح السيسي بأن بلاده لن تتخلى عن أشقائها في الخليج، وستقوم بحمايتهم إذا تطلب الأمر، وأوضح السيسي، في تصريحات للصحفيين، عقب اجتماعه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (يضم كبار قادة الجيش)، أن “مصر لن تتخلى عن أشقائها فى الخليج وسنقوم بحمايتهم إذا تتطلب الأمر ذلك”، ولكن الرجل لم يكتف بهذا الحديث فقط بل أكد أن مصر تسعى لحل سياسي يُجنب الجميع الخسائر، فما هو الحل السياسي الذي يتحدث عنه السيسي ومع من سيكون؟!.
فبين تصريحات جيش مصر لمصر، ومسافة السكة، يقف المحللون ليأكدوا أن ثمة تغيرات قد يشهدها الموقف المصري من عاصفة الحزم الفترة القادمة إذا لم تتم تفاهمات سريعة مع الرياض، بينما يرى آخرون أن الموقف المصري ثابت تجاه القضية اليمنية وأن تصريحات السيسي بشأن الجيش المصري قد فسرت في إطار خاطئ، ولكن يوجد فريق ثالث يرى تصريحات السيسي في إطار المناوراة السياسية ليس إلا لابتزاز السعوديين بينما هو في الحقيقة لا ينتوي الابتعاد كثيرًا عن الموقف الخليجي بقيادة السعودية بشأن الوضع الاقتصادي الداخلي في مصر والذي يتحكم فيه الخليج بالدعم والتمويل طيلة الفترات الماضية.