ترجمة وتحرير نون بوست
في وقت مبكر من صباح يوم 2 أبريل قام مسلحو حركة الشباب الصومالية الإرهابية بمهاجمة جامعة غاريسا في شمال شرق كينيا، وبعد إطلاق عدة قنابل يدوية، اقتحم المسلحون مساكن الطلبة في الحرم الجامعي، وانتقلوا من باب إلى آخر، حيث فصلوا المسيحيين عن المسلمين، ووفق الشهادات تم قتل بعض المسيحيين على الفور، وقُطعت رؤوس بعضهم الآخر، وأُخذ بعضهم كرهائن، وأشار تقرير السلطات الكينية أن الهجوم أسفر عن مقتل 147 شخصًا على الأقل بينهم أربعة من المهاجمين، والعديد من الجرحى والمفقودين.
وكرد فعل سريع، أدان الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الهجوم، وخصصت الحكومة مكافأة قدرها 20 مليون شلن (215.000 دولار) لمن يدلي بمعلومات حول العقل المدبر للمجزرة محمد محمود والمعروف باسم دوليادين.
يمثّل هجوم غاريسا الهجوم الإرهابي الأعنف الذي يقع على الأراضي الكينية منذ تفجير سفارة الولايات المتحدة في نيروبي عام 1998، كما يعد الهجوم الأعنف لحركة الشباب في البلاد منذ الهجوم على مركز ويست غيت التجاري في 2013، وهذا الهجوم يشكل الحلقة الأخيرة من تحوّل حركة الشباب من حركة مقاومة شعبية إلى منظمة إرهابية دولية بكل ما للكلمة من معنى، وإن إعدام طلاب الجامعة له أهمية خاصة بالنظر إلى تاريخ حركة الشباب، حيث شكّل التفجير الذي افتعلته الجماعة في حفل تخرج الأطباء الجدد في مقديشو في عام 2009 أحد الأخطاء السياسية الأكثر إحراجًا لها، ومنذ ذلك الحين امتنعت الحركة عن تنفيذ الهجمات بشكل مباشر على الطلاب، بيد أن استعدادها لتبني الحادث الأخير يدلل على تحوّل واضح في إستراتيجيتها ونهجها المستقبلي.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الشكل الذي تم من خلاله تنفيذ الهجوم، فاستهداف مدرسة علمانية، ومطاردة الطلبة المسيحيين، وتعمد خطف الرهائن، هي تصرفات تحمل بصمات جماعة بوكو حرام، الجماعة الإرهابية النيجيرية سيئة السمعة والمرتبطة بداعش، والتي قامت باختطاف أكثر من 200 تلميذة من مدينة شيبوك في عام 2014، وإذا افترضنا أن محاكاة أسلوب بوكو حرام في عملية غاريسا هو فعل غير متعمد، فيمكن أن يشير هذا الهجوم إلى وجود نية لإعادة تنسيق وتنظيم توجهات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة منذ فترة طويلة، لتصبح توجهاتهم أقرب إلى توجهات تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا كان الأمر كذلك، ينبغي أن نتوقع استخدام حركة الشباب في المستقبل لتكتيكات أكثر عنفًا من أي وقت مضى، وذلك في خضم سعيها لمنافسة الفروع الأخرى للدولة الإسلامية لاكتساب السمعة السيئة وإحراز الأهمية في التحرك الجهادي العالمي.
كافحت حركة الشباب منذ تأسيسها قبل أكثر من عقد من الزمن، للتوفيق ما بين دافعين متنافسين يخامرانها، الدافع الأول يتمثل بالرغبة في حكم الصومال والتماس لفت انتباه ودعم تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الدولية الأخرى، ودافع الحكم هذا كان بمثابة ملاك جاثم على الكتف الأيمن لحركة الشباب، حيث أنتج أهدافًا لدى الحركة تتجسد في الحفاظ على السيطرة على الأراضي، والتعايش مع العشائر الصومالية، والتعاون مع جهود الإغاثة الإنسانية، وكل ذلك كان في سبيل الوصول إلى نوع من الشرعية السياسية، وفي ذات الوقت، كان هناك دائمًا شيطان على كتف الحركة الأيسر، يوسوس لها ويشجعها على تغذية نهمها للمال والمهارات التقنية وسوء السمعة التي تنتج عن المشاركة في التحرك الجهادي العالمي، وهذا الدافع أدى إلى ميل حركة الشباب ليس فقط لقبول المقاتلين الأجانب الطفيليين، بل أيضًا لتفضيلهم على المقاتلين الصوماليين.
طموحات حركة الشباب في أول نشأتها كانت تقتصر على الإطاحة بالحكومة الصومالية الغير شعبية والمدعومة من الغرب، وإخراج قوات حفظ السلام من الصومال، ورغم أن تطبيق الحركة للتعاليم الإسلامية المتشدة أدى إلى إحجام معظم الصوماليين عنها، بيد أنه تم تجاوز هذه التصرفات بشكل واسع من السكان لأن الحركة كانت تسعى لتطبيق القانون والنظام في المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات الجريمة والتي تكتسب السيطرة عليها، حتى أن عمال الإغاثة الغربيين كانوا يعتبرون حركة الشباب شريكًا أقل فسادًا وأكثر قدرة على منافسة الحكومة التي اشتهرت بفسادها وسرقتها لمساعدات صناديق التنمية والصناديق الإنسانية، كما اشتهرت الحكومة بتصرفاتها الوحشية منذ عام 2007 وحتى عام 2011، حيث اتبعت سياسة مناكفة حركة الشباب من خلال قتل آلاف المدنيين الأبرياء بإطلاق قذائف الهاون العشوائي على الأسواق والأحياء السكنية التي تسيطر عليها الحركة، ووحشية الحكومة أنعشت بدورها تمرد حركة الشباب وأكسبتها الزخم الجماهيري الذي تسعى إليه.
خلال هذه الفترة تناوبت حركة الشباب على الانصياع لنزعاتها الشعوبية أو الإرهابية، ولكن في كثير من الأحيان كانت النزعة الشعوبية هي التي تفوز ضمن الصراع الأخلاقي، وحتى عندما كانت الجماعة تنزلق أحيانًا نحو ارتكاب تصرفات عنيفة، كانت تتردد في تبني هذه التصرفات، وهذا الواقع كان صحيحًا في أعقاب التفجير الانتحاري الذي استهدف حفل تخرج الأطباء في ديسمبر 2009، حيث كان رد فعل الجمهور ضد حركة الشباب صاخبًا وهائلًا، وقامت عدة قرى بإنزال الرايات السوداء التابعة للجماعة من شوارعها، كما خرج مئات الطلبة إلى شوارع مقديشو، وكانت هذه المظاهرات والاحتجاجات هي الأولى من نوعها التي يعمد فيها الجمهور للاحتجاج والاعتراض ضد حكم حركة الشباب.
ولكن بحلول عام 2011، بدأت الحركة تخسر قواعدها، نتيجة للخلافات الإستراتيجية والأيديولوجية التي عصفت بها داخليًا، واضطرت للتخلي عن مقديشو في يوليو 2011، وفي ذات الشهر، عانت الصومال من أسوأ فترة مجاعة تصيبها منذ عقود، وتم لوم حركة الشباب – التي قامت بتقطيع الغابات في معظم أنحاء البلاد تسهيلًا لتجارة الفحم – عن موت مئات الآلاف نتيجة للمجاعة، وعقب انتهائها، أصبحت حركة الشباب مكروهة عالميًا، كما لاقت حتفها سياسيًا.
الغزو الكيني للصومال في أكتوبر 2011 أتاح الفرصة أمام حركة الشباب لإحياء صورتها كقوة حاكمة، حتى إن المحللين في تلك الفترة توقعوا أن تؤدي سيطرة كينيا على ميناء كيسمايو الإستراتيجي في سبتمبر 2012، وإنشائها لحكومة صورية عميلة لها هناك، إلى قيام حركة الشباب بحشد الصوماليين ضمن القضية الشعبوية المتمثلة بهزيمة القوات الكينية المحتلة، ولكن أمير الحركة أحمد جودان، اختار مسارًا مختلفًا، حيث انتهج سياسة تضييق نطاق أعضاء الجماعة واقتصارها على المتطرفين، كما قام بتأصيل رؤيتها الإستراتيجية نحو مسار الإرهاب فقط.
في يونيو 2013 باشر جودان بحملة تطهير عنيفة استهدفت العشائر الموالية له، مما اضطر حلفاء الحركة الحيويين مثل مختار روبو وحسن ضاهر أويس للهرب خوفًا على حياتهم، كم تم إعدام العديد من المقاتلين الأجانب الذين اعترضوا على استخدام جودان للعنف ضد إخوانهم المسلمين، وهذا أدى إلى فك ارتباط حركة الشباب –أو ما تبقى منها- بقضايا الإدارة والحكم والتأييد الشعبي.
وفعلًا، وبعد ثلاثة أشهر من هذه الحوادث، ارتكبت الحركة مجزرة مركز ويست غيت التجاري، التي أسفرت عن مقتل 67 شخصًا من بينهم بعض الأجانب، حيث هزت لقطات المذبحة الضمير العالمي، كما صدم هذا التصرف العديد من الخبراء الصوماليين، الذي كانوا يستبعدون شن الحركة لأي هجوم ضد نيروبي خشية رد الفعل السياسي الجامح ضدهم، كون نيروبي تعتبر مركزًا تجاريًا حيويًا للمغتربين الصوماليين ومصدرًا رئيسيًا للنقد الأجبني القادم من الحوالات إلى داخل البلاد، ولكن من الواضح أن إستراتيجيات الحركة كان قد بدأت فعلًا بالتغيّر والتحول.
في حال كان جودان – الذي قُتل في غارة جوية أمريكية في سبتمبر 2014 – يهدف من خلف مجزرة ويست غيت إلى إحراق جسور التواصل في الصومال، فيمكننا القول إن الهجوم على كلية غاريسا في عهد زعيم حركة الشباب الجديد أحمد عمر، يشير إلى استعداد الحركة لإعادة بناء هذه الجسور من خلال القوى التي ستكتسبها الحركة جرّاء انخراطها ضمن حركة الجهاد العالمي، ويمكننا ملاحظة هذا التوجه على مدى الأشهر القليلة الماضية من خلال استهداف الحركة لأهداف متعددة في شمال كينيا؛ ففي نوفمبر من عام 2014، اختطفت الحركة حافلة متجهة من مانديرا إلى نيروبي، وأعدم الخاطفون الركاب الذين لم يتمكنوا من قراءة آيات من القرآن الكريم، وفي ديسمبر 2014، قتل مسلحون من الحركة 36 عاملًا – أغلبهم من المسيحيين – في مقلع قرب مدينة مانديرا، وهجوم غاريسا الأخير – الذي يعد الأكبر حتى الآن – يعج بالرمزية التي تشير أن استهداف الطلاب العلمانيين بهذه الطريقة يستحضر – بشكل لا شك فيه – أسلوب ونهج جماعة بوكو حرام.
المسار المستقبلي المحتمل لحركة الشباب هو – على الأرجح – قاتم، ففي البداية يمكننا أن نتوقع أن تستفيد الحركة من ردة فعل القوات الحكومية على تصرفاتها الإرهابية، حيث ستعمد هذه القوات إلى استخدام القمع والوحشية كما حصل عقب هجوم ويست غيت، الذي شنت الشرطة الكينية على إثره حملة على السكان الصوماليين في كينيا وسجنت الآلاف منهم في حملة اعتقالات غير قانونية، وعلى الساحل الكيني ذي الأغلبية المسلمة، كانت ردة فعل الجيش والاستخبارات وضباط الشرطة أكثر قسوة وحديّة؛ مما أدى إلى ترهيب وتخويف المجتمعات المحلية الذين أعرضوا عن تبادل المعلومات مع السلطات والزعماء المحليين، كون هذه التصرفات أدت إلى تأكيد وتعزيز الرسالة الراديكالية لحركة الشباب والتي مفادها أن كينيا ومؤيديها الغربيين مهتمون فقط في استغلال وتهميش المسلمين، ومن هذا المنطلق ستعمد حركة الشباب إلى توسيع قاعدتها من خلال اتباع أسلوب التجنيد الذي طالما برعت به، والمتمثل باستغلال غضب وحنق المجتمعات الإسلامية وخاصة فئة الشباب.
ولكن مع اقتراب حركة الشباب من تبني نهج وتكتيكات بوكو حرام، سينتهي بها المطاف إلى اتباع إيديولوجيات وتوجيهات الدولة الإسلامية، وستقع ضحية لاحتجاجات السكان المحليين بشكل متزايد، وعندها ستنخرط في عمليات السطو والخطف والعمليات الإجرامية الأخرى، التي سيكون هدفها إرهاب السكان، وليس كسب ولائهم أو دعمهم.
ولكن من منظور آخر قد يكون مستقبل حركة الشباب أكثر فاعلية على المستوى الإقليمي، لأنها – وعلى نقيض بوكو حرام – يمكن أن تثبت أنها أحد الأصول الثابتة والصلدة للدولة الإسلامية؛ فعلى الرغم من أن بوكو حرام أطلقت العنان للعنف في أجزاء من شمال نيجيريا والحدود الشمالية الضعيفة للبلاد، إلا أنها لم تُظهر قدرتها على مهاجمة الدول المجاورة لمناطق نفوذها، على عكس حركة الشباب التي خططت أو نفذت هجمات في أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا بطبيعة الحال، ويشتبه في أنها تحتفظ بخلايا نائمة بمناطق بعيدة عن نفوذها مثل جنوب أفريقيا، وضمن هذا الواقع، ستتلاشى الحدود التي يمكن تصورها لما قد تجرؤ الحركة على القيام به إذا لبست عباءة الدولة الإسلامية.
الهجوم على غاريسا هو إشارة واضحة على المدى الرهيب الذي تطورت إليه حركة الشباب، وهذا التحول تم تعجيله من خلال السياسات والاستجابات الغربية والإقليمية الخاطئة والمضللة المتبعة لمواجهة مسلحي الصومال، وإن إصلاح الأضرار الناجمة عن هذه السياسات سيتطلب إجراء إصلاح كامل بهيكلية قوات الأمن الكينية، ورغبة من قِبل القادة السياسيين على التعامل بحسن نية مع المناطق المسلمة والصومال وهواجس الشباب المسلم.
صناع القرار في كل مكان – وليس فقط في كينيا، ولكن في أوروبا والولايات المتحدة أيضًا – يجب أن ينظروا إلى مجزرة غاريسا بمثابة إعلان من حركة الشباب على أنها مستعدة للانضمام إلى السباق نحو الدرك الأسفل من فساد الجهاد العالمي، وكلما طالت الفترة المستلزمة لتنفيذ الإصلاحات المتطلبة، كلما تطورت الأحداث القادمة لتصبح – على الأرجح – أكثر عنفًا وفظاعة.
المصدر: فورين بوليسي