ترجمة وتحرير نون بوست
تعرفنا في مقابلة أُجريت الأسبوع الماضي على لمحة أخرى عن حياة وأفكار الرئيس السوري بشار الأسد، كجزء من مقابلة تشارلي روز مع الأسد لصالح برنامج (60 دقيقة)، وخلف اتحاد العالم – بما فيه دمشق – في المعركة ضد داعش، وتصريح الولايات المتحدة الشهر الماضي أنها سوف تضطر إلى التفاوض مع الأسد، بدأ رأس النظام السوري بإجراء المزيد من المقابلات الإعلامية كدليل على ثقته الجديدة باستمراره في موقعه على المدى الطويل مستقبلاً.
ورغم سقوط إدلب – ثاني مركز مدينة يسقط في يد المعارضة المسلحة – لايزال الأسد مقتنعًا بأنه الحل لمشاكل سوريا بدلاً من كونه مسببًا لها.
كما هو الحال في محاولة تحليل وتمحيص أي نظام استبدادي، يتم التركيز – بشكل غير متناسب – على الديكتاتور الذي يترأس هذا النظام، وكما يشير جيمس دوز في كتابه المهم “الرجال الأشرار”، فإن الطغاة الذين ارتكبوا أفعالاً شنيعة على مر التاريخ يتمسكون بتبريرات مسبقة الصنع كصمام أمان لمواجهة الأفكار التي تُطرح عليهم.
ومقابلة روز هي مثال آخر على عبثية المحاولات الهادفة لتحميل الأسد المسؤولية عما يحدث من خلال تدقيق وتمحيص وسائل الإعلام، وفي خضم هذا التوجه تبزغ تساؤلات حقيقية حول مدى صحة قيام المحطات الإعلامية الرئيسية بتحليل واستخراج ونشر النتائج الهامة المتأتية عن المقابلات، التي تمكنوا من تأمينها مع رأس النظام الديكتاتوري.
الأرضية المريحة
في مقابلة روز، قام الأسد فورًا بالتمحور حول الأرضية المريحة له، والمتمثلة بانتقاد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتسليط الضوء على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، والتأكيد على دور حكومته الحاسم باعتبارها حصنًا ضد الإرهاب، ونفى الأسد مسؤوليته عن مقتل ما يزيد عن 220.000 سوري خلال الأزمة، ومسؤوليته عن التهجير القسري لملايين السوريين من منازلهم، موضحًا أن كل تصرفاته تنبع من واقع الدفاع الشرعي للدولة في مواجهة تدخل الجهات الخارجية، وهذا النموذج من الغفران الذاتي يمكن العثور على مقابله لدى مجرم الحرب النازي أدولف إيخمان الذي ركز في لقاءاته على “عدم قدرته على التفكير من وجهة نظر أي شخص آخر”.
إن التكتيك الأساسي الذي اتبعه روز في محاولته لتضييق الخناق على الأسد كان يعتمد على قضية استخدام أسلحة الدمار الشامل، والأسد بدوره لم تكن استجابته الأولية على هذه المحاولات ناجحة، حيث ابتدر روز بسؤال الأسد: هل توافقون على استعمال الأسلحة الكيميائية؟ وكان رد الأسد: ماذا تعني بذلك؟
ولكن بعد هذا الرد غير الموفق، توجه الرئيس السوري إلى رفض تأكيد أو نفي استعمال النظام السوري للأسلحة الكيميائية بقوله:”لا يوجد أدلة على ذلك”، وبذات الحجة نفى وجود مقاتلين إيرانيين أو من حزب الله داخل حدود البلاد، ويمكن القول إن من وجهة نظر الأسد، فالدولة تتمثل بشخصه، وحماية الدولة هي الغاية التي تبرر أي وسيلة.
في مقابلة مع الأسد في فبراير الماضي حاول مراسل بي بي سي، جيرمي بوين، إحراز تقدم على الأسد من خلال مراوغته باستخدام السلاح السوري المبتدع الشهير “البراميل المتفجرة” في الصراع، ولكن الأسد تهرب من الإجابة عن طريق التشكيك الفكاهي مدعيًا أنه لا توجد أسلحة عشوائية وأنه على دراية بالجيش، وهم يستخدمون الرصاص والصواريخ والقنابل، ولكنه لم يسمع “باستخدام الجيش للبراميل، أو ربما، لأواني الطهي”، وسابقًا وفي عام 2012 عندما كانت مقابلات الأسد أقل تواترًا، قال لصحيفة تركية “كيف يمكن أن يكون الشعب السوري عدوي، وأنا مازلت صامدًا، هل هذا منطقي؟ أنا لاأزال صامدًا، وذلك بفضل شعبي”.
أسئلة سهلة
الصحفيون الذين يجرون مقابلات مع الأسد لا يطرحون عليه أسئلة سهلة – على الرغم من أن صحيفة الواشنطن تايمز وصفت مقابلة روز بأنها إساءة للصحافة كون أسئلته كانت تفتقر للقوة -، ومع ذلك وبدلاً من تلقي جواب منطقي على الأسئلة، يُصدم الصحفيون بأسلوب رد يعتمد على ادعاءات لا مقابل لها على أرض الواقع، وهذا النوع من الأجوبة يُخاطر بجعل اللقاءات الحصرية التي تجري مع الأسد، منصة أو منبرًا لتبرير معقولية تصرفاته، بمواجهة التصرفات الإرهابية والإجرامية التي تبدر من داعش ضمن الأراضي التي يسيطر عليها.
قد يتساءل أغلب البشر حول ما إذا كان الأسد يمكنه النوم ليلاً في خضم الفظائع التي يرتكبها، ولكن الحقيقة هي طالما أنك لا تحمّل نفسك أي مسؤولية عن الصراع، وترى أن الإجراءات التي تتخذها هي قانونية وشرعية في مواجهة أعدائك اللاقانونيين واللاشرعيين، حينها ستستسلم لعدم واقعية الأحداث التي تجري من حولك، خاصة وأنك محمي ضمن فقاعة المنطقة الخضراء الدمشقية.
لا بل تجاوز الأسد الاستسلام لعدم الواقعية إلى درجة إلقاء المحاضرات على الزوار الأجانب الذين يصفهم بأنهم معزولون عن الواقع السوري، ولومهم على الأخطاء التي تعتري فهمهم للواقع السوري، والحكم على آرائهم التي كونوها وهم خارج سوريا بأنها غير صحيحة، مقارنة مع ما تبدو عليه الأمور من الداخل، ويبدو أيضًا أن الأسد فيما يتعلق بمسائل داعش وما شابهها، يستمتع باستخدام أسلوب التضامن الدفاعي المتمثل بفكرة “لقد قلت لكم ذلك سابقًا”.
أخيرًا، فإن فقدان إدلب، وقدرة داعش غير المعلومة على الاستمرار في المنطقة، وتأثير المزيد من الدعم الغربي للمعارضة المعتدلة المفترضة، جميعها عوامل تعني أن ما تبقى من سلطة نظام الأسد على أرض الواقع مهدد بشكل كبير، ولكن مع ذلك فإن عدم اليقين هذا، هو بطبيعة الحال غائب عن مختلف اللقاءات التي أجراها الأسد مع وسائل الإعلام الدولية، وحتى الآن ربما سيكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو إرسال طبيب نفسي مختص في محاولة لإحراز تقدم أكثر موضوعية في الحوار مع الأسد.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية