تختلف رؤى الأطراف الإقليمية والدولية تجاه ما يجري في اليمن، فعلى صعيد الولايات المتحدة، فهي لا تبدو مكترثة إلا بموضوع محاربة تنظيم القاعدة وهو ما يقدم الحوثيون أنفسهم من خلاله كرأس حربة لهذا المشروع كبديل عن الجيش اليمني الذي أثبتت الأيام ضعف قدراته، وهذا يعني عدم تدخل الأمريكان بما يدور في اليمن وحفاظهم على مشاهدة الموقف من بعيد، وهو ما يجعل كثير من الأطراف تتهم واشنطن بالتغاضي عما يحدث في اليمن ضمن تفاهمات المباحثات التي تجريها مع إيران فيما يتعلق بالمشروع النووي وبقية قضايا المنطقة.
وهذا يتقاطع مع المصالح الإيرانية التي تدعم الحوثيين بالرغم من نفيهم لهذا، حيث أشارت عدة تقارير أن الفوضى الأمنية التي عمت أرجاء اليمن بعد ثورة فبراير 2011 سمحت للحركة الحوثية بالحصول على الدعم العسكري الإيراني بشكل غير مسبوق، كما أن هناك شهادات موثقة تؤكد أن إيران قامت بتدريب نحو ألفي عنصر في معسكرات خاصة في إيران ولبنان، وفي جزر في القرن الأفريقي مستأجرة لحساب إيران، وهي القوى التي قادت عملية الاجتياح للمدن اليمنية [1]، وبهذا تعزز إيران موقعها في مواجهة غريمتها السعودية.
وتواصل إيران إرسال رسائل واضحة إلى الرياض بأن إيران تستطيع العبث في اليمن والذي يعتبر الحديقة الخلفية للسعودية؛ كرد على ما تعتقد أن السعودية تقوم به في المنطقة من انخفاض أسعار النفط إلى نشاط الحركات السلفية في سوريا والعراق، وقد نجحت إيران في تحويل العلاقة المذهبية بينها وبين الحوثيين كشيعة زيديين إلى أدوات لبسط نفوذها في اليمن، أما دول الخليج وعلى رأسها السعودية فإنها قد اعتبرت ما قام به الحوثيون بأنه انقلاب ورأت في دورهم امتدادًا للدور الإيراني بالوكالة، ودعتهم إلى الانسحاب من العاصمة واحترام سيادة الدولة، حيث إن ما قام به الحوثيون يعني إلقاء المبادرة الخليجية بشكل مباشر.
وفي نفس الوقت ذكرت عدة مصادر صحفية بأن هناك وساطة عمانية بين الحوثيين والسعودية وبالتنسيق مع إيران، ويذكر أن العمانيين قد ساهموا بالتوصل لاتفاق السلم والشراكة بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء، وكان البعض يتوقع أن تصل المبادرة العمانية إلى تشكيل مجلس رئاسي برئاسة هادي مقابل خفض الحوثيين لسقف مطالبهم وعدم التقدم نحو مأرب وعدم السيطرة على منابع النفط في اليمن، وهو ما لا يتفق مع واشنطن التي تريد القضاء على القاعدة في اليمن، لكن يبدو أن المبادرة العمانية لم يكتب لها النجاح [2]، أما بالنسبة لقطر فقد كانت لها محاولات في الوساطة في اليمن سابقًا، ولكنها فضلت العمل ضمن مجلس التعاون الخليجي حتى لا تدخل في تعارضات مع السياسة السعودية، التي تعتبر نفسها المسؤولة الأولى عما يحدث في اليمن تاريخيًا وجغرافيًا.
وبالعودة للسعودية فإن عددًا من المتابعين يعتقدون أن الملك الجديد في السعودية ربما يعطي اهتمامًا أكبر للساحة اليمنية وسيعمل على وقف التمدد الحوثي، لكن لا يُعرف إذا ما كان سيعيد دعم الرئيس صالح الذي ثبت تنسيقه مع الحوثيين وبالتالي مع إيران، أم ستدعم الرياض تكتل اللقاء المشترك بما فيهم الإخوان المسلمين في اليمن، الذين ساهمت في التضييق عليهم سابقًا مما أدى لتغيير في التوازنات لصالح الحوثيين، أم ستطبق السعودية سياسة اقتصادية تنهك من خلالها الحوثيين [3]، أما الأمم المتحدة فتقوم بجهود مضنية عبر المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي ترى بعض الأطراف أن جهوده عبر الحوار في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثييون لن تفضي إلا إلى إضفاء الشرعية على الانقلاب.
لقد نجح الحوثيون في تصدر المشهد من خلال إقناع عدة أطراف أنهم فرصة لكل واحد منهم في نفس الوقت للتخلص من خصومه، فمثلاً يمكن لصالح أن ينتقم من الذين أطاحوا به وانشقوا عنه، ويمكن لإيران أن تزيد من حصار غريمها السعودية، وكذلك للسعودية في التضييق على الإخوان المسلمين الذين رأت في صعودهم بعد الثورة خطرًا كبيرًا، لكن العلاقة التي يمكن القول إن الحوثيين أنشأوها بناء على قناعة فكرية هي مع إيران، أما مع النظام السابق أو بعض القبائل فهي علاقة مصلحة مؤقتة.
نجح الحوثيون أيضًا في استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية لتنفيذ أهدافهم، كما استغلوا دخولهم للحوار الوطني للتغطية على خططهم العسكرية، وتعتمد جماعة الحوثي على السلاح كأساس في المواجهة فقد لاحت لهم عدة فرص للاندماج في النسيج السياسي لكنهم فضلوا دائمًا الحلول العسكرية، كما بدأت النبرة الطائفية تزداد في خطاباتهم، وشكلت استقالة الرئيس هادي مشكلة كبيرة للحوثيين حيث وضعتهم في تماس مباشر مع المسؤولية عن الشعب ويتوقع أن تتزايد الاحتجاجات والمظاهرات ضدهم، وفي هذا السياق فقد كانت عودة هادي هي المسار الأكثر تصورًا لتحقيق التوازن من جديد.
تعتبر جماعة الحوثي الأقوى حاليًا في اليمن مع عدم قدرتها على الحسم السياسي؛ لذا فهي تحاول الوصول إلى صيغ سياسية تحصد من خلالها ثمار نجاحاتها العسكرية، ولو كان ذلك من خلال فرض رؤيتها على الجميع فهي تتحدث بلغة المسيطر على الأرض، وقد بدا هذا واضحًا في مهلة الثلاثة أيام التي حددتها للقوى السياسية للخروج بحل يسد الفراغ السياسي ملوحة بخيارات ثورية.
لقد أخطأت جماعة الحوثي في قيامها بالإعلان الدستوري حيث إن المخول بإصدار هذا الإعلان هو الرئيس أو البرلمان وبهذا تم اعتبار ما قامت به الجماعة بأنه انقلاب مكتمل الأركان، كما أن جماعة الحوثي فقدت الكثير من مصداقية شعاراتها، خاصة أنها تحاول فرض رؤيتها بالقوة على بقية الأحزاب وهي التي كانت تطالب بحقوقها قبل سنوات، شكل الإعلان الدستوري تجاوزًا واضحًا للبرلمان اليمني الذي يتمتع الرئيس السابق صالح بأغلبية فيه، لذا فإنه من المتوقع أن تحدث صدامات بين حزب المؤتمر التابع لصالح والحوثيين.
يعتبر التوجه للبرلمان مجددًا – بالرغم من أنه يرجح كفة صالح – هو الحل الأقل كلفة والبديل للاحتراب الداخلي، وهذا يبقى رهن القرار الذي تتخذه جماعة الحوثي المطالبة بالانسحاب من العاصمة وإعادة سلاح الجيش والعودة إلى ما تم الاتفاق عليه قبل القرارات الحوثية الفردية.
إذا نجحت جماعة الحوثي في فرض سيطرتها على اليمن أو معظمه فإن هذا سيعزز من أسهم إيران في المنطقة، والتي كان لها دور في التخطيط السياسي والعسكري لجماعة الحوثي وهذا من شأنه أيضًا أن يزيد من تراجع عناصر القوة السعودية، أما إقليميًا فيعتقد أن السعودية قد غضت النظر عن صعود محدود للحوثيين في السابق لكنها لم تكن تتوقع حجم تمددهم ووصولهم إلى فرض رؤيتهم على الساحة اليمنية، وربما تشهد الأيام القادمة إعادة للعلاقات مع اللقاء المشترك الذي يتفق مع الرياض في تسمية ما قام به الحوثيون على أنه انقلاب لكن عودة السعودية لليمن برؤية مختلفة قد تكون متأخرة.
إن الأحداث في اليمن لها ظروف خاصة لكنها ليست منفصلة عما يجري في العراق أو سوريا، وقد أصبحت اليمن ساحة ساخنة للتنافس الإقليمي بين السعودية وإيران، ولذلك فإن كل تقدم أو تراجع في الساحات الأخرى يؤثر على الأحداث في اليمن.
هناك حالة من انعدام الثقة بين الأطراف في اليمن يزيد من جذوتها دخول المصالح الإقليمية المختلفة، كما أن هناك قضايا معقدة مرتبطة بالحوثيين وملف انفصال الجنوب وتقسيم الأقاليم والقاعدة والطبيعة القبلية السائدة في اليمن، ويهييء الوضع الحالي فرصًا أكبر لانفصال الجنوب أو لحدوث ثورة قد تحدث فيها مواجهات دموية مما يجعل انسحاب الحوثيين من صنعاء صعبًا، وهذا يجعل الوضع في اليمن يبدو أكثر ضبابية وكأنه يسير إلى المجهول، كما أن تقدم الحوثيين نحو الجنوب قد يشعل فتيل حرب أهلية جديدة، خاصة بعد أن أعلنت عدة قبائل عن جاهزيتها لمواجهة الحوثيين وقامت بعمل عروض عسكرية في عدد من المحافظات جنوب اليمن.
إن السيناريو الوحيد تقريبًا من أجل استقرار نسبي في اليمن يكمن في انسحاب الحوثيين من العاصمة، وتوافق كافة القوى والأطراف الداخلية على الدخول في عملية سياسية تحتكم إلى الأسس الديمقراطية، وهذا يحتاج إلى دعم دولي وإقليمي وتحديدًا من مجلس التعاون الخليجي؛ كي يساعد الأطراف الداخلية ولا يقوم بدعم طرف على حساب الآخر ولكن هناك الكثير من العقبات التي تقف أمام تحقيق هذا السيناريو.
[1] أحمد عليبة، انهيار الدولة: اليمن .. من صراع الدولة القبيلة إلى صراع الدولة المليشيا، المركز العربي للدراسات 28 يناير 2015.
[2] عبد الحكيم هلال، الأزمة اليمنية بين المتعيرات السعودية والوسيط العماني، الجزيرة نت 2 فبراير 2015.
[3] قامت السعودية بإلغاء 20 ألف تأشيرة عمل ليمنيين بعد الإعلان الدستوري الذي قام به الحوثيون.