لم يلبث الاتفاق الجديد بين إيران والقوى الدولية أن خرج إلى النور حتى أعلنت الرئاسة التركية عبر موقعها على الإنترنت عن زيارة سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران في السابع من أبريل لمناقشة العلاقات بين الطرفين، وهي زيارة غير متوقعة بالطبع بالنظر لتوتر العلاقات مؤخرًا بعد أن أعلنت تركيا عن دعمها لعملية عاصفة الحزم، ووجه أردوغان انتقادات للدور الإيراني علانية في إطار تقارب بين أنقرة والرياض بعد تولي الملك سلمان للعرش في السعودية.
“ستتم مناقشة العلاقات الثنائية بين الطرفين بكل أبعادها، وسيتم تبادل الآراء حول مختلف الملفات الإقليمية والدولية،” هكذا ذكر التصريح الرسمي الصادر من قِبَل الرئاسة التركية، والذي ذكر أن أردوغان سيلتقي نظيره الإيراني حسن روحاني الذي تلقى منه دعوة زيارة طهران، وكذلك المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، وسيكون مصحوبًا مجموعة من الوزراء الأتراك.
ستكون تلك الزيارة هي الأولى لأردوغان إلى إيران منذ توليه الرئاسة، وسيتم فيها انعقاد مجلس التعاون رفيع المستوى الثاني بين الطرفين بعد أن عُقِد الاول في يونيو المنصرم في أنقرة أثناء زيارة رسمية لحسن روحاني إلى تركيا، والذي تم برئاسة أردوغان كرئيس للوزراء آنذاك.
من المعروف بالطبع أن الهوة بين أنقرة وطهران واسعة فيما يخص سوريا والعراق، إلا أنها اتسعت بقوة بعد تصريحات أردوغان لقناة فرانس 24، والتي قال فيها ردًا على سؤال حيال سياسات إيران في سوريا والعراق واليمن، بأن تركيا قلقة حيال الدور الإيراني ورغبة طهران في الهيمنة على المنطقة، “ما يجري الآن ليس تطورًا إيجابيًا، لقد ناقشنا معهم الملفين السوري والعراقي، ولكنهم لم يتخذوا أي خطوات إيجابية بعد، أما بالنسبة لداعش فنوايا إيران ليست جيدة، هي تريد فقط أن تسيطر على الأراضي التي تملكها داعش الآن على خلفية الصراع السني الشيعي،” هكذا قال أردوغان.
على خلفية تلك التصريحات، طالب بعض أعضاء البرلمان الإيراني إلغاء الزيارة ردًا على تصريحات أردوغان ودعمه للسعودية في اليمن، حيث صرّح محمد حسن أصفري، عضو لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية بالبرلمان الإيراني بأن “إيران لا تحتاج تركيا على الإطلاق، فالأتراك لا يملكون شيئًا لدعمنا به، بل العكس، هم من يريدوننا لتصدير منتجاتهم، وأقل ما أتوقعه هو أن تطرد خارجيتنا السفير التركي من إيران حتى تعتذر حكومة تركيا عن إهانتها للشعب الإيراني.”
بطبيعة الحال، ورُغم تلك التصريحات، يدرك الإيرانيون أنهم سيحتاجون تركيا خاصة بعد رفع العقوبات، حيث تنصب أنظار الغرب على الغاز الإيراني عوضًا عن الروسي، والذي لا يمكن أن يمر إلا عن طريق تركيا، أضف لذلك أن تركيا ستكون معبرًا مهمًا بشكل عام للتجارة الإيرانية الأوروبية التي يتوقع لها أن تنطلق بقوة بعد أن تُرفَع العقوبات بشكل رسمي، وهو ما يعني أن زيارة أردوغان الآن ستنصب بالأساس على مجالات التعاون الجديدة تلك أكثر من كونها معنية بالملفات التقليدية المشتعلة في الشرق الأوسط، والتي يختلف فيها الطرفان بوضوح.
من ناحية أخرى، سيكون مهمًا لتركيا تعزيز روابطها مع إيران على المستوى الدولي بغض النظر عن الخلافات الإقليمية، لا سيما وأن الاستثمار التركي سيكون مهتمًا بالحصول على نصيب لا بأس به من كعكة الاقتصاد الإيراني الذي سينفتح على العالم قريبًا، وهو ما سيعزز من نفوذ تركيا داخل إيران، خاصة وأن الأخيرة قد بدأت تتمتع الآن بصورة جيدة في المجتمع الدولي على حساب تركيا التي تتوتر علاقاتها بالغرب، وأظهرت ميلًا لروسيا مؤخرًا فيما يخص خطوط الغاز بإعلان بوتين في زيارة رسمية له بأنقرة عن تدشين مشروع توركيش ستريم لنقل الغاز لأوروبا.
بالطبع، ورُغم الاقتراب مع الروس، لا يسع تركيا أن تنظر للشرق بشكل مطلق نظرًا لتعامد مصالحها مع الغرب في الوقت الراهن، أضف إلى ذلك أن السياسة التركية طالما كانت أقرب إلى إيران من السعودية باستثناء الفترة الأخيرة، والتي تحاول فيها أنقرة تعزيز الروابط مع السعودية لصد التمدد الإيراني المتزايد في الشام، وهي واحدة من الدوائر الاستراتيجية لتركيا بطبيعة الحال.
بالنسبة لإيران، سيكون مستحيلًا تجاهل تركيا رغم الخلافات الحادثة مؤخرًا، وهي خلافات طبيعية على أي حال بين قوتين تتنافسان في الشام وبينهما عداوة تاريخية في تلك المنطقة منذ أيام الصراع العثماني الصفوي، حيث يحتاج الإيرانيون إلى الأتراك في ملفات عدة في إطار التعاون الجديد مع الغرب، بيد أن ما يُقلِق أنقرة هو أن تصبح إيران حليفًا على حساب تركيا في إطار المواجهة مع داعش، والتي لا تتحمس لها تركيا كما هو واضح نظرًا لوقوف داعش بوجه التمدد الشيعي غربًا، إلا أن الجغرافيا بالطبع تقف حائلًا بوجه تحقيق سيناريو كهذا بشكل شامل، لا سيما وأن مصالح إسرائيل التي لا تزال معادية لإيران موجودة على طاولة الغرب رغم الخلاف بشأن الاتفاق النووي.
لا يمكن بالطبع التكهّن بنتائج الزيارة حتى تتم وتنتهي، والنظر إلى ما ستُسفِر عنه في مجالات التعاون المختلفة، وما إن كانت ستتناول بشكل علني الملفات السورية والعراقية واليمنية.