عبدالمجيد محمد عمر أو ملا عمر، المتواري عن الأنظار بصمت، لا يعرف أحد مكانه حتى الآن، أحد المطلوبين أمريكيًا بشدة، لا توجد له أي كلمات مصورة أو رسائل صوتية تذاع فهو لا يحب الظهور الإعلامي مطلقًا وقلما سمح لأحد بتصويره.
المقاتل الصغير ملا محمد عمر ذو 19 عامًا ترك دراسته في ولاية قندهار والتحق بالمقاومة الشعبية إبان الغزو السوفيتي لأفغانستان، ومن هنا بدأت رحلته مع التنظيمات الجهادية في أفغانستان، حتى بدأ في تشكيل أول نواة لحركة طالبان والتي تعني الحركة الطلابية باللغة الأفغانية، بعدها أصبح الملا عمر – الذي فقد إحدى عينيه خلال المعارك ضد السوفييت – هو أحد أهم الرجال المطلوب القبض عليهم في العالم.
عام 1995 نجحت طالبان، بقيادة الملا عمر، في حصار العاصمة الأفغانية “كابول” وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطعت الطرق التجارية المؤدية إليها، مما استدعى رئيس أفغانستان برهان الدين رباني للفرار من كابول العاصمة والاتجاه شمالاً والتخلي عن العاصمة، لتقع في يد طالبان التي تسلمت مقاليد الأمور وأنشأت إمارة أفغانستان الإسلامية، برئاسة ملا محمد عمر ليصبح أول رئيس لأفغانستان من هذه الحركة.
في أكتوبر من العام 2001، قامت الولايات المتحدة مدعومة من قِبل بلدان أخرى بغزو أفغانستان؛ لرفض حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن المتعاون مع الحركة ما دفع الولايات المتحدة لتصنيفها حركة إرهابية وتم استبعاد حركة طالبان من دفة الحكم، وفر مقاتلو طالبان من العاصمة ومعهم الرئيس الأفغاني ملا عمر ولم يُعرف مكانه حتى هذه اللحظة وانقطعت أخباره منذ 14 عامًا.
إلى أن أقدمت حركة طالبان في خطوة مفاجئة، على نشر حركة سيرة ذاتية مفصلة لزعيمها الملا عمر، لتعيد إلى الأذهان تاريخ الرجل الذي اعتقد البعض أنه قد مات وطالبان لم تعلن عن ذلك، حيث فسر المحللون هذه الخطوة أنها فيما يُعتقد تستهدف تأكيد وجود الحركة و”زعامتها”، في مواجهة تزايد نفوذ تنظيمات جهادية تبدو جديدة على الساحة الجهادية مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”، المعروف باسم “داعش” بين عناصر طالبان.
نشرت الحركة السيرة الذاتية على موقعها احتفالاً بمرور 19 عامًا على تولي الملا عمر زعامة الحركة، وقالت على موقعها الإلكتروني إنه يشارك مشاركة نشطة في “الأعمال الجهادية”، نافيةً التكهنات التي روجت أمر وفاته، وجاء فيها أنه “رغم رصد العدو المنتظم له، فلم تحدث تغيرات كبيرة أو عرقلة في الأعمال الروتينية التي يقوم بها الملا عمر من حيث تنظيم النشاطات الجهادية كزعيم للإمارة الإسلامية”، ووصفته الحركة بأنه “صاحب شخصية كارزماتية”، وأدرجت عددًا من الحكايات التي تصف شجاعته في ميدان القتال، وذكرت أن سلاحه المفضل هو قاذف الصواريخ أر بي جي-7.
فاجأ هذا التصرف العديد من الخبراء والمحللين الأمنيين الذين قالوا إن مثل هذا الأمر الخطير له بعدان: أن الحركة قد نشرت السيرة الذاتية لعمر، لعدد من الأسباب الإستراتيجية،أهمها قد يكون مواجهة نفوذ داعش الذي يتغلغل في صفوفها في هذه الآونة، حيث شهدت حركة طالبان انشقاق عدد من عناصرها وانضمامهم إلى “تنظيم الدولة” في الأشهر الأخيرة وأعرب بعض المنشقين عن استيائهم الشديد من زعيمهم الملا عمر الذي لم يُشاهد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان في 2001.
أما الهدف الآخر من نشر السيرة الذاتية للرجل في هذا التوقيت هو إظهار أن الملا عمر على قيد الحياة ولايزال يتولى السيطرة على الحركة، بوصفه زعيمها الأعلى، عمر لم يُعثر له على أثر أو صورة منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان، فالإدارة الأمريكية لا تعرف له حتى الآن وصفًا دقيقًا غير الذي نشرته بأنه طويل وأعور؛ حيث أصيب في عينه اليمنى بشظية أثناء القتال أمام السوفيت، كما وضعت مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في إلقاء القبض عليه.
تحرص حركة طالبان دائمًا في فترات متفاوتة على بث رسائل إما منسوبة أو متعلقة بقائدها ملا عمر تحت اسم “أمير المؤمنين” في تنافس واضح بينها وبين تنظيم الدولة حول مسألة خليفة المسلمين وبيعته، لينافس ملا عمر بهذا أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة والذي أعلن نفسه هو الآخر أميرًا للمؤمنين.
شهد العام الماضي جدلاً واسعًا في الأوساط الجهادية على خلفية التهنئة التي وجهتها حركة طالبان، على لسان الملا عمر، في بيان منسوب له بمناسبة عيد الفطر العام الماضي، والتي وقعت باسم “خادم الإسلام أمير المؤمنين” بعد أن حدد أسس السياسة الداخلية والخارجية لـ”الإمارة الإسلامية”؛ ما دفع البعض إلى المقارنة بينه وبين زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي.
لا توجد للملا عمر أكثر من صورة أو صورتين فوتوغرافيتين من بينها مشاهد تم تجزئتها من شريط فيديو تمكن مصور تلفزيون بي. بي. سي خلسة من التقاطه له عام 1996، وهو يلوح للجماهير من سطح مبنى في قندهار، مرتديًا عباءة يزعم أنها كانت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتظهر الصورة المشوشة جدًا لالتقاطها من مسافة بعيدة، رجلا بعينين عميقتين ووجنتين عريضتين، إلا أن هذا الوصف غير دقيق وينطبق على نصف سكان أفغانستان وربما هذا الذي ساعد الرجل على التخفي مدة 14 عامًا دون أن يعلم مكانه أحد لقلة المعلومات المتدوالة عنه، فهو يرى أن كثرة الظهور والمعلومات هي التي أوقعت بأسامة بن لادن.
إذ يقول أحد سكان مدينة قندهارعن الملا عمر إنه يتميز بالغموض، فلم يشاهده أحد إلا مجموعة قليلة جدًا من حرسه، حتى إنه إذا تجول في الشوارع، فلن يعرف أحد أنه الملا عمر، ولذا فمن الصعوبة معرفة أو رصد تحركات الرجل.