في الأسبوع الـ 14، واليوم الـ 92 لاحتجاجات أنصار الرئيس المصري محمد مرسي المتواصلة منذ 28 يونيو/حزيران الماضي، رفعت أغلب المسيرات صور قادة عسكريين راحلين أمثال عبد المنعم رياض، رئيس أركان الجيش المصري الذي قتل على جبهة القتال في عام 1969، وسعد الدين الشاذلي، رئيس الأركان إبان حرب أكتوبر 1973، ووزيرا الدفاع السابقان عبدالحليم أبو غزالة، وعبد الغنى الجمسي، الأمر الذي ربطه متابعون للشأن المصري باقتراب الذكرى الأربعين لحرب السادس من أكتوبر التي شنتها مصر خاضتها مصر ضد الجيش الإسرائيلي لتحرير سيناء.
وأبرز الشخصيات الذين رفعت صورهم، والذي لم يتعود المصريون رفع صوره أو الحديث عنه وربما يجهله معظم أبناء هذا الجيل وفسخت صورته من ذاكرة الأجيال السابقة.. عادت للمشهد المصري فجأة صورة الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب الذي تولى رئاسة مصر عقب ثورة 23 يوليو / تموز 1952، وغاب عن المشهد بعد عزله من جانب البكباشي جمال عبدالناصر ومجموعة من ضباط الجيش في العام 1954.
وكتب المتظاهرون على الصور شعارات من قبيل: “هؤلاء هم قادة الجيش الحقيقيون” و”يسقط يسقط حكم العسكر”، في إشارة إلى القيادة العسكرية الحالية التي يرى كثير من المصريون بأنها لا تمثل الجيش المصري، حيث قال بعض المتظاهرين لوكالة الأناضول إن رفع صور القادة الراحلين جاء للتأكيد على أنهم “يكنون كل الاحترام للجيش، ومشكلتهم مع القادة الحاليين للجيش وخاصة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي”.
ولتجربة محمد نجيب تشابهات واختلافات عن تجربة محمد مرسي، فكلاهما وصل للسلطة بعد ثورة شعبية غير أن الأول كان عسكريا واختير من قبل العسكر، في حين كان الثاني مدنيا واختير من قبل الشعب، ورغم أن كلاهم حضي بدعم شعبي واسع، فإن كلاهما أنقلب عليهم من قبل قيادة الجيش، غير أن الأول –أي محمد نجيب- كتب استقالته بيده وأمضى عقودا تحت الإقامة الجبرية معزولا بالكامل عن العالم، في حين رفض الثاني –أي محمد مرسي- الاستقالة وليزال إلى الآن معزولا عن العالم.
ورغم رئاسة محمد نجيب للمجلس العسكري، فإن خلافا حادا نشأ بينه وبين المجلس وخاصة البكباشي جمال عبد الناصر لأسباب عدة، كان المعلن منها هو أن “محمد نجيب كانت له ميولات إخوانية” وذلك بعد رفضه تنفيذ حكم قضائي بسحب الجنسية من ستة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ورفضه كذلك لقرار للمجلس العسكري لمنع جماعة الإخوان من النشاط.
https://www.youtube.com/watch?v=I63zgQVCbGs
والغريب في الأحداث التي سبقت الإطاحة بنجيب، هو أن المنادين بالإطاحة به اتهموه صراحة ب”الديمقراطية” وطالبوا بالإطاحة به لأنه كان “ديمقراطيا” ولأنه يريد إعادة الحياة الحزبية والبرلمانية ما يعني ضمنيا عودة الجيش لثكناته، ففي يوم 28 مارس 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب والرجعية، ودارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها «لا أحزاب ولا برلمان»، وذكر مؤرخون أن مجموعة العسكر المحيطين بجمال عبد الناصر “اشترت” صاوي أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل ودفعوه إلي تنفيذ إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات، وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون “تسقط الديمقراطية تسقط الحرية !!”، وقد اعترف الصاوي لاحقا بأنه حصل علي مبلغ 4 آلف جنية مقابل تدبير هذه المظاهرات.
وعن المكائد التي دبرت له حينها وعن الذين سعوا إلى الإطاحة به يقول نجيب في كتابه «كنت رئيسا لمصر»: لقد خرج الجيش من الثكنات.. وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلي الآن في مصر، كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا.فأصبح لكل منهم «شلة» وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها”.
وكان لمحمد نجيب ابن يدعى علي يدرس في ألمانيا وكان له نشاط واسع في مناهضة دولة إسرائيل وكان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين، الأمر الذي أزعج المخابرات المصرية الذين رؤوا في نشاطه إحياء لصورة أبيه فدبرت لاغتياله في ألمانيا وقتل سنة 1968، ونقل جثمانه إلي مصر ورفضت القيادة المصرية طلبا لنجيب للخروج من معتقله لاستقبال نعش ابنه وللمشاركة في دفنه.
وكان قدرُ نجيب أن يرحل في هدوء عن عمر يناهز 83 عاما بتاريخ 28 أغسطس 1984 بعد دخوله في غيبوبة في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، وإن كان هذا قدَرُ نجيب، فإن السؤال مطروح اليوم عن قَدرِ مرسي، وعن ما إذا كان بمقدرة محمد مرسي أن ينجوا من قَدَرِ نجيب.