تناغم المواقف السعودية التركية في الأيام الأخيرة يبدو أنه سيستمر لوقت قادم، خاصة مع اشتعال الملفات المشتركة الإقليمية، فالسعودية تخوض عاصفة الحزم بدعم ومساندة تركية ضد من تعتبرهم الوكلاء الإيرانيون في اليمن، جماعة أنصار الله “الحوثيين”، كذلك تحدّث البعض عن امتداد هذه العاصفة إلى سوريا قريبًا لوضع حد للنفوذ الإيراني في القضية السورية، التي تمثل حاضنة جهادية تقلق دول الجوار بسبب تعلق الموقف وجموده، ولكن لن يكون هذا إلا بعد الانتهاء من الملف اليمني وترتيبه، وسيكون لتركيا دور أكبر في العاصفة السورية المتوقعة قريبًا.
فإلى جانب هذه القضايا طُرحت قضية ثالثة على الساحة المشتركة بين الجانبين السعودي والتركي، وهي القضية العراقية التي تشهد انفردًا إيرانيًا منقطع النظير في إدارتها، وذلك عقب انسحاب القوات الأمريكية من العراق وترك الساحة لحلفاء إيران لإدارة المشهد العراقي، فالمصادر العراقية السنية تؤكد أن تحالفًا دوليًا وشيكًا بدأ يتكون من أجل دعم السنة في العراق وتوحيدهم لمواجهة التوسع الإيراني من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى في مناطق واسعة بالعراق، وذلك حتى لا تترك قضية مواجهة تنظيم الدولة للإيرانيين وحدهم بجانب الولايات المتحدة في العراق، حتى لا تفاجأ السعودية في صباح ذات يوم أن مستعمرة إيرانية أخرى أصبحت على حدودها مع العراق في غياب دعم السنة العراقيين.
السنة في العراق هُمشوا تمامًا ولجأ بعضهم لمبايعة تنظيم الدولة حماية لنفسه من بطش المليشيات الشيعية التي دخلت تكريت، وقالت إنها حررتها من تنظيم الدولة بقيادة مليشيات الحشد الشعبي الشيعية التي أعملت القتل على خلفية طائفية في السنة بالمدن المحررة من تنظيم الدولة، اعترفت بهذه المذابح وسائل الإعلام الغربية وطالبت بوقفها، لكن الولايات المتحدة لم تجد حليفًا جديًا في العراق غير إيران لمواجهة تنظيم الدولة، وهو ما أقلق السعودية وجعلها تنسق الموقف مع الجانب التركي للحد من نفوذ إيران في هذه القضية.
فالاتصالات المكثفة تجري الآن بين أطراف سنية في العراق، وشخصيات قيادية في كل من السعودية وتركيا وقيل ثالثهما الأردن؛ الهدف منها توحيد أطياف سنة العراق تحت راية واحدة مدعومة إقليميًا، لمواجهة “تنظيم الدولة” والتمدد الإيراني على حد سواء، وأخذ زمام الأمور في المناطق والمحافظات التي تم استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة، وعدم تكرار خطأ تكريت بتركها للمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا.
الأطراف السنية في العراق التي تسعى لتشكيل هذا التحالف تؤكد أنها لن تسمح بمشاركة “مليشيا الحشد الشعبي الشيعية” في معارك تحرير محافظة الأنبار ونينوى المرتقبة، وتؤكد أيضًا أنها ستسعي للحصول على دعم تركي سعودي في هذه المعارك الفترة القادمة، لتتولي قيادات السنة في العراق مهمة تحرير الموصل من تنظيم الدولة، بمساعدة الدعم اللوجستي والتدريب والاستشارات المقدمة من التحالف السني.
أكد المسؤولون الأتراك والسعوديون على أهمية تنحية الخلافات داخل الطيف السني في العراق جانبًا في هذه الأوقات، مع لم شمل كافة العشائر السنية بكافة أطيافها السياسية، كذلك ضرورة تغليب المصلحة الوطنية أمام الأخطار التي تواجههم في العراق من كل جانب، وقد تُكلف السعودية دولة الأردن بدور الوساطة بين الفصائل السنية المختلفة لقرب النظام الأردني من بعضهم.
تسعى تركيا الآن من خلال هذا التحالف مع السعودية في ملفات عدة تتزايد يومًا بعد يوم، إلى إعادة توزيع ما يسمى بموازين القوى الإقليمية في المنطقة عمومًا خاصة بينها وبين إيران، إذ إن انهيار النظام العراقي السابق مثّل قوة لإيران في المنطقة بعد هيمنة الأحزاب السياسية الشيعية على الحكومة والبرلمان العراقيين، حتى أصبحت العراق منصة شيعية إيرانية جديدة في المنطقة، بالإضافة لدور الأكراد في شمال العراق والسلطة المركزية ببغداد الذان يؤثران على المصالح التركية بشكل مباشر، أدى كل هذا إلى تزايد النفوذ الإيراني في العراق بالتزامن مع رغبة تركية في التصدي لهذه التهديدات الجديدة التي تواجه الأمن القومي التركي.
صراع تركيا العثمانية أمام إيران الفارسية آخذ في الصعود على شكل صراع سني – شيعي في المنطقة، بالتأكيد السعودية يجب أن تكون جزء منه كأحب الصراعات إلى النظام السعودي الذي يتخذ من الطائفية شعارًا له ضمن الحروب الإقليمية المتوقعة.
هذا ما يفسر تقاطع المصالح السعودية التركية، لاحتواء نفوذ إيران في المنطقة، والإمساك بأحد أطراف اللعبة وعدم تركها لإيران بالكامل، مما يعني تقوية النفوذ الإيراني إذا لم يواجه بقوة إقليمية أخرى تراها السعودية وتركيا في تحالف بينهما، بالإضافة إلى محاولة ملء الفراغ الإستراتيجي الذي خلّفته الإدارة الأمريكية في المنطقة.
لا شك أن تركيا تنظر إلى دور إيران المتنامي في العراق وسوريا، ومن ثم اليمن باهتمام، خاصة وأن التحركات الأمريكية المتخبطة في المنطقة أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة تدريجيًّا من المنطقة لحساب إيران، بالتزامن مع عقد اتفاق نووي معها، فإيران تهيمن بالفعل على العراق منذ رحيل القوات الأمريكية، وها هي تسيطر على سوريا ولبنان واليمن، وهذا ما جاء في تصريح الرئيس التركي أردوغان منذ عدة أيام حيث انتقد التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
بينما ترى وجهة نظر أخرى أن تركيا لن تقود أي تحالفات ضد إيران قيادة مباشرة وستترك الأمر للسعودية وستكون من خلفها داعمًا رئيسيًا؛ لأن الانخراط في صراع مسلح مباشر مع إيران ليس خيارًا سهلاً نظرًا للعلاقات الاقتصادية التي تحكم علاقاتهما السياسية، وبالتالي فإن البعد الاقتصادي هو الحاكم في علاقة البلدين، وسياسة تركيا في العقود الأخيرة ضد الانخراط في صراع مسلح مباشر، وهو ما أبرزته القضية السورية الأخيرة وكذلك الموقف من تنظيم الدولة حيث لم تتدخل تركيا بشكل مباشر عسكريًا رغم مقدرتها الكاملة على ذلك، لذلك يعتقد البعض أن التحالف التركي السعودي في العراق سيتخذ نفس الشكل غير المباشر التي ستكون واجهته السعودية، التي دائمًا ما تفضل الصدارة في المعارك السنية – الشيعية لحماية حدودها.