ترجمة وتحرير نون بوست
“إذا حصلت إيران على سلاح نووي، ستكون مسألة وقت فقط قبل أن ترغب تركيا بسلاح مماثل”.
هذه النظرية كانت وجهة النظر الرئيسية التي فسّرت من خلالها واشنطن وبروكسل الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها إيران النووية على تركيا، ولكن أنقرة لم تعلق رسميًا على هذه النظرة، بل استشهدت بحقيقة أنها امتثلت بشكل تام لمتطلبات وكالة الطاقة الذرية، مع التذكير بأن التفوق العسكري التقليدي يقدم لها قوة ردع أفضل على المدى الطويل، بعيدًا عن الصداع الدبلوماسي والسياسي الذي قد ينجم عن امتلاكها لقدرات نووية.
وعلاوة على ذلك، لم تنتقد أنقرة برنامج إيران النووي، بل راوغت من خلال عدد من المواقف السياسية، فأولًا صرحت بأن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل خطرًا بالنسبة لتركيا، وبعد ذلك أشارت أن الانتشار النووي هو قضية إقليمية تحتاج إلى معالجة على المستوى الإقليمي دون استفراد إيران وحدها، وأخيرًا، أوضحت أن الغرب يجب أن يتخذ نهجًا دبلوماسيًا أكثر إيجابية لتهيئة الظروف أمام إيران لتقليص برنامجها النووي.
كما أخذت أنقرة على عاتقها دور الجسر الدبلوماسي ما بين إيران والغرب، وهي مبادرة بلغت ذروتها بتوقيع الاتفاق الثلاثي في مايو 2010 مع البرازيل، بخصوص تبادل الوقود النووي بين إيران والغرب.
تغيّر السياسات
ولكن الخط السياسي التركي تجاه إيران تحوّل مع تغيّر الديناميات الطائفية الناشئة مع حركات الربيع العربي، كما أثّر على هذه العلاقات قبول تركيا بتنفيذ المرحلة الأولى من الدرع الدفاعي الصاروخي للناتو في سبتمبر 2011، والذي تم على إثره نشر محطات رادار وإنذار مبكر في قاعدة كورتشيك الجوية التركية.
ومع ذلك، وعلى خلفية برنامج إيران النووي، ساعدت المحاولات التركية في نهاية المطاف على تأمين المساهمة الإيرانية في أنبوب غاز ممر الجنوب التابع للاتحاد الأوروبي، وكانت أولى هذه المحاولات عن طريق مشروع نابوكو، وبعد أن تم العدول عنه، دعت تركيا إلى مشروع تاناب الذي يهدف إلى نقل غاز أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا.
والقصة تبدأ مع اندلاع النزاع على الغاز بين روسيا وأوكرانيا في عام 2009، حيث سارعت أوروبا حينها لإيجاد طرق إمداد بديلة للغاز، بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، وحاولت تركيا حينئذ الارتقاء إلى مستوى التحدي من خلال ربط حقول الغاز العراقية والإيرانية والأذربيجانية إلى أوروبا، وتقديم نفسها كمركز توصيل طاقة إستراتيجي في المنطقة، ولكن جثم أمام هذه المشروع عدة مشاكل لوجستية.
فأولًا، على الرغم من أن الأكراد العراقيين وتركيا هم شركاء طبيعيون جغرافيًا للتعاون في مجال الغاز، غير أن الحقول الكردية بحاجة إلى مزيد من الاستثمار لتتحول بإنتاجها إلى ما وراء الاستهلاك المحلي، وهذا التحوّل يحتاج على الأقل حتى عام 2017، كون طلب أكراد العراق على الغاز يقدر بالوقت الحالي بـ 10 مليار متر مكعب سنويًا، في حين أن إنتاجهم من الغاز هو 4 مليار متر مكعب بالسنة فقط، بناء على ذلك يكون ربط الغاز الطبيعي الكردي إلى الممر الجنوبي للغاز غير ممكنًا ضمن المدى المتوسط.
أما المشكلة الثانية فهي العقوبات على إيران، كون هذه القيود منعت دخول الاستثمارات اللازمة إلى حقل بارس الجنوبي الإيراني، الأمر الذي منع إيران من تطوير هذا الحقل للوفاء بحاجات الاستهلاك المحلي وبالتزامات التصدير، وهذا كان يعني أيضًا أن الممر الجنوبي للغاز في أوروبا لن يكون قادرًا على الاستفادة من ثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، والموجودة في إيران.
أذربيجان
بناء على ما تقدم سقط الخياران الكردي العراقي والإيراني من حسابات أنبوب الغاز على المدى القصير، مما أبقى على الاحتمال الأذربيجاني كحل وحيد متبقٍ أمام مشروع الممر الجنوبي للغاز، ولكن مع ذلك، لم ير الاتحاد الأوروبي أذربيجان كحل لمشكلة توصيل الغاز بعيدًا عن روسيا؛ فحقل شاه دنير 2 الأذربيجاني يوفّر حوالي 16 مليار متر مكعب من إمدادات الغاز الطبيعي، وستة مليارات متر مكعب من هذا الإنتاج ستُستخدم من قِبل تركيا، والباقي 10 مليار متر مكعب سيتم إرسالها إلى الأسواق الأوروبية بموجب التزامات تاناب، وهذا الواقع بالكاد يكفي لجعل حقل شاه دنيز كبديل إمدادات طوارئ قصير المدى، ناهيك عن كونه لا يكفي لاعتباره بديلًا إستراتيجيًا حقيقيًا عن الغاز الروسي، وعلى الرغم من أن تركمانستان وقعت أيضًا اتفاقًا مع تركيا في 7 نوفمبر 2014 لبيع غازها عبر أنبوب تاناب، بيد أن حقيقة أن كلا الطرفين لم يكشفا عن بنود هذا الاتفاق، أدى إلى رفضه من الاتحاد الأوروبي.
في ديسمبر عام 2014، طلب نائب رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة ماروش شيفتشوفيتش رسميًا من تاناب زيادة قدرة إمدادات الغاز إلى أوروبا حتى 20 مليار متر مكعب، ولكنه أضاف حينها “أن هناك متطلبات تقنية مسبقة يجب أن تتوفر لزيادة الانتاج”، وبشكل عام يمكن القول إن تاناب لا يمكنه الوصول إلى كامل إمكاناته، ليصبح ممرًا للغاز الجنوبي يخدم جميع الأغراض التي أُنشئ من أجلها، إلا من خلال حقن المزيد من الغاز في المشروع.
إن خيبة الأمل التركية جرّاء قيام دول الخمس زائد واحد بالتوصل إلى اتفاق مع إيران دون تدخل دبلوماسي كبير من أنقرة – التي تعتبر أن لها دورًا هامًا في هذا المجال -، لا يعني أن تركيا لن تستفيد من الصفقة النووية، بل إن أكبر فائدة قد تجنيها هي إمكانية ربط إيران مع ممر الغاز الجنوبي الأوروبي، وإن كان هذا مايزال احتمالًا صعبًا، وفي ذات السياق أعلن روفناج عبد الله ييف، رئيس شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار) في 4 أبريل الجاري، أن إيران مهتمة بشراء حصة في تاناب، وبالطبع من وجهة نظر سياسة الطاقة، يعتبر هذا الخبر سارًا لجميع الأطراف المعنية.
العقبات أمام الغاز الإيراني
هناك عقبتين تعترضان وصول الغاز الإيراني إلى تاناب، الأولى تتمثل بسياسة الحرس الثوري الإيراني، الذي أقام مصالحه التجارية على مدى العقد الماضي ضمن قطاعي النفط والغاز، لذا سيكون أول المقاومين لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، كونه سيسعى لحماية وضعه المهيمن على مصلحة الأعمال الأكثر نفوذًا والمتمثلة بالسيطرة على موارد النفط والغاز في إيران، لأن فتح البنية التحتية للغاز الإيراني أمام الشركات الأجنبية يعني أن الحرس الثوري الإيراني سيواجه منافسة متزايدة؛ لذا من المرجح أن يعمد الحرس الثوري الإيراني إلى مقاومة مخاطر المصالح التجارية الأجنبية التي تهدف إلى تطوير ثروة الغاز في البلاد، متذرعًا بالأمن والاستقلال.
إذن، حاليًا يمكن القول إن مصدر القلق الرئيسي هو ما إذا كانت إيران يمكنها أن تنضم إلى تاناب بدون تقويض المصالح المالية للحرس الثوري الإيراني، أو ما إذا كان الحرس الثوري سوف يقبل دخول إيران في صفقة تاناب بشكل لا يحفظ له مصالحه، لأن الأخير سيسعى لاستخدام تاناب كوسيلة لتوسيع مصالحه التجارية، ووجود تنظيم نخبوي شبه عسكري له مصلحة تجارية في خطوط الغاز هي إشكالية من الناحية المالية؛ فبهدف منع الشركات الأجنبية من السيطرة على سوق الغاز الإيراني وتهميش الحرس الثوري الإيراني، فإن الأخير سيسعى إلى الهيمنة على تاناب وسيستخدم المشروع لتحقيق مصالحه المالية، وهنا تكمن المشكلة بالنسبة لجميع الموقعين على المشروع لأنهم سوف يضطرون للتعامل مع إدارة إيرانية مستعدة وراغبة بالتعاون، وبذات الوقت سيتعاملون مع جناح عسكري ذي تأثير مالي كبير على الغاز الإيراني.
أما العقبة الثانية فتتمثل بقدرة البنية التحتية للغاز الطبيعي الإيرانية على الارتقاء لمستوى التطلعات الأوروبية بسرعة، قبل أن يبدأ الاتحاد الأوروبي سعيه لإيجاد بدائل عن مشروع تاناب، فحتى إذا تم توصيل كميات كافية من الغاز عبر تاناب إلى أوروبا ولكن في وقت متأخر جدًا وبأسعار مرتفعة، من المرجح أن يتجه الاتحاد الأوروبي حينها نحو إيجاد تسوية مع روسيا، بدلًا من المشروع البديل الحديث العهد، وفي هذه الحالة ستكون روسيا هي المستفيد الأكبر من انهيار الثقة المولودة حديثًا بين إيران والغرب، أما إذا بدأ الغاز الطبيعي الإيراني بالتدفق إلى الأسواق الأوروبية من خلال تاناب، فسوف تتواجه موسكو مع منافس وغريم رئيسي للغاز الطبيعي لن تستطيع تهميشه أو احتوائه بسهولة.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية