تروج الدول المشاركة في عاصفة الحزم أن العمليات الجوية للقوات العربية المشتركة بقيادة المملكة العربية السعودية هي من الدقة بمكان ألا تصيب مدنيين، وفي هذا الأمر تجاهلًا كبيرًا لأرواح المدنيين الذين سقطوا جراء القصف العربي منذ أول يوم لهذه العاصفة.
هدف العاصفة السياسي أو العسكري لا يجب أن يطغى على الوجدان العربي بحيث لا يرى جثث الأطفال في اليمن التي سقطت متفحمة نتيجة قصف عسكري عربي، هذه الإصابات بالخطأ أو غيره نحن لسنا بصدد هذا، فأرواح المدنيين في اليمن لا يجب أن تخضع لهذه الحسابات السياسية التي تخضع لها الدول المشاركة في العملية.
الإعلام العربي المؤيد لهذه العملية لم ينطق ببنت شفاه عن الأخبار المتواردة من اليمن التي تؤكد وقوع ضحايا للمدنيين في هذه العملية يوميًا، وكلما أتت الأخبار من الإعلام الموالي لإيران كذبها البعض لأنها تعتبر لديه أخبار غير موثوقة المصدر، حيث يقولون أنها أخبار لتشوية صورة العملية العسكرية “عاصفة الحزم”، القيادة العسكرية للعاصفة تعلم جيدًا أن ثمة ضحايا مدنيين سقطوا جراء قصفهم المتواصل على مدن اليمن لكنهم ينكرون هذا مع إنهم أعلنوا أن الحوثيين يتخذون من المناطق السكنية مقرات لهم الآن والعجيب مع علمهم بهذا يواصلون القصف على المناطق السكنية ثم يخرجون علينا ليعلنوا أنه لا يوجد ضحايا من المدنيين والأخبار الآتية جميعها من مصادر إما حوثية أو إيرانية غير موثوق فيها بالمرة .
لكن ماذا عن المصادر الأممية التي وثقت سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين بسبب القصف الجوي العربي المتواصل الذي يدعي أنه يستهدف الحوثيين، كشف تقريرٌ صادرٌ عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، أن “74 طفلًا يمنياً قتلوا، وأصيب 44 آخرون بتشوهاتٍ، في اليمن”، في إشارةٍ إلى بدء غارات عاصفة الحزم في 26 مارس الماضي.
حيث أشارت المنظمة في تقريرها، إلى أن هذه الأرقام تعتبر “متحفظة”،أي أنها تعتقد أن “أعداد الأطفال الذين قتلوا أعلى بكثيرٍ من ذلك، خاصة مع ارتفاع حدة النزاع والقصف خلال الأسابيع الماضية.
وكذا تؤكد منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيانٍ صحفي صادر عنها، عبرت خلاله عن قلقها البالغ من انتهاك قوانين الحرب، مشيرةً إلى إن الغارات الجوية التي يشنها تحالف تقوده السعودية أدت إلى قتل ما لا يقل عن 29 مدنيًا وجرح 41، بينهم 14 طفلًا و11 سيدة، في مخيم المزرق بمحافظة حجة، كما أصابت منشأة طبية وسوقًا محلية وجسرًا، بحسب البيان، فهل ترى المملكة العربية السعودية أن قصف منشأة طبية وسوق محلي هو ما سينهي الأزمة اليمنية الحالية أم أن هذا الأمر مطابق للشريعة الإسلامية التي تتغنى السعودية بتطبيقها؟!
ما يؤكد هذه الأخبار هو خروج نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش ويدعى “جو ستورك” ليقول : “إن وفاة هذا العدد من المدنيين في مخيم خالٍ من أي هدف عسكري ظاهر يشدد بواعث القلق من انتهاك قوانين الحرب، وعلى كافة الأطراف أن تبذل قصارى جهدها لتجنب الإضرار بالمدنيين”.
ليخرج علينا المتحدث باسم “عاصفة الحزم” في مؤتمر صحفي له، لينفي استهداف العمليات العسكرية أي تجمعات سكنية داخل اليمن، مضيفًا أن الغارات الجوية تحدد أهدافها بدقة قبل تنفيذها، في مخالفات منطقية يصر عليها الجنرالات العرب التي أسكرتهم نشوة القصف دون مقاومة، فكيف للجنرالات العرب أن يعرفوا أن قذائف مقاتلاتهم لا تصيب الأطفال ولا النساء، عليهم أن يخرجوا علينا ليكذبوا هذه الحقائق الدولية التي لا تأتي من إعلام الحوثيين أو إيران.
التأييد المطلق الذي انتزعته السعودية لشن هذه العملية بدعوى إنها تأتي استجابةً لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتدخل عسكريًا لـ”حماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية”، أمر واهٍ بلا شك، فحماية الشعب اليمني لن تكون مطلقًا بقصف الأحياء السكنية والمستشفيات بحثًا عن مصرع مسلح حوثي يسقط بجواره عشرات المدنيين، هذه القاعدة بلا شك انتصار مزيف تروجه الآلة الإعلامية الخليجية، قتل الأطفال والنساء لا يحقق نصرًا فتاكًا كما يظن قادة العملية، مهما بلغت دقة تحديد الأهداف على الأرض فإنك لا تستطيع التحكم في شظاياك أو في قنابلك وصواريخك المميتة.
يمكن تفهم العملية العسكرية في إطار أنها تمثل أمن قومي للسعودية ودول الخليج في إطار سياسي لحماية أنفسهم من التوغل الإيراني عليهم في المنطقة، لكن لا تدعين السعودية حماية أهل السنة في المنطقة وهي تقوم بقتلهم في اليمن لحماية عرشها وستقتل غيرهم إذا تدخلت عسكريًا في أي بلد آخر.
إن عاصفة الحزم أوقعت الجميع في هذه المأزق الأخلاقي فالانتصارات الجوية لا تعد انتصارات حربية على واقع الأرض كما يقول الخبراء العسكريون، واستمرار القصف الجوي والاقتصار عليه ما هو إلا قصور في العملية العسكرية العربية لأنها لا تستطيع حسم الأمر على الأرض، لكن كل هذا لا يشكل معضلة أخلاقية إذا اقتصر الأمر على مواجهة مسلحين، بينما استمرار القصف الجوي على اليمن يعني الاستمرار في قتل المدنيين بدمٍ بارد وبتهليل إعلامي ودعم ديني، عليك أن تختلف مع الحوثيين كيفما شئت وتدعو لقتالهم وترفع راية الطائفية كما شئت وتعادي إيران وحلفائها في المنطقة كيفما شئت، لكن استمرار عملية جوية لن تحسم الأمور على الأرض ولن تمعن إلا في قتل المدنيين والاستزادة من دمائهم، وسيظل خلالها الحوثيون في مأمن على الأرض يعني أنه لديك مشكلة أخلاقية في حربك هذه ناهيك عن أنها مشكلة دينية كبرى.
نرى من النخبة المؤيدة لعاصفة الحزم انتقادها لعمليات القاعدة والمنظمات الجهادية التي تستهدف المدنيين في وسط استهداف عسكريين، إلا أنهم هذه المرة أصابهم الخرس عندما رأوا دماء أطفال اليمن تسيل بصواريخ عربية تدعي استهداف جماعة الحوثي.
وعلينا أن نتوجه بالتساؤل لمشايخ السعودية والعالم العربي الذين خرجوا علينا ليعلنوا الجهاد ضد الصفوية وأذنابها في كل مكان، ما حكم قتل المدنيين السنة في عاصفة الحزم؟، أدماء المدنيين حلال في سبيل الحفاظ على عرش آل سعود؟، هذه كاشفة أخلاقية لا محالة، حينما تعلم أن هدفك السياسي سيتحقق من خلال قتل مدنيين عزل وتستمر في السعي إليه.
لو أرادت عاصفة الحزم أن تحسم الأمور بالفعل على الأرض فعليها أن تنزل المواجهة من الأبراج والطائرات في السماء إلى المواجهة الأرضية لتقاتل من تريد على الأرض دون أن تستزيد من القتل العشوائي، أم دماء جنود عاصفة الحزم أغلى من دماء أهالي اليمن الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب التي تدعي الدفاع عنهم؟