يرى بعض المراقبين الليبيين تناقضًا ومسارات متباينة في مسيرة الحوار الليبي، فكلما تقدم حوار الصخيرات المغربية خطوة في اتجاه الاتفاق على حكومة توافق وطني وترتيب المسارات الأمنية والدفع بهيئة الستين لإنجاز مشروع الدستور، كلما ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية التي يشنها قائد جيش البرلمان المنحل خليفة حفتر في بنغازي، وتلك العمليات التي يشنها حليفه جيش القبائل في محاولة لإرباك الوضع الأمني في طرابلس، أو المليشيات التي تشتبك معها القوة الثالثة التابعة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام مع مليشيات من النظام السابق حول قاعدة براك الشاطي الجوية.
في بنغازي
مازالت قوات حفتر تقصف حي الصابري في بنغازي بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، في محاولة لدخوله والتقدم منه في طريق البحر لمحاصرة قوات مجلس شورى ثوار بنغازي في غربها، وتصفية الجيوب والأحياء التي تسيطر عليها قوات المجلس، وارتفعت وتيرة القصف الجوي والبري لقوات حفتر بعد وعد الأخير بالسيطرة على بنغازي في مهلة ستة أيام انقضى منها أربعة أيام، وكذلك نقل المعارك للمحور الغربي لبنغازي حيث تحظى قوات مجلس شورى الثوار بحاضنة شعبية.
في غرب ليبيا
تحاول قوات جيش القبائل صناعة موطئ قدم لها في مناطق ورشفانة “الزهراء، العزيزية” جنوب العاصمة طرابلس للانطلاق منها في شن هجمات بهدف زعزعة الاستقرار في طرابلس، وخلق حالة مشابهة لحالة بنغازي، على أمل تحرك خلايا داخل العاصمة وإحداث سيناريو فوضى.
إلا أن قوات فجر ليبيا عن طريق أكبر وأقوى كتائبها “الحلبوص” تتصدى لهذه المحاولات التي كان آخرها محاولة تقدم جيش القبائل الجمعة الماضية من طريق الكسارات إلى العزيزية، والتي سقط فيها قرابة الأربعين قتيلاً من جيش القبائل وأسر أربعة منهم، وسقوط قتيلان من قوات فجر ليبيا وجرح آخرون.
جنوب ليبيا
تشتبك القوة الثالثة التابعة لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام منذ الرابع من شهر أبريل الجاري، مع وقوات لواء المشاة 241 برئاسة محمد بن نايل، أحد كبار القادة الأمنيين السابقين في نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
وفي السياق ذاته بدأت القوة الثالثة عملية عسكرية السبت بهدف السيطرة على منطقة “قيرة” بالجنوب الليبي بعد خروج المدنيين منها بهدف السيطرة عليها، وطرد القوات الموالية لحفتر منها.
ثمة اشتباكات من نوع آخر، بين مكوني التبو والطوارق، وهو صراع على منافذ التهريب في أصله، إلا أن طرفي الصراع في ليبيا “المؤتمر الوطني” و”مجلس النواب” تبنى كل منهما أحد الأطراف، فحظي التبو بتأييد مجلس النواب المنحل، بينما نال الطوارق تأييد المؤتمر الوطني العام.
ويعلق هذا الفريق من المراقبين بحتمية فشل المسار السياسي الجاري برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا، في ظل التصعيد العسكري في مناطق ليبيا الثلاث، وإصرار مجلس النواب في طبرق على تحسين شروط التفاوض عن طريق العمليات العسكرية.
واستدلوا بالتصريح الأخير يوم السبت لممثل حكومة البرلمان المنحل في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي الذي قال فيه “إن حكومته ستسعى للحصول على السلاح بطرق مختلفة، رغم معارضة الولايات المتحدة وبريطانيا لذلك”، واللتين بحسب الدباشي لا تعترفان بأن قوات حفتر تمثل جيشًا وطنيًا لليبيا في ظل الانقسام السياسي.
رأي آخر
في الاتجاه المقابل يعلق متابعون ليبيون وعرب وأجانب أملاً على إنجاز مفاوضات الصخيرات المغربية لسلام دائم في ليبيا، من خلال حكومة التوافق الوطني، مشيرين إلى أن مجلس النواب الليبي في طبرق رغم تأييده لخليفة حفتر، واستحداثه منصب جديد له، وتعيينه قائد عام للجيش، وترقيته إلى رتبة فريق، إلا أنه مجبر عبر الإرادة الدولية على السير في طريق الحوار وإنجازه والالتزام بنتائجه، حتى وإن كانت آثار الحوار مؤلمة لكثير من الشخصيات المؤيدة والمتحالفة لمجلس النواب، بعد استبعادهم من خلال حكومة التوافق ومنهم خليفة حفتر نفسهن وعبد الله الثني رئيس حكومة الأزمة.
وأكد بعض المتابعين عدم قدرة مجلس النواب الليبي على الخروج عن النص أو السيناريو الذي شارك المجتمع الدولي في صناعته، وهو خارطة الطريق التي اقترحها المبعوث الأممي برناردينو ليون، مستدلين بتصريح لرئيس لجنة حوار مجلس النواب المنحل أبو بكر بعيرة السبت، إذ أكد “أن المجلس سيناقش يوم الإثنين القادم في جلسته أسماء مقترحة لحكومة الوحدة الوطنية”، موضحًا “أن الأسماء والترشيحات المبدئية ستقدم خلال جلسة الحوار القادمة المزمع عقدها في التاسع من الشهر الجاري بمدينة الصخيرات المغربية، وأن أسماء الحكومة سوف تحال لمجلس النواب لاعتمادها”.
الحالة الليبية بمساريها العسكري والسياسي، تشبه في مفارقة حالة الحرب التي تشنها إسرائيل على مدينة غزة المحاصرة، حيث تجري المفاوضات بين إسرائيل، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بينما القصف الإسرائيلي يهدم غزة، إلا أنها طبيعة الحروب، كما يقول مؤرخون.