قبل 12 عامًا من تاريخ كتابتي لهذا المقال، بالضبط في يوم 9 أبريل 2003 حدثت الانعطافة الأهم في التاريخ الحديث للعراق، هذا البلد الذي يمتد بجذوره قدم الإنسان والأرض، ترددت كثيرًا قبل الكتابة عن انعطافات العراق في هذه السنوات الـ 12؛ فقد يطول المقال ليصبح مجلد يحتوي على عدد أيام هذه السنوات التي مرت، فلقد عاينت انعطافة في كل يوم وحدث في كل ساعة ولكني اختصرت للمُطلِع على المقال أبرز 10 انعطافات منذ الانعطافة الأولى في ذكرى غزو العراق وإلى يومنا هذا، ومايزال القادم يحمل الكثير في جعبته لبلدي.
المحطة رقم 1
سقوط بغداد 9 أبريل 2013
في لحظة صادمة لكل العراقيين حتى الذين رحبوا بدخول الاحتلال الأمريكي، وسائل الإعلام العالمية تنقل صورة الدبابات الأمريكية وهي على أحد جسور بغداد معلنة سقوط العراق بيد الاحتلال وبداية انعطافة جديدة في تاريخه الحديث، في ذلك اليوم أذكر أن أخي الصغير رغم أنه لم يتجاوز من العمر السنتين بدأ بالبكاء لبكاء والدي الذي لم يستطع أن يحبس دمعه عنا عند رؤيته المنظر رغم جلده وصبره، لم يتكلم ولم نتكلم جميعنا، اكتفى الجميع بالبكاء حينها لهول المشهد، لم يدرك أحد من العراقيين كيف ستكون شكل السنوات القادمة وماهي الانعطافة الجديدة وماذا يريد هذا الجندي الأمريكي في أرض العراق، لم ندرك أن هذه الانعطافة ستتلاحق بعدها الانعطافات بوتيرة تجعل العراقي على أرض العراق لا يحصي عدد من فقد من الأحبة ولا يعرف ماذا تبقى من وطن عقب دخول المحتل حالة من الهرج في البلد وسرقة لممتلكات الدولة وسقوط لكل ماتبقى من كيان يحافظ على الأمن والنظام، وغُلِب العراقيون على اأرهم مذهولين ينتظرون المحطة الثانية.
المحطة رقم 2
حل الجيش العراقي 2003
يعتبر الكثيرون أن أسوأ قرار اتخذته الحكومة الأمريكية في العراق هو قرار حل الجيش العراقي الذي كان يشكل 10% من سكان البلد، ويُعد من أبرز الجيوش في المنطقة وله تاريخ وجذور، ويُعد المسؤول الأول عن اتخاذ هذا القرار الحاكم المدني للعراق بول بريمر؛ وهذا ماجعل آلاف الضباط الذين يعتبرون أكثر القادرين على حفظ أمن البلد في حساب المتقاعدين، رغم أن كثير منهم لايزال في مقتبل العمر؛ مما خلق حالة من الفوضى وضبابية المجهول القادم والانعطافة الجديدة.
محطة رقم 3
فضيحة سجن أبو غريب 2004
إن ما خرج للإعلام من صور لمعتقلين عراقيين يُعذّبون بطريقة هستيرية مجنونة من قِبل سجون الاحتلال، أثار ضجة إعلامية كبيرة في وقتها وانتقادات واسعة جعلت الناس تغلي في الداخل العراقي خاصة بعد عدم جدية محاسبة مرتكبين التعذيب؛ مما دفع الاحتقان إلى أعلى مستوياته، وحالة من الخذلان العالمي للإنسانية المنتهكة في العراق باسم الحرية المزعومة ومايزال العراقي يترقب الانعطافة الثانية وما هو القادم.
محطة رقم 4
التصويت على الدستور 2005
تمت الموافقة على دستور للبلاد بعد التصويت عليه رغم كل ما فيه من مطبات وعثرات ومعارضة من بعض أطياف المجتمع العراقي وأصبح دستور للعراق ويحمل في طياته الكثير من المواد التي تبقى قضاية ساخنة إلى اليوم مثل المادة 140 التي ترسم حدود الأقاليم والمحافظات، ويُعد الدستور صمام العملية السياسية بالعراق رغم أنه معطل ويتم التجاوز عليه بشكل كبير خاصة في الملف الأمني والسلطات.
محطة رقم 5
الحرب الطائفية 2006
في عملية منظمة دخلت مجموعة بزي عسكري إلى مرقد الإمامين العسكريين في سامراء وقامت بتفخيخ وتفجير المرقد؛ الأمر الذي أشعل حالة من الغضب في الشارع الشيعي في العراق قامت على إثرها مجموعات مسلحة شيعية بحرق وتدمير مايقرب 168 مسجد للسنة في بغداد؛ مما جعل الحرب الطائفية تشتعل وأصبح القتل على الهوية في شوارع بغداد وخرجت الأمور من سيطرة الدولة وبقي الأمريكان يتفرجون على الاقتتال دون تدخل.
محطة رقم 6
انتخاب المالكي لولاية ثانية 2010
رغم أن القائمة العراقية آنذاك قد استطاعت الفوز بـ 91 مقعدًا على حساب قائمة دولة القانون التي يترأسها المالكي التي حصلت على 89 مقعدًا، إلا أن المحكمة الدستورية أصدرت نص بأن القائمة التي تُشكل داخل البرلمان هي التي تكون لها الأحقية برئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، الأمر الذي استغله المالكي جيدًا ليذكي الصوت الطائفي وأن الحكومة ستعود للسنه إذا حكمت القائمة العراقية؛ الأمر الذي أعاد تكتل البيت الشيعي وانتخب المالكي مرة ثانية.
إن خطورة انتخاب المالكي لمرة ثانية هو منهجه الذي اتخذه بإقصاء الخصوم بدون التورع في الطريقة أو التداعيات التي تحدث، فقد قام بإقصاء كل رمز السنة بداية من الهاشمي؛ الأمر الذي جعل رجوعه للحكم بمثابة تثبيت منهج الإقصاء الذي اتبعه.
محطة رقم 7
انسحاب الاحتلال الأمريكي 2011
بعد أن أدرك الأمريكيون أن الطريق لم يفرش لهم بالزهور وأن العراق مستنقع كبير يستنزف قواهم العسكرية المادية والبشرية، قرر الأمريكان الانسحاب من العراق، مخلفين علامات استفهام كثيرة، كان أبرزها أين أسلحة الدمار الشامل؟ أين الديمقراطية المزعومة؟ أين إعادة إعمار وازدهار البلد الذي تم غزوه أو تحريره كما تدعون؟ ليبقى الصمت سيد الموقف ولا تبرير مقنع أو إجابة حقيقية عن هذه الأسئلة.
محطة رقم 8
انتفاضة سنة العراق
بعد موجة الربيع العربي الذي انطلقت في تونس ثم مصر، وصلت رياح الربيع العربي للعراق لتشتعل 6 محافظات سنية بمظاهرات حملت طابع السلمية والمطالب المشروعة بوقف التهميش والاعتقال والإقصاء والملاحقة للمكون السني بالعراق الأمر الذي جوبه باعتراض من قِبل حكومة المالكي التي أصرت على موقفها ومنهجية الإقصاء؛ مما دفع الأمر للتصعيد إلى أن وصل الحد بقيام الجيش بدخول ساحات الاعتصام وحرق خيام المعتصمين؛ الأمر الذي أجج العنف المسلح في العراق وأعاد شبح الحرب الطائفية التي وقعت في 2006.
محطة رقم 9
سقوط الموصل 2014
سقوط مدينة الموصل التي تحتوي على ثلاث فرق عسكرية من الجيش العراقي أمام بضع مئات من مقاتلي تنظيم الدولة، وضع الجميع في حالة صدمة وعدم فهم حقيقة ما جرى بالفعل.
إن تسليم المدينة لداعش والانسحاب من قِبل الجيش بدون قتال وظهور التنظيم بشكل دولة تحكم نصف العراق ونصف سوريا؛ أخاف الشرق الأوسط وتسارعت التداعيات في العراق والمنطقة، كان أبرزها تشكيل التحالف الدولي للحرب على داعش الذي اكتفى بالضربات الجوية دون تدخل بري وكذلك أطاح بالمالكي وحلمه بالولاية الثالثة؛ مما جعل الكثير من المراقبين يعتقدون أن المالكي أراد استغلال داعش لغرض الصعود لولاية ثالثة، لكن الأمر خرج عن سيطرته فخسر ثلث مساحة العراق بسبب المغامرة غير المحسوبة، إضافة إلى أن ملف التحقيق بقضية سقوط الموصل بقى مفتوح ولم تحسم أسباب السقوط الفعلية للمدينة.
محطة رقم 10
فتوى السستاني بالجهاد الكفائي 2014
بعد سقوط الموصل اندفع تنظيم الدولة بشكل سريع تجاه بغداد؛ الأمر الذي دفع المرجعية الشيعية بإصدار فتوى بالجهاد الكفائي لقتال داعش وتطور الأمر ليكون ما يسمى الآن بالحشد الشعبي رغم أن تقارير وتصريحات كثيرة لمحللين وسياسيين أكدت أن الحشد الشعبي ليس من أوقف التنظيم من دخول بغداد وإنما تدخل الأمريكان وصد داعش من الوصول إلى بغداد، حسب ما صرح به نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وبعض المحللين والمراقبيين للوضع العراقي.
لم اكتب انعطافة في سنة 2015 رغم مرور أربعة أشهر من هذه السنة وتحقق بعض الأمور مثل تحرير مدينة تكريت، لغاية أن يكون هناك انعطافة متميزة في الأيام القادمة تجعل العراق يتجه إلى النور في نهاية النفق ،إلى أن تصل تلك الانعطافة يبقى الوضع في العراق متشح بلون السواد الحزين.