المعركة الدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية والتي تستهدف إيران، لا تقل أهمية وشراسة وقوة عن العملية العسكرية – عاصفة الحزم – التي تقودها المملكة وحلفاؤها باليمن.
فقد عزفت الدبلوماسية السعودية سيمفونية جديدة بدأت من الأهواز، وصولاً لباكستان، وليس انتهاء عند أذربيجان.
فالجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت تعتقد أنها تحاصر المملكة العربية السعودية، وتضيّق الخناق عليها من خلال سيطرة الحوثيين على اليمن، وما يمثله من تهديد جيوسياسي وجيوإستراتيجي على الأمن القومي السعودي، وسيطرة داعش وقوات الحشد الشعبي الموالية لطهران على بعض المحافظات العراقية، وبذلك تصبح المملكة بين فكي كماشة تستطيع طهران – حسب اعتقادها – بأنها وعبر الشيعة المتواجدين بالمنطقة الشرقية من المملكة والذين يمثلون نسبة 10% من إجمالي سكان السعودية، تهديد أمن واستقرار المملكة ووضعها أمام خيارين: التدجين وما يترتب عليه من سياسة سعودية لا تتجاوز حدودها، أو إثارة القلاقل والنزاعات داخل المملكة وصولاً للمساس بالنظام السياسي السعودي.
بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم ووصول الأجيال الشابة لمناصب حساسة بالدولة، وبخبرة وحنكة وزير الخارجية سعود الفيصل فاجأت الدبلوماسية السعودية بأنها هي من تحاصر إيران.
ففي الداخل الإيراني نجحت السعودية في تسليط الضوء على اضطهاد النظام الإيراني واستهدافه للعرب السنة في الداخل الإيراني، وتحديدًا في منطقة الأحواز، وساهم ذلك في اندلاع شرارة انتفاضة ضد النظام، ولأول مرة يحرق المتظاهرون مقرات للباسيج وهذا تطور لافت، وصفعة من الرياض لطهران.
الحصار الأهم جاء من دولتين كبيرتين هما تركيا وباكستان، فهناك إرهاصات لبناء مثلث إستراتيجي، تكون أعمدته الرئيسية السعودية وباكستان وتركيا، بالإضافة إلى دول وجماعات وتنظيمات، بحيث ترى تلك الدول أن الولايات المتحدة بدأت تتخلى تدريجيًا عن منطقة الشرق الأوسط لصالح منطقة وسط وجنوب أسيا، وهذا ما أكدت عليه إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي هذا العام، وقد يكون التوجه الأمريكي مرتبط باكتشاف النفط الصخري بالولايات المتحدة، ما يعني أن الإدارة الأمريكية أصبحت بغنى عن النفط العربي، وبذلك أصبح بناء هذا التحالف ضرورة وطنية، لملء الفراغ أمام التدخل الصهيوني والإيراني وغيرهم ممن له أطماع بالمنطقة.
لم تتوقف العاصفة السعودية عند هذا الحد، فجاءت زيارة رئيس أذربيجان للرياض والاستقبال الرسمي الحافل له هو صفعة قوية لطهران نظرًا لحجم الخلافات بين أذربيجان وإيران، ولسان حال الدبلوماسية السعودية يقول: ما في حد أحسن من حد؛ تعبث بالحدائق الخلفية للمملكة سأحرق كل الحدائق الأمامية والخلفية لإيران.
إن ما تقوم به الدبلوماسية السعودية، بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين، هو تعبير حقيقي عن رؤية عميقة ودراسة متأنية للخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وتحديدًا المجال الحيوي السعودي وانطلاق قطار العمل ضمن سياسة سد الثغرات.
وفي هذا السياق مازالت تحتفظ السعودية بأوراق قوة ناعمة وخشنة في مواجهة التمدد الإمبراطوري الإيراني، وما يحمله من رسائل ضمنية للاحتلال الإسرائيلي، سيمنح السعودية في المستقبل القريب مزيدًا من القوة والمكانة والريادة، ولكنها أيضًا بحاجة للعمل الجاد حتى تبقى في حجم تطلعات الشعوب العربية والإسلامية، التي بدأت تنظر للملك سلمان بأنه رجل المرحلة، وبأنه يمتلك مفاتيح الأمن والاستقرار، ومن هنا فإنني أهدي أشقائي بالمملكة العربية السعودية بعض النصائح:
– الفقر عدو الفكر، وبوابة الإرهاب والتطرف، وعليه لا بد من إنشاء بنوك للفقراء على غرار التجربة البنجلادشية لمحاربة الفقر ودعم الفكر وصولاً لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشعوب وتحقيق المشروع النهضوي العربي.
– يجب أن تكون السعودية حاضنة للفكر الوسطي المعتدل، وعليه ينبغي عقد المؤتمرات والندوات للبحث في تلك المسألة والخروج بنتائج وتوصيات، يجب أن تقود المملكة مصالحات داخل الدول، وأن تعمل على إنهاء كل الانقسامات داخل الساحة العربية والإسلامية.
– ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية بكل وسائل الدعم وعلى رأسها حركة حماس، لأنني أدرك أن طهران ستعاقب الحركة نتيجة موقفها مما يجري باليمن، وهذا ما حصل بعد موقفها من الثورة السورية، فحكومة حماس تعاني أزمة مالية خانقة تجعلها غير قادرة على دفع مرتبات موظفيها، وستزداد الأزمة بعد توقف التمويل الإيراني.