بدأ العد التنازلي للانتخابات النيابية التركية المقررة في 7 من شهر يونيو / حزيران المقبل، مع تقديم 19 حزباً قوائم بأسماء مرشحيها للمجلس الأعلى للانتخابات في 7 من أبريل الجاري. ويشارك في الانتخابات التي تجري للمرة الخامسة والعشرين حوالي 56 مليون ناخب تركي لانتخاب 550 ممثلاً في البرلمان. ومن المتوقع أن تنطلق الحملات الانتخابية نهاية الأسبوع الجاري على أن تستمر حتى 6 من يونيو، ليعلن كل حزبٍ عن برنامجه الانتخابي لهذه الجولة. وتشكل إسطنبول وأنقرة وإزمير، كبرى المدن التركية، مجتمعةً حوالي 30٪ من عدد مقاعد البرلمان، حيث من المتوقع أن تكون المنافسة على أشدها. وأبرز الأحزاب المتنافسة هي حزب العدالة والتنمية AKP وحزب الشعب الجمهوري CHP وحزب الحركة القومية MHP وحزب الشعوب الديمقراطي HDP.
بدوره، يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002، أي بعد عامٍ واحد على تأسيسه، للحفاظ على الأكثرية البرلمانية التي يملكها حاليا وهي 312 مقعد. يتولى أحمد داود أوغلو رئاسة الحزب والحكومة معاً في حين يتولى رئيسه السابق رجب طيب أردوغان رئاسة الجمهورية. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة إلى العلن خلافات بين أردوغان وحكومته وتوترات بين أعضاء الحزب، ما يوحي بوجود أزمات أعمق داخل العدالة والتنمية، إذ أعرب أردوغان عن اعتراضه على مسار محادثات السلام التي تجريها الحكومة مع حزب العمال الكوردستاني، في موقف رأى فيه محللون إنه محاولة لاستمالة أصوات الناخبين القوميين المعارضين للمحادثات قبيل الانتخابات. كما حصل تراشق كلامي بين عضوي الحزب نائب رئيس الوزراء بولنت أرنتش وعمدة أنقرة مليح كوكشك على إثر اتهامات متبادلة بالفساد، في ظل إنكار وجود انشقاقات داخلية في العدالة والتنمية. ويرى كثيرون بأن أردوغان لا ينفك عن التدخل بالحزب والحكومة وقراراتهما، حتى وصل الاعتقاد إلى أنه هو نفسه من وضع قائمة المرشحين للانتخابات، واختار عد من معاونيه والمقربين منه وحتى أقربائه، وفي مقدمتهم صهره برات البيرق.
ويريد أردوغان ضمان الأغلبية في البرلمان من أجل إجراء تعديل دستوري يستطيع من خلاله تغيير نظام البلاد من برلماني إلى رئاسي، معزياً السبب في ذلك إلى ضرورة الاستمرار في ما أسماه النمو. كما اعتبر أن النظام الحالي وصل إلى طريق مسدود وأنه اذا أرادت تركيا التقدم والتطور فيتعين عليها تغيير النظام. أما داود أوغلو فمستمرٌ في إنكار وجود أي أزمات في صفوف العدالة والتنمية. وفي الإطار، أعرب رئيس الوزراء على عدم حصول أي فوضى أو أزمة داخل صفوف الحزب على خلفية إعلان المرشحين للانتخابات النيابية كما كانت تتمنى المعارض، حسب قوله. ويبدو أن داود أوغلو قد أغفل عن حادث العثور على جثة جلال إيرانجي مصاب بطلقة في الرأس داخل غرفته في أحد الفنادق بأنقرة في ٨ من إبريل، أي بعد يومٍ واحد على إعلان قوائم الترشيح، في وقت قالت مصادر إن إيرانجي ربما يكون قد أقدم على الانتحار بسبب عدم ترشيحه على قائمة حزب العدالة والتنمية.
أما حزب الشعب الجمهوري CHP برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، فيعتبر أقدم حزب في تركيا وأبرز الأحزاب المعارضة. تأسس الحزب عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية. ويسعى الحزب لزيادة نسبة أصوات ناخبيه من 25٪ إلى 30٪ وهو يمتلك 125 مقعداً في البرلمان الحالي. الشعب الجمهوري هو الحزب الوحيد الذي اعتمد مبدأ الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحيه، إذ أن 85٪ منهم تم انتخابهم داخل الحزب. ويحمل الشعب الجمهوري في أجندته الإنتخابية ثلاثة ملفات هي تظاهرات حديقة غزي وفضائح الفساد والتزوير التي طالت أردوغان وعائلته وحكومته السابقة وشخصيات بارزة في حزبه، إضافة إلى عملية السلام مع الكورد. ويترشح على لائحة الشعب الجمهوري في هذه الانتخابات مرشح من الغجر لأول مرة هو أورزجان بورجو.
حزب الحركة القومية MHP برئاسة دولت بهشيلي يعتبر أبرز الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة في تركيا، وتأسس عام 1969 ويسعى الحزب للمحافظة على نسبة 15٪ من أصوات الناخبين في الإنتخابات البرلمانية ولديه 52 مقعداً في البرلمان الحالي. وأبرز الملفات التي يحملها الحزب هي مناهضة عملية السلام مع حزب العمال الكوردستاني. أما أبرز مرشحيه، إضافة إلى باهشيلي، هو أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي. وكان إحسان أوغلو مدعوماً من قبل حزبي الحركة القومية والشعوب الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 2014.
من جهته، يسعى حزب الشعوب الديمقراطي الذي تأسس عام 2012، وهو حزب يساري مناصر للقضية الكردية ولحقوق المجموعات الإثنية والدينية، للحصول على 10٪ من الأصوات، وهو الحد الأدنى المطلوب للدخول إلى البرلمان. الشعوب الديمقراطي اعتاد في الأعوام السابقة على دعم مرشحين مستقلين يشكلون تحالفاً بعد الفوز بالانتخابات والدخول إلى البرلمان، وذلك في محاولة للالتفاف على عتبة 10٪ غير العادلة، إلا أنه هذه المرة يقدم مرشحيه بإسم الحزب. وسيحاول حزب الشعوب استقطاب الناخبين الإشتراكيين والليبراليين الذين يصوتون للأحزاب الصغيرة، إضافة إلى أصوات الكورد المحافظين الذين يصوتون لحزب العدالة والتنمية. وتعتبر قائمة الحزب نموذجاً مصغراً عن المجتمع التركي، حيث اعتمد في اختيار مرشحيه على معايير التعدد والتنوع إذ حرص الديمقراطي على ترشيح أعضاء من مختلف الإثنيات والثقافات والطوائف الدينية في تركيا، من الأرمن واليزيديين والعلاهيين (وهم غير العلويين) والأشوريين والشركس والنساء المحجبات أيضاً.
ويلعب حزب الشعوب الديمقراطي بزعامة صلاح الدين دميرطاش دور الوسيط بين الحكومة التركية وقيادة حزب العمال الكوردستاني، ويرى الحزب أنه يمثل صمّام الأمان لعملية السلام وأن مصيرها متوقفٌ على نجاحه في الإنتخابات، معتبراً أن ذلك سيؤسس لنمو درجة الثقة بالعملية السياسية في تركيا، ما سيمهد الطريق للوصول إلى حل نهائي للصراع المسلح بين القوات التركية ومقاتلي الكوردستاني. ومن أبرز مرشحيه دميرطاش، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية العام الماضي.
من المتوقع أن يسجل البرلمان الجديد رقماً قياسياً في عدد النساء، إذ تشهد هذه الانتخابات ارتفاعاً غير مسبوق في عدد المرشحات عن كافة الأحزاب. يوجد في البرلمان الحالي 79 إمرأة: 46 نائبة عن حزب العدالة والتنمية و19 نائبة عن حزب الشعب الجمهوري و نائبات عن حزب الحركة القومية و11 نائبة عن كتلة الحرية والديمقراطية المدعومة من حزب الشعوب الديمقراطي. الشعوب الديمقراطي اعتمد مبدأ المناصفة الجندرية في الترشيح، إذ بلغ عدد المرشحات على قائمته ٢٦٧ مرشحة، أي حوالي 48٪ من مجموع مرشحي الحزب. وأبرز المرشحات في مقاطعة شانلي أورفا هي ديلاك أوجلان، إبنة أخ زعيم حزب العمال الكوردستاني المعتقل عبد الله أوجلان. وإذا ما نجحت ديلاك في الانتخابات، فستكون سابقة في دخول عائلة “أوجلان” إلى البرلمان التركي. أما حزب الشعب الجمهوري فقام بترشيح 103 نساء، أبرزهن عالمة الاقتصاد سيلينا أوزوزون دوغان، وهي من أصول أرمنية. كما خصص الحزب المقاعد الأولى في المقاطعات الكبرى للنساء. فيما بلغ عدد مرشحات حزب العدالة والتنمية 99 مرشحة، أبرزهن فاطمة فارانك، قريبة مستشار أردوغان مصطفى فارانك، وحزب الحركة القومية 40 مرشحة، ما يعني أن عدد المرشحات على قائمة حزب الشعوب الديمقراطي يفوق عددهن على لوائح الأحزاب الأخرى مجتمعة.
وفي الأثناء، تتصاعد حملات التحريض فيما بين الخصوم السياسيين مع استمرار تداعيات الأحداث الأمنية التي شهدتها تركيا في 30 مارس، وأبرزها عملية احتجاز ومقتل المدعي العام في اسطنبول محمد سليم كيراز على يد مسلحين إثنين من حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري. إذ هاجم أردوغان المعارضة التركية معتبراً انها شريكة لمن أسماهم بالإرهابيين. وخص بالذكر نواب حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي واتهمهم بدعم حزب جبهة التحرر، وأشار إلى أن من يدعم الإرهابيين هو إرهابي أيضاً. وهو سقف جديد يصله أردوغان في خطابه بعد وصفه متظاهري حديقة غزي بالإرهابيين الذين يسيرون عكس تعاليم الدين الإسلامي.
مما لا شك فيه أن حزب العدالة والتنمية سيفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أن الأكيد أنه سيستحيل عليه بمفرده تأمين الأكثرية البرلمانية اللازمة لتغيير الدستور ومن ثم النظام، اذا ما نجح حزب الشعوب الديمقراطي في تخطي عتبة 10٪ من الأصوات، ما يعني أن وصول الشعوب الديمقراطي إلى البرلمان سيشكل منعطفاً قوياً في الحياة السياسية بتركيا في المرحلة المقبلة.