أجرى نائب وزير الخارجية الإيراني مرتضى سرمدي يوم الاثنين، محادثات مع المسؤولين الجزائريين فور وصوله الى هذا البلد في زيارة رسمية تدوم يومين لبحث تطورات الاوضاع في المنطقة خاصة في اليمن.
وكان في استقبال نائب وزير الخارجية الايراني بمطار هواري بومدين الدولي، الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية السيد بريكسي، إضافة إلى السفير الإيراني بالجزائر رضا عامري.
وبالنظر إلى تزامن هذا الحراك الدبلوماسي الإيراني المفاجئ مع ما تشهده اليمن من احتراب ، ذهبت بعض التحليلات إلى أن إيران تحاول تشكيل حلف جديد يساعدها ولو دبلوماسيا على إيجاد تسوية سياسية تغنيها عن التورط المباشر خارج مجالها الإستراتيجي.
تاريخ العلاقات الجزائرية الإيرانية
مرّت العلاقات الجزائرية – الإيرانية بمحطات تألقّت تارة و تدهورت باستمرار ذلك أنّ إيران بمشروعها الإسلامي لم تتحوّل إلى غول يخيف المشرق العربي و دول الخليج العربي ، بل تحولّت إيران لدى انتصار ثورتها إلى غول يخيف حتى الدول المغاربية ، إلى درجة أنّ العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني و في خطاب متلفز رفع صورة الإمام الخميني مؤسّس الجمهورية الإسلاميّة وعلقّ بقوله أنّ صاحب هذه الصورة هو المشكلة ، في إشارة إلى الإضطرابات الطلابيّة في الثانويات والجامعات .
وإلى وقت قريب كانت العلاقات الديبلوماسية بين إيران ودول المغرب العربي مقطوعة (تونس ، الجزائر ، المغرب ) فيما ظلّت ليبيا وموريتانيا تحتفظان بعلاقات ديبلوماسية عادية مع إيران ، وقد تمكنّت تونس في وقت مبكّر وقبل رجحان الكفة لصالح التيار الإصلاحي والتنويري في إيران من استئناف علاقاتها مع إيران وتمّ تبادل السفراء بين العاصمتين . كما أنّ المغرب عالجت معضلتها مع إيران في عهد العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني ، وبقيت العلاقات الجزائرية – الإيرانية مجمدّة لأسباب ترتبط مباشرة بالوضع السياسي والأمني في الجزائر .
وبالرجوع إلى دفاتر التاريخ ، نجد أن الإيرانيين سعوا إلى مصالحة مع الجزائر في عهد الرئيسين السابقين، على كافي واليمين زروال، إلا أن هذه الجهود ظلت من دون نتائج ، بسبب إصرار الجزائريين على اعتبار طهران داعمة للإرهاب، ولم تثمر مساعي عواصم عربية، أبرزها، دمشق ، لكسر الجليد بين البلدين، ووضع العلاقات على طريق المصالحة تعزيزاً للصف الإسلامي، ويجدر رصد أن التعديلات التي أدخلت على السياسة الخارجية الإيرانية ، مع تفوق جناح الرئيس هاشمي رفسنجاني على الجناح المتشدد بزعامة على أكبر محتشمي أتاحت إعادة تقييم الموقف الإيراني من الأوضاع في المغرب العربي ومراجعة التأييد الواضح الذي كانت تظهره إيران للحركات الأصولية المحلية.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الثنائية بين الجزائر وايران عرفت تقلبات كبيرة، فقد أيدت الجزائر “الثورة الخمينية” التي اندلعت في 1979 وتوثقت عرى العلاقات بعدها، حتى زار الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد طهران عام 1982 وأثناء الحرب العراقية الإيرانية الحامية الوطيس، لعبت الجزائر دورا بارزا في تمثيل ورعاية المصالح الإيرانية في أمريكا بعد قطع العلاقات بين طهران وواشنطن في سنة 1980 .
وفي مرحلة لاحقة ، شهدت العلاقات توترا بسبب “مساندة” إيران للجبهة الاسلامية للإنقاذ، ووهو ما اعتبرته الجزائر تدخلا في شؤونها الداخلية، ومما يمكن ذكره في هذا السياق ما أشارت إليه الصحيفة البريطانية “الديلي تلغراف” في تقرير لها، إبان التهجم الإيراني على الجزائر بسبب حلّ جبهة الإنقاذ، من أن طهران وعدت الحزب المحل بمبلغ 5 ملايين دولار في حال وصوله إلى السلطة، ما دفع الجزائر لإبعاد 7 دبلوماسيين إيرانيين من بينهم الملحق العسكري والثقافي ومساعد السفير، في إطار قرار التقليص من التمثيل الدبلوماسي للبلد المعني، لـتأتي خطوة أخرى ضربت العلاقات بين البلدين في مقتل وتمثلت في سحب الجزائر لسفيرها عبدالقادر حجار، وعددا من كبار مساعديه في أوائل 1992 بعد قيام إيرانيين بمحاصرة السفارة الجزائرية وبيت السفير بطهران، ثم جاء القرار الحاسم وهو قطع العلاقات بصفة نهائية في شهر مارس 1993 إبان حكم المجلس الأعلى للدولة بقيادة علي كافي، وإن كانت قد شهدت فترته ثم مرحلة خليفته اليمين زروال محاولات خاصة من الجانب الإيراني لأجل تصحيح مسيرة العلاقات ووضعها في كف الصلح إلا أنها باءت بالفشل، بسبب ما قالته السلط الجزائرية عن رصد دعم إيراني للمسلحين ماديا ومعنويا وسياسيا وإعلاميا واستخباراتيا.
وقد اكتسبت زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي للجزائر في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2004 لمدة ثلاثة أيام وبدعوة رسمية من نظيره الجزائري أهمية خاصة لكونها الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979، كما تأتي تتويجاً لمساعي البلدين لطي صفحة توتر وقطيعة طبعت العلاقات الثنائية لأكثر من ثماني سنوات، واستكمالاً للزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري، عبد العزيز بتوتفليقة، إلى إيران في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، والتي كان لها الأثر الكبير في إذابة الجليد في علاقات البلدين.
وقد شكلت تلك الزيارة التاريخية منعطفاً بارزاً ، في سبيل تحسين العلاقات ووضعها في مسارها الطبيعي، بما يتوافق ومكانة البلدين، وأدت لاحقا إلى تنسيق المواقف في المنظمات الدولية، ومنظمة الدول المصدرة للنفط ( أوبك) ، وحركة عدم الانحياز.
جولة دبلوماسية لحشد بعض الدعم بحثا عن تسوية سياسية
زيارة الجزائر سبقتها زيارة إلى تونس يوم الأحد، وقد صرح سرمدي خلال مؤتمر صحفي استعداد طهران للحوار مع السعودية لحل الازمة اليمنية، داعيا إلي وقف الهجمات والبدء في حوار يجمع مختلف الفرقاء.
وإثر تحوله إلى الجزائر في زيارة رسمية تدوم يومين ، قال سرمدي إن زيارته تهدف إلى مناقشة تطورات الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علي ضوء ما أفرزته المجموعات المتطرفة في المنطقة، وبطبيعة الحال الوضع في اليمن بعد الاعتداء العسكري عليه. وأكد على أن الوضع في اليمن بحاجة إلي مساعدة كل الدول الصديقة والمحبة للسلام، ولابد من أن يكون هناك جهد مركز للحيلولة دون استمرار الاعتداء علي شعب اليمن الأعزل وتدمير بناه التحتية. وأضاف أنه لابد من بذل الجهود من أجل اجتماع الفرقاء السياسيين في اليمن وجلوسهم إلي طاولة الحوار والتوصل إلي حل سياسي. وحذر نائب وزير الخارجية الايراني بان تأزم الاوضاع في اليمن سيكون في صالح نمو وتوسع الإرهاب في المنطقة.
وجاء فى بيان لرئاسة الوزراء الجزائرية بأنه جرى خلال اللقاء بحث تطورات العلاقات الثنائية بين البلدين بالاضافة إلى اجراء مشاورات سياسية حول بعض المسائل ذات الاهتمام المشترك المتعلقة بالأحداث الإقليمية و الدولية الراهنة.
وقال سرمدي في مؤتمر صحفي بالجزائر إن إيران ترحب بكل جهد يبذل من الدول الصديقة خاصة الجزائر، وأن الحوار في اليمن يجب أن يكون في أجواء هادئة وأن الحوار تحت القصف غير ناجح.
كما قال بأن بلاده ترحب بأي وساطة مع السعودية، مؤكدا أن طهران تعتمد على الجزائر للمساهمة في وقف الحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، نظرا “لمواقفها المناسبة” حسب تعبيره.
وبحسب يومية “التحرير الوطني” الجزائرية ، ونقلا عن مصدر دبلوماسي، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني طلب رسميا من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التوسط لدى دول مجلس التعاون الخليجي لوقف “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد ميليشيات الحوثي في اليمن في إطار تحالف عربي عسكري.
وذكر نفس المصدر أن مرتضى قدم إلى الجزائر بصفته مبعوثا للرئيس الإيراني، وعلى هذا الأساس طلب من بوتفليقة أن “ترمي الجزائر بكل ثقلها لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية، لوقف التدخل العسكري الجاري في اليمن و أن تلعب الجزائر دورا بارزا في “حلحلة الأزمة اليمنية”، مباركا “المبادرة التي طرحها وزير الشؤون الخارجية رمضان لعمامرة لتلطيف أجواء الاحتقان التي يمر بها عالمنا الإسلامي”، ويقصد المسؤول الإيراني “النزاع الطائفي الدائر في سوريا واليمن والعراق بين السنة والشيعة”.
يبدو أن إيران استشعرت جدية الغضب السعودي خاصة بعد الدعم الدولي الذي لقيته “عاصفة الحزم” وهي اليوم أمام قرار واضح بعدم التورط في اليمن دون أن تضحي ،في نفس الوقت ، بالحوثيين لما سيرسله ذلك من رسائل سلبية لمختلف جيوبها في أكثر من دولة عربية.
وبالنظر إلى تصريحات الخامنئي الصاخبة التي هدد فيها بشكل مباشر السعودية المتضاربة مع الجهد الدبلوماسي الذي تبذله أجهزة الدولة ، يحق لنا أن نتساءل حول خلفيات هذا التضارب حد التضاد : هل نحن إزاء تقسيم للأدوار أم صراع بين الإصلاحيين والراديكاليين ؟