ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
كثر الحديث في وسائل الإعلام الأمريكية منذ أشهر، حول استخدام إيران للآلاف من المقاتلين الشيعة الأفغان، لمحاربة معارضي الأسد وخاصة تنظيم داعش، وهي رواية تبنتها، بشكل لافت، الصحف المقربة من الصقور، الذين يدفعون نحو سياسة عدائية مع إيران، كما أنها رواية يظهر فيها الأفغان كأنهم مسلوبو الإرادة مقابل ظهور إيران بمظهر القوة الإمبريالية المتحكمة في مصير الشعوب المجاورة لها، ويظهر من خلالها عدم وجود فرق بين عناصر تنظيم داعش التي تمارس الذبح والقتل، والمقاتلين الشيعة الذين جاءوا من الخارج للدفاع عن النظام السوري.
أصبحت بعض وسائل الإعلام الأمريكية لا تفوت فرصة للتطرق لهذا الموضوع والتركيز على دور إيران في زعزعة استقرار المنطقة، على غرار قناة السي إن إن التي عرضت صورًا لسجين مناصر للأسد يظهر أنه شيعي أفغاني، وتحدثت عن تنظيم طالبان الذي اشترته إيران ليدافع عن بشار الأسد، ويعتبر البعض للأسف أن رؤية رجل يرتدي لباسًا أفغانيًا ويتدرب على حمل الكلاشنيكوف هو دليل دامغ على تورطه في القتال، ولكن كل من يعرف أفغانستان جيدًا يمكن أن يقول إن هذا ليس صحيحًا دائمًا.
فما هي نسبة الصحة من الادعاءات المذكورة سلفًا؟ هل الأفغان الشيعة يحاربون من أجل بشار الأسد؟
أكدت الكثير من التقارير الصحفية على وجود الأفغان الشيعة في سوريا ورجحت أن تكون إيران قد استقدمتهم، ولكن هذه التقارير لم تورد أعداد هؤلاء المقاتلين، والملاحظ أن نفس هذه الوسائل الإعلامية لا تجد أي مشكلة في حضور المقاتلين الأجانب من العراق ولبنان للدفاع عن نظام الأسد، رغم أنه في الحالتين نتحدث عن حضور بارز في ساحات القتال لعدد من المقاتلين يقدر بالآلاف، وهو حضور ثبت أنه كان مصيريًا لتجنب انهيار نظام الأسد، الذي لم يكن ليصمد لولا الدعم الذي يتلقاه من الخارج، وفي أقل الحالات فإن عدد الأفغان يقدر بالمئات ولكنهم في كل الحالات أكثر من المقاتلين اليمنيين الشيعة الناشطين في الأراضي السورية، الذين يناهزعددهم المئتين.
ويعد حضور الأفغان الشيعة أمرًا ثابتًا تحدثت عنه حتى وسائل الإعلام الإيرانية، التي غطت جنازات اثنين وستين أفغانيًا كانوا يعيشون مع عائلاتهم في إيران وسقطوا خلال المعارك في سوريا منذ سبتمبر 2013 حتى مارس 2015، وقد قاتل هؤلاء خاصة في صفوف تشكيلات عسكرية معروفة، على غرار كتيبة “فاطميون” التي تم تأسيسها في كابول وتكونت نواتها من شيعة أفغانستان، ولواء أبو الفضل العباس، المتخصصة في استقبال وتأطير المقاتلين الأجانب الراغبين في الالتحاق بالمعارك في سوريا، ولكن تشير مصادر أفغانية وأخرى إيرانية إلى أن أغلب هؤلاء المقاتلين الأفغان هم في الحقيقة من الجالية الأفغانية المقيمة في إيران، بالإضافة لحوالي ألفين أفغاني من طائفة الهزارة الذين يعيشون في سوريا كلاجئين، ويسكن أغلب هؤلاء قرب مسجد السيدة زينب في جنوب دمشق وهو مكان أصبح مقدسًا بالنسبة للشيعة في كل أنحاء العالم خاصة في العقود الأخيرة؛ لأنه يحتوي على مقام السيدة زينب بنت علي ابنة الإمام علي ابن أبي طالب.
ومنذ انطلاق الحرب في سوريا وجد الأفغان أنفسهم هدفًا للمقاتلين المتشددين، وأصبحوا يخشون التعرض لما تعرضوا له في الماضي على يد طالبان في بلدهم الأم، وبالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون قرب مسجد السيدة زينب، كما بالنسبة لكل الشيعة في العالم، فإن خطر تعرض هذا المكان المقدس للتدمير هو أمر لا يمكن السماح به، ولهذا حمل الكثير من اللاجئين الأفغان في سوريا السلاح، فلواء أبو الفضل العباس كانت نواته الأولى مكونة من الشيعة الأجانب المنتشرين في محيط السيدة زينب والمستعدين للدفاع عن هذا المكان.
وهذا يعني أن الأمر بالنسبة لهم لا يتعلق بالدفاع عن بشار الأسد والمصالح الإستراتيجية الإيرانية، بقدر ما يعني الدفاع عن أماكنهم المقدسة وثقافتهم الدينية وحياة السكان المحليين الشيعة، وهذا لا ينفي بالطبع إمكانية قيامهم بالتنسيق مع الميليشيات التابعة لإيران أو الجيش النظامي السوري، وهو أمر ثبت بالدليل القاطع، ولكن هذا لا يُعد أمرًا مفاجئًا على اعتبار أنهم يقاتلون نفس العدو الذي يقاتلهم بدوره، بهدف إسقاط حكم العلويين في سوريا والقضاء على الشيعة في الشرق الأوسط عمومًا.
كما أن فرضية أن يكون بعض الأفغان الموجودين في أفغانستان راغبين في الالتحاق بالمعارك في سوريا هي أيضًا فرضية ممكنة ومنطقية؛ لأنهم يعلمون أن تنظيم داعش لن يتوقف بعد هزمه للشيعة في سوريا والعراق وهو ما يجعلهم يشعرون أنهم ليسوا بمنأى عن الخطر، كما أن الخطر المحدق بهم واضح في أفغانستان، حيث إن عناصر طالبان الذين تخلوا عن الملا عمر لمبايعة “دولة الخلافة” الجديدة يعتمدون سياسة عدائية جدًا تجاه طائفة الهزارة ولهذا فإن الصراع بالنسبة لهؤلاء هو صراع وجود، وهو ما دفع بالأحداث نحو حصول المستحيل؛ فقد اجتمعت طائفة الهزارة مع القادة المحليين لتنظيم طالبان خلال شهر مارس المنقضي؛ لأن العداء بين الطرفين لم يعد له وزن مقارنة بالخطر الجديد المحدق وهو تنظيم الدولة، كما أن هذا الاجتماع أمكن له أن يُعقد لأن هؤلاء القادة المحليين هم الشق الطالباني الذي بقي وفيًا للملا عمر، بسبب نظرتهم السلبية للممارسات التي يقترفها أتباع الخليفة البغدادي.
كما سرت شائعات في أفغانستان عن حدوث اشتباكات في قندهار، بين شق طالبان التابع للملا عمر والشق الذي انتقل لمساندة تنظيم داعش، ولهذا فقد قام الموالون للملا عمر بالموافقة على طلب الهزارة بتوفير المساعدة والحماية لهم ضد أنصار داعش في المنطقة، ومن الواضح أن هذا التحالف فرضته الظروف، ولكن إذا كان الهزارة مستعدين لوضع أيديهم في أيدي عدوهم اللدود الذي نكل بهم في الماضي، ونسيان كل ما حدث بسبب خوفهم من تنظيم داعش؛ فإنه يمكننا أن نتصور إلى أي مدى أصبح الشيعة مستعدين للذهاب للوقوف ضد هذا التنظيم، ولهذا يمكننا أن نتصور بسهولة أنهم يذهبون لمحاربة هذا التنظيم بشكل مباشر في معاقله في سوريا والعراق، كما تجدر الإشارة إلى أن تنظيم البغدادي من جانبه نجح في استقطاب عدد من الأفغان الذين يقاتلون اليوم في سوريا.
وتشير كل هذه التطورات اليوم إلى أن أفغانستان تجلس على قنبلة موقوتة من التوترات الطائفية والعرقية التي ستعصف بهذا البلد في السنوات القادمة، ولكن يبقى الفرق الوحيد بين الطرفين هو أن الأفغان الشيعة يحاربون من أجل البقاء، بينما يحارب المتشددون التابعون لتنظيم داعش من أجل حلم القضاء على التشيع في الشرق الأوسط.
إذًا فخلاصة هذه الحقائق هي أن وجود مقاتلين أفغان شيعة في سوريا هو أمر صحيح، ولكن عددهم محدود جدًا حسب المصادر المحايدة، وهم ليسوا بسبب القتال لأجل بقاء نظام بشار الاسد، ولكن فقط للدفاع عن أبناء المذهب الشيعي في سوريا وموروثهم الحضاري والتاريخي، كما هو الشأن بالنسبة للأقليات الأخرى مثل اليزيديين والمسيحيين، كما أن المقارنة بين المقاتلين الشيعة الأفغان والمقاتلين المتطرفين من الجانب الآخر لا تجوز؛ لأن أتباع تنظيم القاعدة وتنظيم داعش يدمرون الأماكن المقدسة ويستهدفون الشعائر الدينية ويرتكبون المجازر ويعتمدون إرهابًا أعمى، فيما يحارب الشيعة الأفغان من أجل البقاء.
المصدر: الهافنتون بوست