مشهد اللقاء الثنائي بين عبدالفتاح السيسي والسيد عبدالإله بنكيران رئيس وزراء المغرب والأمين العام لحزب العدالة والتنمية والذي يُعد المُعبر عن الإخوان المسلمين وجماعة التوحيد والإصلاح المغربية خلال القمة العربية التي عُقدت بشرم الشيخ، ووصف الثاني للأول بـ “فخامة الرئيس”، وحديثه أن اللقاء يأتي في إطار تعميق العلاقات بين السيسي وجلالة الملك، ومن ثم دفاعه عن اللقاء باعتباره ممثلاً للدولة المغربية ﻻ لحزبه وأن مصالح الدول وعلاقتها تدار بمعايير أخرى؛ تجعلنا نعيد التساؤل عن ماهية ما يسمى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وعلاقة الأفرع المختلفة في كل دولة بأخواتها.
رغم خصوصية تجربة الحركة الإسلامية المغربية ومسارها الواضح في الإقرار والعمل في ظل شرعية الملك والتعاطي مع الصلاحيات الواسعة وخاصة في الشأن الخارجي المقررة له، إلا أن هذا لم يمنع الحزب وقادته من إصدار البيانات الرسمية التي تدين الانقلاب العسكري في مصر؛ فرئيس الوزراء ذاته له من التصريحات وصورته الشهيرة رافعًا علامة رابعة في إشارة إلى المجزرة التي نفذها العسكر في مصر ضد المعتصمين السلميين من مؤيدي شرعية الرئيس مرسي، بل إن أحد قيادات الحزب أشار إلى أن اللقاء الذي تم لا يغير من حقيقة الانقلاب وﻻ من موقف الحزب الرافض له!
نعود إلى فكرة وجود تنظيم دولي عابر للحدود يضم في عضويته ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين في الأقطار التي تنشط فيها الحركة وهو التنظيم الذي ﻻ يبدو أثره واضحًا، فموقف بنكيران ليس الوحيد الذي يعبر عن تناقضات أفرع الإخوان، وما موقف إخوان اليمن وإخوان سوريا وما يمكن وصفه بالتنسيق أو الدعم السعودي لكليهما في الصراعات الدائرة في البلدين وما يمثله ذلك من تناقض مع الموقف السعودي العدائى تجاه الحركة الأم في مصر عنا ببعيد، في صورة أخرى تبدو علاقات حركة حماس (الإخوان المسلمين في فلسطين) بإيران وحزب الله وسابقًا بالنظام السوري تتعارض تمامًا مع ما يتبناه إخوان سوريا من عداء تاريخي تجاه النظام وتجاه مؤيدي النظام والمدافعين عنه حاليًا من إيران وحزب الله.
يتضح من لائحة الجماعة التي سبق إعلانها على الموقع الرسمي لها وجود ما يسمى التنظيم الدولي ويبدو ذلك في اقتصار تسمية “المرشد العام” على شخص واحد، بينما من يقود الإخوان في باقي الدول يطلق عليه “المراقب العام” أو غيرها من الصفات، كما تنص تلك اللائحة على وجوب اعتماد المرشد العام – بعد انتخاب إخوان مصر له – من خلال التنظيم الدولي وإن اُعتبر هذا الأمر تحصيل حاصل وﻻ يوجد معلومة إن كان هذا ما يتم فعلاً أم ﻻ، ومع وجود حالات سابقة لمبايعة مراقبي الإخوان في الدول لمرشد الإخوان المصري دائمًا، إلا أن الممارسة العملية للجماعة ترفع شعار “أهل مكة أدرى بشعابها” بما يعنى ترك الحرية لإخوان كل دولة في إقرار ما يناسبها من سياسات وتحالفات وآليات عمل، مع ملاحظة هامة وهي حالة الإنكار من إخوان كل دولة فيما يخص علاقتها التنظيمية بالحركة الأم أو أنها تتلقى منها التعليمات والأوامر؛ ما يجعل الأمر يبدو وكأنه مجرد تأثر بأفكار الإخوان خاصة الإمام المؤسس مع وجود علاقة روحية تجاه الجماعة الأم في مصر – تعبير الأستاذ عدنان سعد الدين المراقب العام الأسبق لإخوان سوريا -، ومع إعلان استقلالية تنظيمية وولاء ومرجعية تامة للدولة التي ينتمي إليها التنظيم، ما يجعلنا ندرك أن دور التنظيم العالمي يقتصر على درجة منخفضة من التنسيق بين فروع الإخوان وحل الخلافات الداخلية وصناعة صورة جيدة عن أفكار الجماعة في الإعلام العالمي، بعيدًا عن تلك الصورة المرسومة عن سيطرته على القرارات والمواقف المصيرية للحركة في أي من البلدان.
ملاحظة أخرى تبدو هامة وهي أن الصراعات الإقليمية المتشابكة حاليًا تغيب عنها نزعة الدولة القومية لصالح الأممية؛ فالتحالف السني الذي تقوده السعودية أو تحالف الثورات المضادة الذي تقوده الإمارات ﻻ يعبر عن دولة بذاتها بل عن مجموعة دول أو تيارات من دول مختلفة التقت على مجموعة من الأفكار والأهداف أو تكتلت ضد عدو مشترك وتتحرك في سبيل إنجاح مشروعها، وهو البُعد الذي كان غائبًا في مراحل سابقة سادت فيها نزعة القومية والدولة الوطنية، ربما اضطر هذا وقتها إخوان كل دولة للتعاطي مع تلك الحالة والانخراط فيها ، فهل يمكن أن يدرك الإخوان الآن أن الثورات التي ارتبط بها مصيرهم بحاجة إلى تحالف أممي حقيقي ومتماسك أكثر من أي مرحلة سابقة حتى لو على سبيل التنسيق والتحالف بين إخوان كل دولة!
وختامًا، نتساءل هل الأجدى لجماعة الإخوان تفعيل التنظيم الدولي وإظهار أثره أم إعلان حله طالما لا دور له؟
ﻻ يبدو السؤال سهلاً ، لأنه من ناحية سيكون من الصعب على شعوبنا العربية التعاطي مع تنظيم دولي متخطي للحدود، ﻻ تنبع قراراته من مصلحة وطنية قومية بل من مصلحة تنظيمية أو أممية فضلاً عن الأنظمة التي تحارب التنظيم قبل هذه الخطوة أصلاً، ومن ناحية أخرى سيتيح ذلك للتنظيم امتلاك أوراق ضغط في ظل صراعات إقليمية متشابكة تمكنه من أن يكون رقم هام وفاعل فيها، كما أن تفعيل التنظيم الدولي ربما سيكون رد الفعل المناسب تجاه التحالف العابر للحدود والساعي لإقصاء الإخوان عن المشهد في بلادنا العربية.