العد التنازلي لانتخابات السودان قد بدأ، ولم يتبق سوى سبعة عشر يومًا، وهي في الأصل انتخابات لرجل واحد، هو الرئيس الموجود منذ ربع قرن من الزمان، وهو المتحكم الوحيد في كل شيء في البلاد، وإن لم يكن كذلك فمن الذي خوله حتى يتخذ قرارًا خطيرًا وهو الانضمام إلى دول الخليج في قتالها للحوثيين في اليمن، وإذا كانت دول الخليج هي المتضرر من وصول الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بدعم من إيران، فماذا يضير السودان من هذه السياسة، وإن كنا نتفهم سعي أهل الخليج لحماية بلدانهم، فما الذي سيصيب نظام البشير؟
إن البشير بهرولته المشينة تجاه دول الخليج، إنما يحاول أن يستثمر لحماية نفسه وليضمن وصوله مرة أخرى ليستمر الدمار والفشل، إن هرولته هي استثمار خبيث حتى يحمي نفسه مما ينتظرالسودان من ويلات إن وصل لسدة الحكم، وحتى يضمن وقوف دول الخليج لجانبه إن قامت المعارضة بأي محاولة للوصول للحكم أو اتخذت المعارضة موقف البطولة والرجولة لإزاحة هذا الورم المسمى الإنقاذ، والآن هو يحاول يتعلق بقشة لتنقذه من مصيره، وكأنه يقول لدول الخليج سوف انضم إليكم بشرط أن تحموني وتدافعوا معي إذا حدث بعد الانتخابات ما لا يحمد عقباه.
وهرولة هذا الرئيس مفضوحة، فمن الذي خوله ومن الذي فوضه لهذه الموافقة والوقوف إلى جانب دول الخليج ضد الحوثيين في اليمن، والأكثر فضيحة وأكثر إكروباتية خطوة الرئيس بإغلاق جميع المراكز الثقافية الإيرانية أو ما يسمى بالممثليات الإيرانية في الخرطوم، إنها خطوة مفضوحة نحو الركوع لدول الخليج ليثبت لها أنه المطيع الجديد، وأنه سيسي جنوب الوادي، وأنه بحاجة للدعم المادي، مثل ما تم من دعم للسيسي.
هل ذهب الرئيس المتشدق بالديمقراطية والشفافية إلى أخذ رأي البرلمان في خطوته السيئة تلك، وهل ظهر أمام شعبه ليبلغهم أنه بصدد الوقوف إلى جانب دول الخليج وأنه يطلب التفويض منهم؟!
وسبحان الله من أولى بأن يحارب: هل الحوثيون الذين يريدون فرض إرادتهم بقوة السلاح على الشعب اليمني، أم هو البشير المتسلط فوق رقاب الناس منذ ربع قرن وقد انقلب على حكومة شرعية ورئيس منتخب؟! من أحق بالقتال والإزاحة؟! سبحان الله ربك يستدرج هؤلاء البشر من حيث لا يعلمون، لقد تم دعم السيسي ضد الشرعية بينما الآن يصرخون ضد من يريدون الانقلاب على الشرعية.
وإننا إذ نكتب عن هذا الاستثمار الرخيص للرئيس في وقوفه مع دول الخليج ضد الحوثيين، لا يعني أننا نقف في صف الحوثيين وما قاموا به من تحالف مع رئيس مخلوع لم تفلح الثورة في قطع دابره وإسكاته إلى الأبد، حتى لا تعود الحية لتنفث سمها الزعاف من جديد، إن الثورات غير الحازمة في مواقفها قد ولدت ما نراه من ضعاف النفوس، وممن حدثتهم أنفسهم أن أصعدوا إلى عربة الحكم، فالتاريخ لكم!
إن هرولة الرئيس للاستثمار الرخيص في الموقف اليمني، يجب أن تعطي المعارضة في السودان الإشارات القوية لهشاشة موقف الرئيس في الانتخابات وإحساسه بأنه ربما تفشل الانتخابات المفصلة على مقاسه هو ما جعله يستجدى دول المال، وعلى المعارضة تستجد لإزاحة من ظل على سرير الحكم، وهو يعاني “الكوما” لربع قرن من الزمان، لتمنع عنه أجهزة التنفس التي يسعى إليها.