في الأول من أبريل، أعاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما المساعدة العسكرية الأمريكية إلى مصر، فيما يعتبر تراجعًا مثيرًا للحكومة الأمريكية التي كانت قد سحبت المساعدة العسكرية بعد انقلاب 2013، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر.
وباستئناف تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية بات 1.3 مليار دولار الآن تحت تصرف نظام عبد الفتاح السيسي، وسوف تصبح طائرات مقاتلة من طراز إف 16، ودبابات من طراز أبرامز، وصواريخ هاربون تحت إمرة القوات المسلحة المصرية، وبذلك تصبح مصر ثاني أكبر متلقي للتمويل العسكري الأمريكي الأجنبي بعد إسرائيل.
ولعل في ذلك تجسيدًا للعودة إلى ما كانت عليه العلاقات الأمريكية المصرية على مر عقود مضت، حينما كانت الواقعية السياسية ترى دعم الحكام الأقوياء في الشرق الأوسط خدمة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تلاشى الآمال والتطلعات
يعكس إعلان الأسبوع الماضي التآكل التدريجي لأحلام الربيع العربي وتطلعاته، ليس فقط من خلال عودة جبابرة الاستبداد والمصالح الراسخة، وإنما أيضًا تواطؤ الدول الغربية، فبالنسبة للغرب الآن، كما يبدو، تتقدم الاهتمامات الأمنية الملحة، والمخاطر المحدقة من داعش إلى اليمن الآيل للسقوط، على الحرية والديمقراطية من حيث الاهتمام والأولوية، بينما لا مفر من مواجهة سرطان التطرف بشكل مباشر وحازم، إلا أن ثمة ما يثبت أن الدعم الضمني لنظام مستبد جديد في مصر إنما هو تضحية مقصودة من قِبل الولايات المتحدة، بينما تشاهد الشرق الأوسط يدخل أكثر الفصول تعقيدًا وخطورة في تاريخه المعاصر.
ما من شك أن استئناف المساعدة العسكرية يبدو أمرًا أكثر إثارة، أخذًا بالاعتبار درجة الانحراف في المسار بعيدًا عن الإصلاح، لقد وقع اختيار السيسي على أسوأ ما في عهد مبارك من تجاوزات، وذهب يمارسها بصورة بلغت من البشاعة حدًا لم يتوقعه حتى أكثر ناقديه حدة، وبينما حظي الاعتقال غير القانوني لصحفيي الجزيرة الثلاثة بأقصى درجات الاهتمام على مستوى العالم، إلا أن ذلك لم يمثل سوى جزءًا بسيطًا جدًا من الموجة السلطوية التي اجتاحت البلاد منذ انقلاب عام 2013.
باتت اليوم المظاهرات شبه مستحيلة، في أجواء يطبق السيسي خلالها على وسائل الإعلام بقبضة حديدية، حتى تلاشى فضاء النقد الحر تمامًا، وجرم كل المعارضين السياسيين والإسلاميين السلميين وتعرضوا للشيطنة والتشويه، والآن، وبفضل تعديلات تشريعية جديدة ستُعاقب بشدة المنظمات التي تتلقى أموالاً قد تؤدي إلى الإضرار بالمصلحة الوطنية، وما هي العقوبة؟ إنها السجن مدى الحياة؛ من الواضح أن القانون الجديد يهدف إلى قطع التمويل عن المنظمات غير الحكومية، حيث يدرك السيسي أن خنق المجتمع المدني أمر في غاية الحيوية إذا ما أراد أن يحكم قبضته على السلطة.
يثير بيع السلاح لمصر أسئلة أساسية حول الأغراض التي ستُستخدم من أجلها هذه الأسلحة، وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش قد تحدثت في تقرير لها عن قمع وحشي نال تجمعًا احتجاجيًا في القاهرة، فما كان من السلطات إلا أن حظرت دخول المنظمة إلى مصر بعد نشر التقرير، وفي سيناء، حيث يتنامى تمرد ضد الحكومة بات يقض مضاجع المسؤولين فيها، استخدمت الدبابات الواردة من أمريكا في قصف المباني المدنية.
إجازة الانقلاب
يصر أوباما على أنه لم يجز الانقلاب من خلال خطوته تلك، بينما قد يرضى البعض بالتصريحات التي تصدر على استحياء وتفيد بإجراء محادثات “صريحة ومباشرة”، إلا أن تغير اللهجة الأمريكية ينظر إليه من في القاهرة على أنه ختام حملتهم الإعلامية، تسير المحادثات بين الدبلوماسيين في الحجرات الخلفية على قدم وساق، ولكن لا يوجد ما يشير إلى إبرام علاقة صداقة راسخة مثل صفقة سلاح بمليارات الدولارات.
يجب على الأمريكيين أيضًا أن يسألوا أنفسهم ما الذي ينبغي أن يكون عليه دورهم في المنطقة، في سبتمبر 2014 وافقت روسيا على بيع ما قيمته 3.5 مليار دولار من الأسلحة لمصر، وفي فبراير توسطت مصر لإبرام صفقة سلاح إضافية بين روسيا وليبيا.
بقرار أمريكا اللهاث وراء نصيبها في الثروة الناجمة عن سباق التسلح، لا بد أن السيسي لا يكاد يصدق كم هو محظوظ، في أجواء بات يخشى فيها أن يؤدي انهيار الشرق الأوسط إلى انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى روسيا في عملية إغراق مصر بالمعدات العسكرية، بينما تتبدد الفرص باستمرار في إنجاز أي إصلاح سياسي، من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتندر غبطة بنفاق السياسة الأمريكية بينما تستمر أزمة أوكرانيا في جر ذيولها.
أما على المدى البعيد، فثمة مفارقة في المقاربة الأمريكية، وذلك أن استئناف المساعدة العسكرية الأمريكية يقوم على الخوف من حالة عدم الاستقرار المتفاقمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وترى وزارة الخارجية الأمريكية أن مصر إذا كانت قوية فإنها ستشكل درعًا واقيًا في مواجهة داعش التي يتسرب نفوذها إلى المنطقة، إلا أن غدرهم بآمال وتطلعات الربيع العربي – بما في ذلك تخليهم عن حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة ديمقراطيًا، وعمن معها من الإسلاميين المعتدلين – يعني أن ملايين المصريين الذين خُذولوا لم يعد لهم صوت.
وكلما زاد توحش نظام السيسي فإن ضحاياه ومن ينالهم قمعه سوف يلجأون مضطرين إلى الأطراف النائية من المشهد السياسي المصري، ينبغي على الولايات المتحدة إدراك أن مسالكها السياسية تسبب الإحباط وتثير الحنق لدى ملايين المصريين، الذين شهدوا بأعينهم كيف تم تجاهل نداءاتهم من أجل الحرية والكرامة داخل وطنهم وخارجه على حد سواء، وبينما تحتضن الولايات المتحدة مرة أخرى الديكتاتورية في مصر، فقد تجد أن أسلحتها لن تؤدي إلا إلى إذكاء مزيد من عدم الاستقرار ومن التطرف، بدلاً من أن تحد من غلوائهما.