مبادرة التقدم الاجتماعي، كما تعرف نفسها، هي مؤسسة عالمية غير ربحية تجمع عدة كفاءات من المستشارين والخبراء في مجالات متنوعة من عدة دول حول العالم، وهي تقوم ببحوث ودراسات في عدة مجالات لإصدار تقارير بهدف المساهمة في تغيير العالم نحو الأفضل.
وقد درجت هذه المؤسسة على إنتاج تقارير سنوية هي خلاصات دراسات متنوعة تسمح بترتيب تفاضلي لشعوب الأرض بحسب نسق تقدّمهاعلى مختلف الأصعدة التي تهم الذات البشرية .
مؤشر التقدم الاجتماعي لسنة 2015
بحسب التقرير، مكّن النمو الاقتصادي مئات الملايين من الناس من الخروج من حالة الفقر وساهم في تحسين حياة الكثيرين خلال الخمسين سنة الأخيرة، ولكن بات واضحًا اليوم أن برنامج تنمية مستند إلى التقدم الاقتصادي فقط هو برنامج منقوص، لأن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي، والمجتمع الذي يفشل في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية لمواطنيه وتمكينهم من النهوض بمستوى معيشتهم وحماية المحيط وتوفير الفرص المتكافئة للجميع لا يعدّ مجتمعًا ناجحًا.
كما أشار بأنه في أيامنا هذه يجب علينا أن نوسع من رؤيتنا لمفهوم النجاح ليشمل معايير أخرى بالإضافة للمكاسب الاقتصادية، لأن النمو الشامل يستوجب تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في آن واحد.
وفي الحقيقة يهدف تقرير مؤشر التقدم الاجتماعي للاستجابة لهذه الحاجة الملحّة لخلق معايير صلبة وشاملة لقياس أداء كل دولة في المجال الاجتماعي والبيئي يمكن اعتمادها من قِبل الزعماء والحكومات ورجال الأعمال ومكونات المجتمع المدني لتحقيق النجاح وتسريع نسق التقدم.
ويعد مؤشر التقدم الاجتماعي أول مرجع شامل لقياس مستوى التقدم الاجتماعي لا يعتمد فقط على إحصائيات الناتج المحلي الخام بل يكملها، وتطمح المؤسسة القائمة على إنتاج هذا التقرير السنوي إلى عالم يكون فيه التقدم الاجتماعي معيارًا مهمًا إلى جانب الناتج المحلي الخام في تقييم أداء الدولـ ويقدم التقرير أسسًا منهجية وواقعية لخلق مقاربة تنموية شاملة.
فقياس التقدم الاجتماعي يمكّننا من ترجمة المكاسب الاقتصادية إلى أداء اجتماعي وبيئي يمكّننا من تحقيق المزيد من التقدم الاقتصادي ومؤشر التقدم الاجتماعي يوفر طريقة ملموسة لصياغة برامج تركز عى التكامل بين الأداء الاجتماعي والاقتصادي.
منهجية صياغة مؤشر التقدم الاجتماعي
يرتكز مؤشر التقدم الاجتماعي على أربعة مبادئ:
– الاقتصار على المؤشرات الاجتماعية والبيئية: حيث إن الهدف هو قياس التقدم الاجتماعي مباشرة بقطع النظر عن المعطيات الاقتصادية التي يمكن أن تتسبب في مغالطة.
– النتائج وليس الأهداف: بمعنى أن المؤشر يدرس مثلاً الظروف الصحية التي يعيشها المواطنون فعليًا في بلد معين وليس الميزانية والأهداف التي ترصدها الدولة نظريًا في هذا القطاع.
– التقرير شامل ومفيد لكل الدول: يشمل التقرير عدة تفاصيل وجوانب تهم الحالة الاجتماعية والبيئية للدول، وقد ركزت عدة تقارير تمت صياغتها في الماضي على الدول الفقيرة فقط، ولكن أخذ الدول الغنية بعين الاعتبار يمكننا من فهم أفضل للعوامل التي تؤدي لتحقيق التقدم الاجتماعي، وتحليل نموذج من الدول الأغنى يقدم مثالاً يحتذى به للدول الأفقر.
– قابل للتنفيذ: يهدف التقرير إلى أن يكون أداة لمساعدة رجال السياسة والمال والمجتمع المدني لرسم سياسات وبرامج تسرع من وتيرة التقدم الاجتماعي. وهو يركز على جوانب اجتماعية يمكن التدخل لإصلاح الخلل فيها بطريقة آنية ومباشرة، ويتكون التقرير من 12 جزءًا و52 معيارًا.
وتعرف هذه المؤسسة التقدم الاجتماعي على أنه قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطنين وإرساء الدعامات الأساسية التي تمكّن الأفراد والمجموعات من الرقي بمستوى حياتهم بشكل مستدام، وخلق الظروف الملائمة للأفراد ليقدموا أفضل ما لديهم.
وتهتم الدراسة بثلاثة أبعاد للتقدم الاجتماعي وهي:
- الحاجيات الأساسية للإنسان: الماء والغذاء والسكن والأمان.
- الرفاه: التعليم والاتصالات والصحة والحفاظ على المحيط.
- توفر الفرص: الحقوق الفردية والحريات الشخصية والتسامح والتشاركية والولوج للتعليم المتطور.
وكل عنصر من هذه العناصر ينقسم إلى ثلاثة أو خمسة معايير، وهذه المعايير تم اختيارها لأنها قابلة للقياس والتثبت بطريقة واضحة في كل الدول التي يشملها التقرير.
ويهدف هذا العمل إلى رسم صورة شاملة للعوامل المتداخلة التي ثبت أنه يقوم عليها التقدم الاجتماعي.
الدول العربية رغم تخلفها لا تتقدم
يشمل تقرير سنة 2015، 133 بلد تغطي 94 بالمائة من سكان الأرض، وهو يبرز تفاوتًا كبيرًا بين مختلف الدول في مظاهر التقدم الاجتماعي.
ويتم ترتيب 133 دولة من الأكثر تقدمًا اجتماعيًا للأقل، يتم فيما بعد تقسيمها لست مجموعات من المتقدمة جدًا للمتأخرة جدًا في مجال التقدم الاجتماعي.
وقد احتلت المراتب الخمس الأولى عالميًا كلاً من النرويج والسويد وسويسرا وأيسلندا وأيزيلاندا الجديدة، في حين آلت المرتبة الأولى عربيًا للإمارات (39 عالميًا) تلتها الكويت (47 عالميًا) فتونس (67 عالميًا) ثم السعودية (69 عالميًا) وكانت المرتبة الخامسة عربيًا للأردن (74 عالميًا)، وقد تذيّلت اليمن الترتيب العربي (128) في حين صنفت أفريقيا الوسطى كأفشل دولة في تحقيق حاجيات مواطنيها وكصاحبة أضعف نسق نمو في العالم.
وقد حافظ المغرب على المرتبة 91 من أصل 133 دولة، في ترتيب مؤشر التقدم الاجتماعي لسنة 2015، الذي تصدره مؤسسة “سوشيال بروغرس” الأمريكية غير الربحية، متبوعًا بالجزائر في المرتبة 85، تليها تونس في المرتبة 67.
وحسب التقرير، فقد سجل المغرب تقدمًا جيدًا على مستوى التغذية، والرعاية الطبية الأساسية، مع توفره على إمكانية كبيرة لتحسين الأداء في مجال الماء والصرف الصحي أيضًا.
أما فيما يخص أسس الرفاهية، فقد حصل المغرب على نقطة 64.14 على 100، أما فيما يخص تلبية الحاجات الأساسية للأفراد والتعليم المتقدم والرعاية الصحية فحصل على نقطة 59.56 من 100، بينما تذيل الترتيب فيما يتعلق بالحريات السياسية والدينية، ومواجهة شبح العطش.
عادة، يحتاج المتأخر أن يبذل جهدًا مضاعفًا للالتحاق بركب الأمم المتقدمة، إلا أن دراسات كهذه تثبت أن غياب السياسات الواضحة التي تنشد الارتقاء بمجتمعاتنا العربية الغارقة في صراعات بعناوين مغلوطة لا يمكن أن يغير كثيرًا في تفاصيل المشهد العربي البائس.