ربما سيذكرك الاسم بكل شيء إلا بما سآتي على ذكره في تدوينتي الأولى عن أفغانستان مذ قررت سبر غوره قبل عام ونصف، ولقد اخترت أن تكون مدينتي الأولى هي قندهار، وقد يعرف العرب عنها كونها فقط مدينة الحرب، الموت والفقر، أهلها أتعس سكان هذا الكوكب وتاريخها غير حاضر لأن حاضرها يدخل التاريخ ممرغًا بالبارود والدم، هذا ما كنتُ أعتقده كذلك إلا أن قليلاً من البحث أثبت لي كم أخطأت في حق مملكة الآنار، قندهار.
هي إسكندرية آرقوسيا؛ تيمنًا بالإسكندر الأكبر الذي احتاج 3 سنوات ليتمكنّ من احتلال أفغانستان فيما تطلبه دخول إيران 6 أشهر وحسب، فأسسها سنة 329 قبل الميلاد، قبل أن تسمى قندهار اشتقاقًا من مقطعين؛ فكلمة “قند” مرتبطة بالسكاكر،إذ إنه مرادفها في كل من الفارسية والبشتونية، أما الشطر الثاني “هار”، فهو للإشارة إلى منطقة، ما يجعل اسمها ككل “منطقة السكاكر” أو “مدينة السكاكر”، ويُقصد بالسكاكر هُنا الفواكه المجففة التي اعتاد الأفغان تناولها يوميًا لتكسبهم الطاقة على تحمل العمل المضني، وهي ثاني أكبر مدن أفغانستان.
قندهار حاضرة الثقافة البشتونية، وحاملة إرثها الكبير كما وكانت مركز سيطرة القبائل البشتونية الأفغانية المحاربة على مدار 200 عام مضت، وهي مركز تجارة هام للقطن، الحرير، الفاكهة المجففة والتوباغو، ولو سألتني عمّا يميز قندهار، لقلت الرمّان وقطوف العنب الدانيات، قندهار هي مملكة الرمّان إلا أنها في الوقت نفسه عانت زراعة الحشيش وانتشاره الكثيف فيها كما ويرجح كونها المنبت الأصلي لعشبة القنب المخدرة.
لقندهار مطارها الدوليّ، وشبكة طرق موسعة مع مدينة هيرات إلى الغرب من البلاد، غزني وكابل إلى الشمال، كويتا إلى الجنوب بمحاذاة بلوشستان، وتعتبر المنطقة المحيطة بهذه المدينة من أقدم مواطئ الاستيطان البشري في التاريخ؛ فقد أسس فيها الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد ما يُعرف اليوم بقندهار العتيقة، واهبًا إياها اسم “إسكندرية آرقوسيا” من بين سبع مدن أخرى سميت تيمنًا به في البلاد التي دخلها، فضلاً عن حروب طاحنة خاضتها إمبراطوريات عظمى للسيطرة على المدينة عبر التاريخ بسبب قيمتها الإستراتيجية بوصفها معبرًا هامًا للتجارة؛ ففي العام 1709 سينطلق سليل قبائل الهوتاك البشتونية المحاربة، ميرواس هوتاك، لتحرير أفغانستان من أيدي الصفويين ويعلن قندهار عاصمة للبلاد، لينطلق بعدها ابنه نحو أصفهان ويسيطر على 80% من إيران الحالية منصبًا نفسه الشاه الجديد عليها، وقد أتى ابن بطوطة على ذكر المدينة في القرن الرابع عشر واصفًا إياها بالمدينة الكبيرة والمزدهرة بعد رحلة ثلاثة أيام قدِمَ فيها من غزِني لتظهر لاحقًا بشكل أكبر في مراسلات الإمبراطورية المغولية، هذا وفضلاً عن احتوائها متحف قندهار التاريخي وقبر أحمد شاه دوراني.
وأحمد شاه دوراني لمن لا يعرفه، أمير بشتوني أفغاني أذل الإنجليز حين حاولت بريطانيا بالتعاون مع الهند احتلال أفغانستان، فقتل الأفغان على يديه 16.500 جندي بريطاني، منهم من انتحر بسبب الخوف من مصير رفاقهم ومنهم من كان ضمن 2000 جندي سباهم الأفغان وباعوهم في الأسواق مطلع القرن الثامن عشر.
لم يتوفر لي الكثير عن قندهار لأدلي به هنا، إلا أنني ومع رحلة سنة ونصف في أفغانستان وبلدان وسط أسيا، عازمة على توفير المزيد من المواد عنها بالعربية.