أربعة أحكام بالإعدام على مرشد جماعة الإخوان المسلمين، أستاذ الطب البيطري بجامعة بني سويف، محمد بديع، منذ بدء محاكمته عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي، وقدمه للمحاكمة هو الآخر، حيث تزج به السلطات في كل شاردة وواردة تريد أن تتهم بها السلطات الجماعة بصفته رمز داخل الجماعة، وبالتأكيد سيكون معبرًا عما يريد النظام فعله بالجماعة وبقية أعضائها.
صدر منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 في مصر، أحكام بالإعدام على 1522 من معارضي النظام الجديد أغلبهم من المنتمين لجماعة الإخوان، منها 15 تم تأكيدها ونُفذ حكم واحد فقط بحق محمود رمضان غير المنتمي لجماعة الإخوان، والذي اعتبر رسالة من النظام للجماعة كإعلان عن بدء قص الشريط لمرحلة الإعدام في هذا الانقلاب.
أكدت الإعدامات الأخيرة التي صدرت أمس، السبت، بحق 14 من قادة الإخوان بما فيهم مرشد الجماعة، أن النظام مستمر في لهجته التصعيدية وأن أهدافه ليست كما يردد البعض منحسرة في شل قدرة الجماعة عن الفعل وسياسة تجفيف المنابع، بل تشير إلى اتباع النظام سياسة الاستئصال، بحيث أنه وضع شعار “مصر بلا إخوان مسلمين قريبًا”.
الحديث ليس عن صعوبة هذا أو مدى إمكانية تحقيق هذا الهدف، لكن كل الدلائل تشير إلى مضي الجنرال السيسي ونظامه الجديد في هذ الاتجاه، رغم أن الحليف الإقليمي السعودي لا يرى ضرورة لهذا الأمر في هذا التوقيت الإقليمي الحرج، وهو ما تحدثت عنه وسائل إعلامية بوصفه مبادرة لحل الأزمة في مصر برعاية سعودية، خاصة بعد لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرياض، وحديث البعض عن اتفاق في الرؤى حول ضرورة إنهاء الأزمة بين جماعة الإخوان ونظام السيسي بتسوية ما، لكن لم يتم تحديد ماهيتها.
مصادر داخل جماعة الإخوان المسلمين أكدت أنه ليست هناك أية عروض جدية للمصالحة، وأن كل ما يروج في وسائل الإعلام هي تسريبات مخابراتية ليس لها أساس من الصحة، في إطار شن حرب نفسية على الجبهة الداخلية، كما أكدت المصادر أن المبادرات الشخصية التي حملها البعض ليست إلا مبادرات شخصية لا تملك أي وسائل لفرضها على الواقع.
النظام أدخل القضاء في دائرة الصراع وبدأ في استخدامه لتصفية الإخوان ويتحين الفرصة لتنفيذ هذه الأحكام، ويمكن أن تنهار أسطورة استخدام هذه الأحكام للضغط على الإخوان للجلوس على طاولة المفاوضات مع أول حكم سينفذ في القيادات، لكن يبدو وأن السيسي يحسب حساباته لهذه الخطوة غير الهينة بالمرة، لأن الإعلان عن بدء مرحلة جديدة من الصراع سيكون من جانبه ويجب إعداد العدة له.
أحكام الإعدام في مصر بلغت حتى نهاية 2014 عدد 509 حكم، كما أن 194 من المعارضين للنظام الحالي، حصلوا على أحكام بالإعدام (ليست نهائية)، خلال الربع الأول من العام الحالي، وجاء الحكم بإعدام 14 في قضية أمس ليؤكد أن النظام ماضِ في هذا النهج، الأمر لا يقتصر على التصفية بالإعدامات، فإجمالي عدد سنوات السجن التي صدرت بحق معارضين مصريين تجاوز 11 ألف و696 سنة و6 أشهر، وهو رقم مبالغ فيه ينم عن رغبة انتقامية، وفيما يتعلق بالعقوبات المالية، قُدر مجموع الغرامات التي حكم بها خلال الثلاثة أشهر الماضية فقط، بـ 11 مليون و114 ألف و276 دولار، هذا غير الكفالات القانونية التي يسددها المعتقلون ليتم إخلاء سبيلهم على ذمة قضاياهم، والتي باتت أرقامًا فلكية تعد مصدرًا من مصادر دخل الدولة الآن.
فكرة أن السيسي يضغط على جماعة الإخوان بهذا التعامل للتصالح والتفاوض لم تعد تمتلك من الدلائل الواقعية الكثير، فماذا لدى الإخوان ليقدموه ليتم الضغط به على نظام السيسي إلى هذا الحد حتى يدخل في مصالحة معهم؟ وإلى أي مدى يمثل الإخوان عقبة فعلية أمام السيسي ليتم الحديث عن مصالحة؟ فالواقع يشير إلى أن الرجل ليست لديه أي أزمة موجعة الآن بسبب جماعة الإخوان، والواقع أيضًا يشير إلى أن سياسات النظام الجديد أكثر فتًا في عضد النظام من تظاهرات الإخوان وآلياتهم الاحتجاجية المتبعة، التي ربما تشكل صداعًا في رأس النظام لكن يسهل التعايش معها بالمسكنات الأمنية.
الدولة المصرية لم تعد تجدي معها أي نداءات دولية بشأن ملف حقوق الإنسان خاصة في تعاملها مع معتقلي الإخوان المسلمين، لأن الأمر لم يأخذ شكل الجدية مطلقًا في أي مطالبات تخص هذا الملف، لذا أمعنت الدولة في تقييد الحريات؛ فقضية غرفة عمليات رابعة وحدها تضم عدة صحافيين معارضين لا يتحدث العالم عنهم ولا عن حرية الصحافة في عهد السيسي لذلك لا يلق السيسي أو نظامه بالاً لهذا الأمر، كما أن القضية نفسها بها أطول مضرب عن الطعام في التاريخ وهو محمد سلطان، نجل القيادي بجماعة الإخوان المحكوم عليه بالإعدام في نفس القضية صلاح سلطان، ورغم ضغط منظمات حقوقية دولية عدة بشأن الإفراج عنه إلا أن النظام لم يعر ذلك اهتمامًا.
في نفس القضية يعلن النظام أنه لا تصالح مهما كلفه الثمن، فقد حُكم بالإعدام على الشاب عمر مالك، نجل القيادي بالإخوان حسن مالك، وربما تكون رسالة واضحة موجهة من النظام إلى شباب الإخوان المسلمين، أنهم ربما يدخلوا إلى دائرة الإعدامات أثناء عملية تصفية النظام للجماعة وأن أحكام الإعدام لن تقتصر على القياديين فقط.
الحديث من قِبل قيادات من الإخوان عن رفضهم التام للمصالحة، يجب الآن أن ينتقل إلى الإعلان عن رفض النظام التام للمصالحة بإجراءات تصعيدية انتقامية، وأن أمر إجبار النظام على أن يفرج عن المعتقلين السياسيين باتت شاقه إقليميًا؛ فتركيا تحاول في هذا الأمر وربما السعودية أيضًا ولكن النظام المصري الآن أو أجنحة محددة فيه ترفض فكرة التصالح أو التفاوض مع الإخوان من الأساس، طالما يرون أنفسهم في موقف قوة، بل يجب أيضًا البحث في ما يجبر النظام على التصالح إن أراد الإخوان ذلك.