عارض النظام تَمُتْ وإن كنت على فراشك، أصبح شعارالسلطات المصرية مؤخرًا مع تزايد نهجها القمعي المستخدم ضد معارضيها، ورغم أن المصير الذي قضت به الشرطة المصرية على المعارضين واحد إلا أنه متعدد الوسائل والطرق، فما بين معارضين يُقتلون بأحكام القضاء بإحالتهم للإعدام، وآخرين بالإهمال الطبي في السجون وأماكن الاحتجاز، أو ربما الاختطاف الذي يليه القتل لإظهار رجال الشرطة كأبطال قاموا بقتل “إرهابيين”، وربما كذلك تكون طريقة القتل بالتعذيب الممنهج داخل السجون، ولا يخفى عنا القتل أثناء المشاركة في التظاهرات المطالبة بإسقاط الحكم العسكري طيلة أكثر من عام ونصف، وكذا يمكنك أن تلقى حتفك وأنت على فراشك، لكن برصاص قوات الأمن.
التظاهرات حيث يُشبع النظام شهوته في القتل
حسب إحصائية أجراها موقع “ويكي ثورة” فإن عدد القتلى أثناء المشاركة في التظاهرات في أول 7 شهور من الانقلاب العسكري، تجاوز الـ 2927 قتيل كان من بينهم 11 صحفيًا، و164 من الأطفال، فيما وصلت حالات قتل السيدات إلى 72 سيدة، وكذلك من شريحة الطلاب وقع منها نحو 299 قتيل.
بالطبع في وقائع القتل تلك لا يُدان ضباط الشرطة مطلقًا، فالقضاء بدوره متسترٌ على ما تقوم به قوات الأمن، فواقعة مقتل الناشطة اليسارية “شيماء الصباغ” ليست ببعيدة، بعدما ألقى الطب الشرعي اللوم في مقتلها على نحافتها الزائدة، مبررًا جريمة رجال الشرطة أنهم كانوا يفضون التظاهرة التي خرج بها التحالف الشعبي الاشتراكي في ذكرى يناير الرابعة بـ “خرطوش خفيف لا يؤدي إلى الموت”.
بل أحيانًا يتم اتهام المعارضين أنفسهم بعمليات القتل، كما في واقعة اعتقال 14 طالبًا بجامعة الإسكندرية في أكتوبر الماضي، بتهمة قتل زميلهم “عمر الشريف” الذي اُستشهد برصاص قوات الشرطة أثناء اقتحامها الحرم الجامعي لكلية الهندسة، وكذا واقعة مقتل الصحفية “ميادة أشرف” أثناء تغطيتها تظاهرة في المطرية أواخر مارس من العام الماضي، والتي أُحيل على إثرها 48 من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بينهم 35 معتقلاً إلى المحاكمة لاتهامهم بقتلها، رغم تأكيد زميلة لها كانت معها أثناء قتلها أن من أطلق الرصاص عليها هم رجال الشرطة أثناء فضهم التظاهرة، ويطول الحديث في مثل تلك الجرائم التي قام ومازال يقوم بها جهاز الشرطة المصري، في ظل تستر قضائي وإعلامي فاضح.
القضاء قاتل مأجور
في 7 مارس الماضي ارتسمت أولى خطوات مشاركة القضاء في قتل المعارضين بشكلٍ عملي بحق كل من صدرت ضدهم أحكام بالإعدام، وذلك بعد قيام قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية المصرية بإعدام الشاب “محمود حسن رمضان” شنقًا، رغم ثبوت ما تم من عمليات تعديل ومنتجة على الفيديوهات التي تمت إدانته بها، في تهم إلقاء الأطفال من أعلى عقار في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وكذلك التأكد من كون الطفل المتهم رمضان في قتله على قيد الحياة، مع منع المحكمة شهود النفي من الإدلاء بشهاداتهم في جلسات المحاكمة، وتهديد أعضاء هيئة الدفاع عنه وباقي المتهمين في القضية والبالغ عددهم 157 شخص، حكم على 58 منهم أحكامًا ما بين السجن المؤبد والسجن من 5 إلى 15 سنة مع الشغل.
فيما يزال القلق يعتري أسر الـ 6 معتقلين المتهمين في قضية “عرب شركس” من سماعهم تنفيذ حكم الإعدام بحق ذويهم في أي لحظة، خاصةً بعد التصديق على الحكم الصادر بتأكيد الإعدام في 24 مارس الماضي، والذي أصدرته المحكمة العسكرية في “الهايكتسب” بحق 9 من معارضي السلطات، بالإعدام لـ 7، والمؤبد لآخرَيّنِ، في أغسطس من العام الماضي وتصديق مفتي الجمهورية عليه بعد شهرين من تاريخ صدوره؛ ما سيوقع جريمة قتل جديدة لمعارضي النظام ولكن بنكهة القانون هذه المرة.
هذا وينتظر ما يتجاوز الألف محكوم عليهم بالإعدام أن يلاقوا نفس المصير، حيث صدر أول حكم إعدام على خلفية قضايا سياسية في عهد الحكم العسكري في 19 مارس من العام 2014 بحق 26 مواطنًا في قضية “خلية الزيتون” من محكمة جنايات القاهرة لاتهامهم باستهداف المجرى الملاحي لقناة السويس.
تلاه حكمًا آخر من محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 529 مواطن للمفتي في قضية اقتحام قسم الشرطة في مدينتي سمالوط ومطاي بمحافظة المنيا، بعد 5 أيام فقط من صدور حكم الإعدام السياسي الأول، وكأن السلطات المصرية استساغت أمر القتل حينما يخرج من على منصة القضاء، وبعد رفض المفتي قرار الإعدام الجماعي، خفف الحكم ليطال 37 شخصًا فقط والسجن المؤبد لـ 492، وفي ذلك ترى السلطات أن العدد الأول كان مبالغًا فيه بينما إزهاق أرواح 37 ربما يكون مقبولاً، وفي ذات اليوم الذي خففت فيه المحكمة الحكم أحالت 683 شخص آخرين للإعدام في أحداث عنف بالمنيا، أواخر أبريل، أُكد بعد ذلك على 188 بعد أقل من شهرين، في سوابق تاريخية لحوادث الإعدام الجماعي لم تحدث منذ محاكم التفتيش.
الأمر لم يعد مستهجنًا فأغرى محكمة جنايات شبرا لتسلكه، فقضت بإعدام 10 أشخاص في قضية قطع طريق قليوب، وفي السادس من أغسطس صدر حكم آخرمن جنايات الجيزة بإعدام 12 شخصًا تأكيدًا لحكمها الأول الصادر بتاريخ 18 يونيو، قبل استشارة المفتي في واقعة قتل اللواء نبيل فراج.
عدد آخر قررته محكمة جنايات الجيزة ليسجل في كشوف إعدامات السلطة حين قضت بإعدام 6 من قيادات الإخوان في قضية “أحداث مسجد الاستقامة”، في نهاية أغسطس الماضي، ثم خرج بعدها حكمًا آخرًا بإعدام 7 آخرين أصدرته محكمة جنايات القاهرة في 6 ديسمبر الماضي في قضية أحداث رفح الثانية، ليحكم في اليوم التالي بإعدام 4 آخرين في قضية مكتب الإرشاد ليتضح أن الأمر ليس بالصعوبة بمكان لدى النظام.
وأتى كذلك عام 2015 بإحالة المئات إلى المفتي تمهيدًا لإعدامهم، ففي 2 فبراير أحالت جنايات الجيزة 183 بينهم سيدة للمفتي في أحداث كرداسة، وفي 16 مارس ومع تولي وزير الداخلية مجدي عبدالغفار، أحالت جنايات المنصورة 8 أشخاص للمفتي في تهمة تفجير مديرية أمن الدقهلية، وأحالت جنايات القاهرة في ذات اليوم 14 من قيادات الإخوان وأبنائهم للإعدام في غرفة عمليات رابعة، وبعد يومين فقط أحيل 22 آخرين للمفتي في قضية اقتحام مركز شرطة كرداسة، وأُحيل 5 آخرين في ذات القضية مطلع أبريل الجاري إلى المفتي تمهيدًا لتلقي نفس المصير.
يتضح لنا من سرد كل ما سبق أن القضاء في مصر سيستمر في إصدار تلك الأحكام بالقتل تحت ستار القانون، ورغم أن أحكام القتل لاتزال على الورق فقط حتى الآن، ما عدا أول جريمة قتل لمحمود رمضان إلا أن النظام يستخدم أسلوبًا أقل ما يقال عنه إنه إمعان في الاستهانة بالأرواح وجعلها محل مقايضة سياسية لإجبار الخصوم على تسوية ما، فكلما أراد النظام الضغط أكثر لجأ إلى تفعيل أحكام القتل في ثوب إعدامات قضائية.
حينما تقتل تحت التعذيب
سُجلت أكثر من 200 حالة قتل داخل أماكن الاحتجاز منذ الثالث من يوليو 2013، كان أشهرها مع بداية الانقلاب حادثة مقتل 37 شخصًا في سيارة ترحيلات أبو زعبل اختناقًا بالغاز، بعد 4 أيام فقط من اعتقالهم أثناء فض ميدان رابعة العدوية، تلتها موجات اعتقالات بالمحافظات، طالت الآلاف من المعارضين مع توارد العديد من حالات التعذيب، والتي أعادت للشرطة مجدها القمعي الذي لايزال يداعب خيالها المريض.
كذلك تعذيب المحامي، كريم حمدي، حتى الموت على يد رجال الشرطة في قسم المطرية بالقاهرة، أواخر فبراير الماضي، حيث نُشرت صورًا له تظهر آثار التعذيب بوضوح على جسده، وشهد القسم ذاته 3 حالات قتل بالتعذيب خلال يومين فقط بينهم المحامي، وأخرى لطالب جامعي يدعى مصطفى إبراهيم، تعرض للصعق بالكهرباء والتعليق في السقف لـ 8 ساعات متواصلة، حسب رواية أسرته، ليصاب بنزيف حاد مات على إثره، وثالث يدعى عماد أحمد العطار، ظل يُعذب بشكل يومي طيلة شهر من اعتقاله ليلقي نفس المصير، القسم تحول إلى عهد الستينات حين تتذكر روايات السجن الحربي، حيث يشهد القسم تعذيب بشكل يومي للمعتقلين فيه، ومرشح لنيل جائزة النظام لأكثر الأقسام قتلاً عبر التعذيب، الأمر لم يختلف في سجون العقرب، الأبعادية، أبوزعبل، سجن برج العرب، مديرية أمن الأسكندرية، شبين الكوم، معسكر الكيلو 10.5، أقسام شرطة ميت سلسيل، جمصة، ومحلة الدمنة بالدقهلية؛ التي تشهد حالات تعذيب شديدة للمعتقلين، أوقعت العشرات من المعتقلين في عداد القتلى، كطريقة أخرى يستخدمها هذا النظام للتخلص من معارضيه.
لن نعطيك الدواء حتى تموت
الإهمال الطبي هو الآخر أصبح وسيلة من وسائل تصفية المعارضين، وتشهد على ذلك حالة المعتقل، خالد سعيد، الذي مات في سجن بني سويف المركزي أواخر مارس الماضي، بعد إصابته بنزيف حاد في الكبد ظل يعاني منه طيلة أسبوع، في ظل تضييق إدارة السجن في إدخال الدواء له أو توفير رعاية صحية، رغم إصابته بأمراض في الكبد والطحال وفيروس سي، وكذلك حالة الدكتور طارق الغندور الذي كان يعاني من مرض الكبد ومات في سجن شبين الكوم بالمنوفية مطلع فبراير الماضي، وأيضًا حالة زكي أبو المجد الذي كان مصابًا بالسكري وتُرك ليصارع المرض وحده فانهزم ومات دون دوائه، وأبو بكر القاضي الذي عانى من مرض السرطان، وغيرهم العشرات الذين ماتوا بذات الطريقة من منع دخول الأدوية لهم مع التضييق في نقلهم إلى مستشفيات، وعدم توفر الإمكانات المناسبة للعلاج داخل مقرات احتجازهم، فيما ينتظر أكثر من 5000 معتقل مريض أن يلاقوا نفس المصير ليس بذنب سوى أنهم معارضون، وبالطبع لن تفتح لهم مستشفى المعادي العسكري أو المركز الطبي العالمي للعلاج لأن اسمهم ليس محمد حسني مبارك.
الشرطة تعتقل وتصدر أحكامًا بالقتل الفوري
ربما أرادت وزارة الداخلية أن تُمنح سلطة قضائية لتوفر على الدولة الإرهاق في محاكمات ستأتي بنفس النتيجة وهي القتل، فراحت تختطف المعارضين وتقتلهم، ولن يبحث أحد وراءها إذا ادعت أنهم من أعداء الوطن، كواقعة اختطاف 3 طلاب عقب مشاركتهم في فاعلية معارضة للسلطة في الشرقية، وإطلاق الرصاص الحي عليهم قبل تفجير قنبلة فيهم لمحاولة اتهامهم بالضلوع في عمليات إرهابية وتفجيرية، رغم أنهم كانوا معتقلين برفقة رجال الشرطة، فأسفر ذلك الحدث الواقع نهاية مارس الماضي عن تفحم الطالبين “صهيب عبد الكريم – 19 عامًا”، و”جهاد أحمد – 24 عامًا”، وإصابة “محمد حمد الله” إصابات خطرة أردته طريح فراش المشفى عدة أيام قبل أن يلحق بزميليه.
وأيضًا واقعة اختطاف، محمد سعيد أحمد سالم، 35 عامًا، بعد تعقبه من قِبل رجال الشرطة لمشاركته في مسيرة بالمنوفية، ليتم اختطافه وإطلاق الرصاص الحي عليه بتوصية من رئيس مباحث المنوفية ليلقي حتفه في الحال، ويتم اتهامه بعد ذلك بالشروع في قتل ضابط شرطة، فتحول بهذا رجال الشرطة المصرية إلى قضاة يحملون أسلحة لتنفيذ أحكامهم بالقتل دون الحاجة إلى ضجيج المحاكم المزعج.
ستُقتل ولو كنت في منزلك
السلطات المصرية لم تترك طريقًا لتصفية معارضيها إلا وسلكته، حتى إنها باتت تذهب إلى المواطنين في منازلهم لتقتلهم، كما حدث للمواطن، السيد محمد الشعراوي، 42 عامًا، من اقتحام منزله بقرية ناهيا بمحافظة الجيزة، مطلع مارس الماضي، وإطلاق نحو 13 رصاصة حية عليه أمام زوجته وأبنائه الأربعة، ليلقي حتفه مباشرةً ويتم اختطاف جثمانه لإجبار أسرته بعد ذلك على التوقيع بانتحاره، وبعد أسبوع تكرر نفس الحادث بمداهمة منزل أحمد جبر، في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية، وإطلاق الرصاص الحي عليه مباشرة أمام طفليه، واختطافه غارقًا في الدماء بين الحياة والموت.
أوصلت بذلك السلطات المصرية رسالة إلى كل معارضيها مفادها “عارض .. تُقتل”، ستُقتل حال تعبيرك عن رأيك في تظاهرة سلمية، ستُقتل أيضًا أثناء اعتقالك أو بعده، ستُقتل ونلفق لك التهم بعد قتلك، ربما أيضًا تُقتل داخل المعتقل من كثرة التعذيب، أو تُقتل لأننا لن نسمح لك بتلقي العلاج لأمراضك التي ربما تصاب بها داخل مكان اعتقالك، وإن أفلتت من الموت في كل ذلك سنقتلك بالقانون، سنقتلك نفسيًا مئات المرات قبل أن نقوم بإعدامك في إطار قانوني وقضائي كامل، أو إننا سنقوم بقتلك في منزلك وبين أهلك وزوجك وأولادك، نحن السلطة لن نتركك تحيا أبدًا .. سنقتلك أينما كنت .. فقط عليك أن تعارض.