أعلنت مجموعة مسلحة في شرق ليبيا بالتحديد في مدينة “درنة” أواخر أكتوبر 2014 انشقاقهم عن كتائب ثوار ليبيا ومبايعتهم لأبوبكر البغدادي زعيم “تنظيم الدولة” المسمى بالخليفة، خرجت المجموعة في موكب بوسط مدينة درنة، حيث تم تغطيته إعلاميًا ونشر صوره، معلنين بذلك ولائهم لتنظيم الدولة المعروف إعلاميًا باسم “داعش”.
كانت هذه بداية الحديث عما يسمى ولاية ليبيا التابعة للدولة الإسلامية، حيث أخذت عناصر تابعة لهم بتبني عمليات عسكرية في مختلف أنحاء ليبيا، من غير أن يعرف أحد حقيقة تواجد التنظيم على الأرض ومدى قوته وتأثيره في الصراع المحتدم في ليبيا.
بعد ذبح 21 مصري مسيحي على يد مسلحين قالوا بأنهم ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية، يظهر اسم داعش مرة أخرى في ليبيا، ليقوم المؤتمر الوطني باستنكار هذه “الجريمة” كما سماها، بعدما اتُهمت قوات فجر ليبيا الداعمة للمؤتمر الوطني بدعم داعش في ليبيا، حتى أرسل المؤتمر قوات تابعة لرئاسة أركانه لبسط سيطرتهم على مدينة سرت التي يقال أن عناصر منتمية لتنظيم الدولة في ليبيا سيطروا عليها.
السفير الليبي في الإمارات، عارف النايض، يتحدث عن تنامي خطر تنظيم الدولة “داعش”، في ليبيا، وتغلغله في عدة مدن الذي أصبح واضحًا جليًا، من خلال الرصد لعناصره داخل الدولة الليبية، ومع ذلك لم يؤخذ حديث السفير الليبي كله على محمل الدقة لأن الأمر قد يكون نابعًا من كونه من الموالين لبرلمان طبرق الذي يصف معارضيه المسلحين بالإرهاب، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة المليشيات المسلحة في ليبيا في الآونة الأخيرة لكن ليس من الحتمية أن تكون موالية لتنظيم الدولة، والإدارة الأمريكية قالت أن تصريحات السفير الليبي قد يشوبها نوع من التهويل وأن بالفعل هناك معلومات بتواجد التنظيم لكن ليس متوفرًا مدى خطورته على الأرض بالتحديد.
أكبر العمليات التي تبناها التنظيم في ليبيا كانت تفجير فندق كورنيثيا بقلب العاصمة الليبية طرابلس بسبب تواجد بعثات دبلوماسية أجنبية مقيمة فيه، ثم كانت الحادثة التي لفتت الأنظار للتنظيم بقوة ذبح 21 عاملًا مصريًا في ليبيا، ليأتي بعدها ردٌ عسكري مصري بضربات جوية داخل ليبيا بذريعة قصف معسكرات لداعش، ما دعى الباحثين إلى تقييم مدى قوة هذا التنظيم في ليبيا الذي يتخذه الجميع فزاعة لأغراض سياسية أخرى.
الإدارة الأمريكية تؤكد أنها على علم بإنشاء معسكرات تدريبية لتنظيم الدولة في ليبيا، لكن لم يتحدث الأمريكان عن أعداد عناصر التنظيم ولا مدى سيطرتهم على الأرض في ليبيا، وفي الوقت نفسه، قالت تقارير إخبارية أجنبية إن سكانًا محليين وأعضاء سابقين في كتيبة البتار، التي تعمل في سوريا، قد شكلت فرعًا لها في ليبيا تابعًا لتنظيم الدولة.
الاستخبارات الأمريكية تصدر تقاريرًا عن الوضع في ليبيا كلها تؤكد أن للتنظيم تأثير إعلامي دون أن يكون له ظهير قوي على الأرض في ليبيا، لكن كل هذا يطرح تساؤلًا إلى أي مدى ستظل ليبيا مستعصية على التنظيم؟!
تنظيم الدولة قسم ليبيا إلى ثلاث ولايات، الأولى ولاية برقة، والثانية ولاية طرابلس، والثالثة ولاية فزان، ولكن سكان محليون يؤكدن أن عناصر التنظيم لا يظهرون في المدن بشكل دائم لعدم شعورهم بالأمان أو بوجود حاضنة شعبية كافية.
عدد المنتمين لتنظيم الدولة في ليبيا غير واضح حتى الآن، ولكن النواة المتواجدة في ليبيا الآن تجاهد في سبيل السيطرة على أكبر مساحة من الأرض لجذب مزيدًا من الأنصار في ظل الصراع الدائر بين برلمان طبرق وحكومة المؤتمر الوطني، وربما يستهدف التنظيم السيطرة على مناطق نفطية ليكون ظهيرًا اقتصاديًا كما هو الحال في العراق وسوريا، ويعتقد أنه في ظل الفراغ السياسي الذي تعاني منه ليبيا فإن فرص تمدد التنظيم داخل المدن الليبية كبيرة.
التنظيم بدأ في الإعلان عن نفسه رويدًا رويدًا هذا العام بعد أن كثف عملياته في ليبيا، حيث قام بتصفية 3 أشخاص وخطف آخرين، وتنفيذ عدة عمليات تفجيرية بسيارات مفخخة يقودها عناصره، الواقع يشير إلى أن التنظيم يزداد قوة وإمكانياته القتالية في ازدياد بالنظر لعدد ضحاياه المتزايد.
في حين تصر الحكومة المعترف بها دوليًا التابعة لبرلمان طبرق والموالية لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر،المعزولة في شرق البلاد، أن أي هجوم يحدث في ليبيا يقف وراءه تنظيم الدولة الإسلامية حتى أنها تصف قوات فجر ليبيا بأحد فروع داعش، على الجانب الآخر يُتهم المؤتمر الوطني العام في طرابلس بالتهوين من أهمية خطر تنظيم الدولة في ليبيا، حيث تنكر قيادات المؤتمر الوطني مسؤولية داعش عن أحداث وتفجيرات بعينها متهمين برلمان طبرق باستخدام فزاعة داعش لاستجداء التدخل الغربي في الصراع الدائر.
التنظيم بين هذا وذاك يتمدد بخطى ثابته ويمارس أنشطته في عدة أقاليم ليبية، حيث يرصد له تواجد في مدينة بنغازي وسرت وطرابلس، لكن الظهور الأبرز للتنظيم كان في درنة وبرقة، ويظهر عناصر التنظيم خلسة في المناطق التي لا يوجد شوكة قوية لهم بها، حيث يضطر عناصر التنظيم لعدم ممارسة أي نشاط مسلح والاكتفاء بنشاط دعوي يكون نواة للتجنيد بعد ذلك.
الجدير بالذكر أن التنظيم يعاني من منافسات جهادية مع غيره من التنظيمات المحسوبة على التيار الجهادي القاعدي كجماعة أنصار الشريعة المنضمة إلى قوات فجر ليبيا، بينما يرى تنظيم الدولة أن الانضمام تحت لواء قوات فجر ليبيا التي يقودها الإخوان في ليبيا غير جائز وشيء مشين بين الجهاديين، وعلى هذا قام التنظيم بتبنى خطاب مضاد هجومي على قوات فجر ليبيا مع تحاشي الاشتباك المباشر معها حتى الآن إلا في أحيان قليلة بسبب قوة النفوذ العسكرى لعملية فجر ليبيا في كثير من المناطق، إلا أن هذا الأمر يستفز عناصر أنصار الشريعة التي تعمل داعش على تجنيدهم لما بهم من تقارب فكري مع عناصر داعش، فيما يرى بعض المحللين في ليبيا أن الأمر قد يكون تكرار لثنائية داعش وجبهة النصرة في سوريا، إذا ما خلعت كتائب أنصار الشريعة عباءة فجر ليبيا.
وعلى مستوى قتال قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر فإن التنظيم استفاد من انتصارات فجر ليبيا بالتمدد هناك لكن ظهور بعض ما يطلق عليه “الصحوات” الموالية لحفتر أدخل التنظيم في نقاط اشتباك تتماس مع قوات برلمان طبرق بقيادة حفتر، ومنذ ذلك الحين والتنظيم يحاول تحجيم الصحوات المسلحة التي انطلقت ضد أنصار الشريعة بالأساس وعملية فجر ليبيا.
وسط كل هذا الارتباك لا تتبين القوة الحقيقة للتنظيم إلا أنه يعتقد أن التنظيم يعمل لهدف استراتيجي وهو فتح جبهة قتالية جديدة تحت راية التنظيم المؤسس في العراق وسوريا ليخفف الضغط عن معارك التنظيم هناك، حيث أن القرب من أوربا يجعل التهديدات الموجهة للغرب مضاعفة، كما يعتقد “فرانشيسكو ستازاري”، الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية أنه يُعتقد أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكنه تحقيق بعض النجاح من خلال تجنيد مزيد من المقاتلين واستغلال الكم الهائل من الأسلحة في ليبيا والصراع بين الحكومتين اللتين تحاولان التخلص من بعضهما البعض.