بعد سيطرة الحوثيين على قصر الرئاسة بصنعاء وقبيل اندلاع عاصفة الحزم، سحبت دول العالم بعثاتها الدبلوماسية العاملة في اليمن ورعاياها الذين لم يغادروا منذ عشرات السنين، تاركين البلد الذي يقطنه 25 مليون إنسان إلى سجن كبير وصفته اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالكارثي.
معركة الحصول على الخبز والوقود
يخوض إبراهيم صالح معركة يومية شاقة بشوارع صنعاء للبحث عما يكفيه من الوقود للوصول إلى منطقته النائية بغرب البلاد، هربًا من المدينة التي هجرها أغلب سكانها وأغلقت أغلب المحلات أبوابها بعد تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية فيها.
يتحدث صالح لـ “نون بوست” ومعه الآلاف من اليمنيين في العاصمة وعدة محافظات: “مكثت ثلاثة أيام بلياليها أنتظر في طوابير طويلة أمام محطات التعبئة لتعبئة 20 لترًا من البترول لكني كحال مئات المركبات عدت صفر اليدين”، لكن مواطنًا آخر يقول إن الحوثيين صادروا المشتقات النفطية المخصصة للمدنيين لتمويل معاركهم العسكرية.
ونفذت المواد الغذائية من المحلات التجارية، خاصة مواد القمح والدقيق والسكر، فيما ارتفعت أسعارها بالسوق السوداء بنسبة 50 بالمئة، ويسود الهلع من استمرار الحصار الجوي والبحري الذي فرضته عاصفة الحزم على اليمن واستمرار معارك التحالف العسكري لصالح والحوثيين في الجنوب.
واضطر صاحب مطعم “ذكريات زمان” للوجبات الصغيرة بوسط صنعاء، وهو من الرعايا الفلسطينين إلى إغلاق متجره الصغير وتسريح العمال، نتيجة الوضع الاقتصادي والانهيار الأمني الحاصل منذ سبتمبر المنصرم حينما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء قادمين من معقلهم الرئيسي في صعدة شمال البلاد.
وتدهور سعر العملة المحلية مقابل الدولار لأول مرة منذ أعوام، حيث اختفت العملة الصعبة من الأسواق المحلية، وقال ملاك محلات صرافة لنون بوست إن “تخوف الناس من انهيار العملة المحلية دفعهم لتحويلها بالدولار الذي أدى لارتفاع الدولار من 215 ريال إلى 225 ريال”، وسط توقعات باستمرار تدهور العملة المحلية.
وتعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية عالميًا، حيث تؤكد الأمم المتحدة وجود أكثر من 10 ملايين يمني يعيشون في ظل انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من مليون طفل دون سن الـ 5 سنوات أصيبوا بسوء التغذية الحاد، فيما لا يستطيع نحو 13 مليون شخص الحصول على المياه النظيفة، ونحو 8 ملايين يحتاجون لخدمات الرعاية الصحية.
عدن تعيش “الكارثة”
في مدينة عدن الجنوبية، يزداد الوضع سوءًا مع استمرار المعارك التي تخوضها وحدات عسكرية موالية للرئيس السابق علي صالح ومليشيا الحوثيين مع شبان المقاومة الشعبية، حيث يقول عبدالله حمادة إنه لا يوجد مكان آمن في المدينة الساحلية.
يضيف في اتصال هاتفي مع نون بوست “هناك جثث لاتزال مرمية في بعض الشوارع ونخوض معركة شاقة من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب والغذاء مع استمرار المعارك وأغلب الجرحى لا يجدون مكانًا آمنًا لتلقي العلاج، القناصة منتشرون على أسطح البنايات وغارات طيران التحالف تهز المدينة بين الحين والآخر، وأضاف “تم قنص طفلًا يدعى معاذ مراد من سطح البنك المركزي الذي يتمركز فيه مسلحون حوثيون بعد أن كان في إحدى وسائل النقل المحلية”.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة “أطباء بلا حدود” وصفتا أن الوضع الإنساني في عدن بالـ “كارثي”، وقالت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب في صنعاء ماري كلير فغالي إن “الوضع الإنساني في اليمن صعب جدًا، لاسيما أن البلاد تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية وأن الطرق البحرية والجوية والأرضية مقطوعة”.
إغاثة مع وقف التنفيذ
يوجد في اليمن آلاف المنظمات الإغاثية لكنها لا تقدم أي مساعدات للمتضررين، وسط استمرار عاصفة الحزم ومعارك الحوثيين وصالح وفقدان الآلاف لوظائفهم واتساع معدلات البطالة والفقر.
وتوقع مركز الإعلام الاقتصادي تجاوز عدد المواطنين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة لـ 12 مليونًا، مشيرًا إلى أن نسبة الفقر وصلت لـ 60 في المئة، لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
وطالب مركز الدراسات بالسماح لفرق الإغاثة الإنسانية لإيصال المواد الأساسية والدواء إلى المتضررين، مشيرًا إلى أن العديد من الأسر الفقيرة المحاصرة لم تستطع الحصول على المتطلبات الأساسية من الغذاء والدواء، بسبب إغلاق المحلات نتيجة استمرار القصف العشوائي.
ووجه المركز نداء استغاثة للمنظمات الإنسانية والإغاثية ومنظمات المجتمع المدني في المحافظات اليمنية المختلفة، للقيام بدورها في الوصول إلى المحتاجين في مناطق الصراع بعدن جنوبي اليمن.
المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سيتارا جابين، قالت إن طائرة صغيرة تحمل مساعدات طبية، هبطت الإثنين في صنعاء، في حين يراها البعض بأنها لا تكفي مع استمرار حالة الحرب والحصار المفروض.