ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
اتسم تاريخ الجبهة الوطنية الفرنسية بكثرة الخلافات العائلية التي وصلت إلى حد تهديد وجوده.
صرح جون ماري لوبان في مقابلة مع صحيفة اليمين المتطرف ريفارول بأن الجبهة الوطنية (يمين متطرف) “لن تؤتى يومًا من أبنائها”؛ قول مأثور لا يفتأ يثبت صحته على مر ثلاثين سنة في عائلة لوبان المنتسبة لهذا التيار، إذ ساهمت الوحدة مثل الخلافات في نسج المسيرة السياسية للجبهة الوطنية وصعودها المتدرج للواجهة، حيث تميزت مسيرة جون ماري لوبان بفضه المتواصل للخلافات السياسية والخاصة.
قصة زوجة الزعيم مع مجلة إباحية
ارتبطت بيارات لالان بجون ماري لوبان في زيجة ثانية سنة 1960 لتجمعهما الحياة السياسية والخاصة قبل أن يبدأ الثنائي في الانهيار تدريجيًا في الثمانينات لينتهي إلى الطلاق في مارس 1987، حين كان لوبان يستعد للترشح للانتخابات الرئاسية، هذا وقد دفع التوتر القائم بين والدي ماري كارولين ويان ومارين لوبان، والدتهما إلى إجراء مقابلة مع مجلة إباحية تناولت فيها زوجها السابق وأعلنت عن قرب صدور كتاب يحمل مفاجآت صادمة، لم يصدر حتى هذه اللحظة، لكن هذه الفضيحة لم تمنع لوبان الأب من حيازة 14% من الأصوات في الدور الأول وفرض الجبهة الوطنية على الساحة السياسية.
ماري كارولين لوبان، الابنة الجاحدة
كان الأب يفكر في البحث عن وريث سياسي له من بناته قبل صعود مارين لوبان إلى السلطة، فقد تولى الحملة الانتخابية لابنته الكبرى ماري كارولين في السباق البلدي لسنة 1985، الذي انتهى بحصولها على 16% من الأصوات في مواجهة العمدة نيكولا ساركوزي لتصبح بعدها عنصرًا مؤثرًا للحزب، حيث تقلدت منصب المستشار الإقليمي سنة 1992 وأصبحت عضوًا في اللجنة الوطنية منذ مؤتمر 1997، لينتهي هذا الصعود الواعد بصورة مفاجئة بعدها بسنة، حين اختارت ماري كارولين وزوجها فيليب أوليفيي الجزء المنشق عن الجبهة بقيادة برونو ميجرا، الأمر الذي اعتبره والدها في برنامج تلفزي لإحدى القنوات الفرنسية “تجليًا لعادة النساء في اتباع خطى الزوج عوض الأب”.
من جهتها حاولت ماري كارولين لوبان تهدئة الأجواء عبر توسطها بين الحركة الوطنية الجمهورية، غير أن مبادرتها باءت بالفشل إثر رفض والدتها الصفح عن “خيانتها”، وكان جون ماري قد رفض الحديث عن ابنته في برنامج وثائقي أعده سارجي مواتي سنة 2014، مفصحًا عن قطيعته معها، إلا أن هذه القطيعة لم تمنع الابنة من الهرع لطلب مساعدة والدها على تويتر إثر الخلاف الذي شب بينها وبين فلوريان فيليبو يناير الماضي، ومع إصرار فيليب أولفيي في الإبقاء على الشقاق المحتدم التحق صهر ماري كارولين بحركة نيكولا دوبون آنيون مطلع هذه السنة.
جاني لوبان ضد برونو ماجرا
وتتواصل المشاكل السياسية العائلية صلب الجبهة الوطنية التي كاد أن يودي بها خلاف حاد نشب بين لوبان الأب وذراعه اليمنى برونو ماجرا سنة 1998، حيث انتقد هذا الأخير بشدة الأفضلية المسندة لعائلة زعيم الحزب مهددًا إياه باتهامه بعدم الأهلية، مما دفع جون ماري إلى التصريح بإمكانية إسناد رئاسة قائمة الجبهة لزوجته جاني، الأمر الذي اعتبره برونو إهانة كبرى قادته إلى القطيعة النهائية مع هذا الهيكل السياسي لليمين المتطرف.
حلول مارين لوبان
قبل أن تتولى مارين لوبان قيادة الحزب، كانت سياسة الشيطنة التي تتبناها تثير استياءً داخليًا في الجبهة الوطنية، لكن ذلك لم يمنعها من الدفاع عن هذا الأسلوب الذي لم يرق لوالدها منذ انتخابات 2002، هذا وعلقت الابنة نشاطها بالحزب سنة 2005 إثر التصريح التالي لوالدها “لم يكن الاحتلال الألماني بفرنسا بتلك اللاإنسانية حتى وإن صدرت أخطاء لا يمكن اجتنابها في بلد تفوق مساحته الـ 550 ألف متر مربع”، ليدفع قرارها جون ماري إلى تقديم برونو جولنيش كسلف شرعي، غير أن مارين لوبان قررت أخيرًا الترشح لخلافة أبيها مدافعة عن مسارها الخاص قبل أن يتم فض النزاع بترشحها سنة 2011.
معارضة قياديي الحزب لمؤسسة إيذان بانطلاق عهد جديد
ما فتئ تباعد الرؤى بين مارين لوبان وأعضاء حزبها يُنشِط الحياة السياسية للجبهة الوطنية، حيث تأجج الوضع على خلفية الجدال غير المنتهي حول مسألة الشيطنة وبروز ماريون ماريشال حفيدة الزعيم وابنة أخت مارين التي مثّل انتخابها نائبة عن فوكلوز وقربها من جدها جسر وصل بين الشقين “التقليدي” و”الحداثي” داخل الجبهة، هذا ولم تتوان الفتاة عن تحدي خالتها خريف 2014، بالتحاقها بالشق الرافض لاستقبال سيباستيان شينو المنشق عن الاتحاد من أجل حركة شعبية وذلك بسبب تصريحه بمثليته الجنسية، كما أعلنت بعدها عن موافقتها لترشيح جون ماري لوبان عن منطقة باكا في ديسمبر 2015، علاوة على دعمها للنائب الأوروبي آيماريك شوبراد المرفوض علنًا من قِبل مارين لوبان، ليتم بذلك إثبات نظرية “الاستبدال الأكبر” الذي ما فتأت تنكره الجبهة الوطنية.
مهما كانت نتائج “الأزمة غير المسبوقة” التي تعصف بالجبهة، كما أطلقت عليها مارين لوبان، تعتبر معارضة قياديي الحزب لمؤسسه إيذانًا بانطلاق عهد جديد، هذا ويسنح النفوذ الرمزي للقطيعة العائلية والسياسية للابنة فرصة الانتصار لإستراتيجية الشيطنة التي تصعب مناقشتها من قِبل خصومها السياسيين، كما تفسح لها مجال تسيير الحزب الذي لطالما سيطر عليه رئيسه الشرفي لما يزيد عن 30 سنة، حيث إنها تتبع خطى والدها في التضحية بالقرابة الدموية من أجل مصلحة التنظيم، معلنة على غراره بأنها “لن تسمح لأحد بإضعاف الجبهة الوطنية”، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الرابط العائلي هو ما مكن رئيسة الحزب من إحكام قبضتها على الجبهة.
المصدر: لوفيجارو الفرنسية