النظام السوداني يخوض انتخابات أحادية الجانب

الانتخابات التي انطلقت اليوم في السودان، هي الانتخابات التاسعة من نوعها في دولة السودان، التي تعتبر أول دولة عربية عرفت الانتخابات الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية التي أقيمت في عام 1953، قبيل الاستقلال بمشاركة خمسة أحزاب سياسية هي: الحزب الوطني الاتحادي، حزب الأمة، كتلة الجنوب، الحزب الجمهوري الاشتراكي، والجبهة المعادية للاستعمار، تلاها انتخابات عام 1956، ثم عام 1958.
واليوم تشهد السودان انتخابات عامة تستمر ثلاثة أيام من أجل اختيار رئيس الجمهورية وممثلي البرلمان الوطني وبرلمانات الولايات، التي من المقرر أن يتم الإعلان عن نتائجها في 27 أبريل الحالي، تشترك في هذه الانتخابات أحزاب متحالفة مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يترأسه عمر البشير، الرئيس الحالي، الذي يتنافس مع 15 مرشحًا آخر على رئاسة الجمهورية، في مقابل أحزاب المعارضة المقاطعة.
تسعى المعارضة لحشد الجماهير للخروج في تظاهرات متزامنة مع إعلان النتائج، حيث تطالب المعارضة بتأجيل الانتخابات للمشاركة في عملية حوار شامل مع النظام، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على صياغة دستور دائم للبلاد، وإجراء انتخابات نزيهة، بينما يرفض النظام هذا الاقتراح مبررًا ذلك بوضع البلاد في حالة فراغ دستوري.
نسبة إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع متباينة مع انتصاف اليوم الأول، ففي بعض مراكز الاقتراع في العاصمة الخرطوم، اصطف الناخبون في طوابير للإدلاء بأصواتهم بينما شهدت مراكز أخرى عددًا بسيطًا من الأفراد، ولكن الوضع العام يشي بفاعلية دعاوى المقاطعة.
رغم كل محاولات الرئيس السوداني “عمر البشير” والنظام السوداني لتقديم مبادرات لقوى المعارضة كي تحثها على المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي بدأت اليوم الإثنين وتستمر ثلاثة أيام، سواء عبر مبادرات مثل إطلاق سراح ثلاثة معارضين هم (فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قوى الإجماع المعارضة، أمين مكي مدني رئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني، وفرح عقار القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني الحاكم) بعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلا أن الانتخابات تشهد مقاطعة من أكبر القوى المعارضة التي تطالب بتأجيلها، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على صياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، لقبول دعوة الحوار التي أطلقها البشير مطلع العام الماضي.
فيما دشنت قوى معارضة في السودان قبيل الانتخابات حملة تحت عنوان “ارحل”؛ تدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية ورحيل الرئيس البشير وحزبه المؤتمر الوطني، انطلقت الحملة من مقر حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي، واعتبرها الحزب الحاكم موقفًا سلبيًا من جانب المعارضة وخوفًا من المواجهة الشعبية، هذا ووقّعت قوى معارضة على وثيقة تسمى “نداء السودان” مع “الجبهة الثورية” المسلحة المتمردة على الخرطوم في إثيوبيا؛ ما أدى لاعتقال ثلاثة معارضين أفرج عنهم النظام قبيل الانتخابات.
برغم من مشاركة 16 مرشحًا في الانتخابات، بينهم الرئيس الحالي العسكري “عمر البشير” وسيدة سودانية لأول مرة، إضافة إلى محامين وشخصيات مغمورة، يُرَوج أنها مدعومة من المؤتمر الوطني لإبطال دعاوى مقاطعة الانتخابات، فقد كان من المتوقع أن يشارك “الصادق المهدي” رئيس الوزراء السوداني الأسبق، و”ياسر عرمان” القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولكنهما انسحبا لاتفاق المعارضة على المقاطعة، التي قالت إن مثل هذا السباق محسومًا للرئيس عمر البشير.
يُذكر أن البشير تولى الحكم عام 1989 من خلال انقلاب عسكري قاده بدعم من إسلاميي السودان، كما أن المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه ذات صلة بتهم ارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور الغربية، وبذلك يصبح أول رئيس تصدر بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية وهو في السلطة حتى الآن.
وكان البشير قد فاز بأغلبية 68.24 % في أول انتخابات تعددية شهدتها البلاد بعد 21 عامًا من الحكم العسكري، بدعم من الإسلاميين في البلاد؛ ما جعله يتحدى مذكرة توقيف دولية عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وفوزه المتوقع في هذه الانتخابات أيضًا سيمثل تحديًا للجنائية الدولية التي سعت لنقل ملفه إلى مجلس الأمن لتقرير مصيره في ظل عدم قدرتها على اعتقاله ومحاكمته.
وعن دعوات إسقاط النظام السوداني التي صدرت عن رموز المعارضة، صرحت مريم الصادق المهدي المعارضة السودانية بقولها، إن ظروف البلاد الراهنة لا تسمح بإجراء الانتخابات الحالية، رغم إيمان التيارات السياسية بها كآلية صالحة لتداول السلطة، كما صرحت أن النظام يستدرجهم للعبة الانتخابات حتى يستقي شرعية جديدة، وأكدت أيضًا أن المعارضة الآن لا تسعى لإصلاح النظام وإنما تطالب بإسقاطه.
أخفق النظام السوداني في الفترة التي سبقت الانتخابات في إجراء حوار وطني حقيقي، لتهدئة الصراعات والتمهيد لعملية سياسية تشمل الأطياف كافة، وهو ما اعتبرته الحكومة تشويهًا متعمدًا من جانب المعارضة، بهذا يتعرض نظام البشير إلى مأزق سياسي في هذه الانتخابات أحادية الجانب.
المجتمع الدولي يضغط على النظام أيضًا، من خلالهم الامتناع عن مراقبة الانتخابات، حيث أعلن النظام بأن مراقبين دوليين امتنعوا عن المشاركة في الرقابة على الانتخابات، من بينهم بعض مراقبي الاتحاد الأوروبي ومركز “كارتر”، ما يثير تساؤلات حول هذه الضغوط الدولية، بينما أعلنت مفوضية الانتخابات أن 8 منظمات أخرى دولية ستراقب الانتخابات، ومن جهة رد الفعل الرسمي السوداني، استدعت وزارة الخارجية السودانية، ممثلة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، بسبب تصريحات مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “فديريكا موغريني”، التي قالت في بيان، إنه لا يتوافر مناخ يتيح إجراء الانتخابات، وصرحت نصًا أن الشعب السوداني يستحق ما هو أفضل، لذا فضلنا عدم المشاركة في تأييد هذه الانتخابات من خلال الامتناع عن مراقبتها.
كما صرح مصطفى عثمان إسماعيل، رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، تعقيبًا على موقف مجموعة الاتحاد الأوروبي، بقوله إن هذا الموقف ليس مستغربًا من الأوروبيين، وأنهم يحملون موقفًا مسبقًا منحازًا ضد السودان.
لتأتي هذه الانتخابات في ظل أزمة طاحنة يعاني منها النظام السوداني الذي اضطر للجوء لدول الخليج لدعمه اقتصاديًا في هذا التوقيت، عن طريق المشاركة في العملية العسكرية “عاصفة الحزم”، حتى يستطيع مواجهة التحديات السياسية الداخلية في ظل هجوم شرس من المعارضة على النظام الحاكم المتهم بالفشل السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى ظهور دعوات صريحة لإسقاطه.