إذا كنت قد شاهدت الإعلان الترويجي الذي أطلقته حملة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، للإعلان عن ترشحها للرئاسة في الولايات المتحدة، فلعلك لاحظت الحميمية التي يبثها الفيديو الدعائي، وربما التنوع – المبالغ فيه بالنسبة للكثير من الأمريكيين – الذي يطغى على الفيديو، وبالتأكيد الثقة التي بدت فيها المرشحة التي قد تكون إحدى أكبر رؤساء الولايات المتحدة عمرًا، وأصغر سيدة تحكم من المكتب البيضاوي بحكم كونها الأولى.
الثقة التي تتمتع بها كلينتون ليست وليدة اللحظة، فقرينة الرئيس الأمريكي الأسبق، كانت قد أعلنت عن نيتها خوض السياسة مبكرًا للغاية، ففي 23 نوفمبر 1999 أعلنت هيلاري كلينتون لأول مرة عن نيتها الترشح لانتخابات الكونغرس، وفازت على منافسها الجمهوري باثنتي عشرة نقطة وهو ما أهلها لتخدم بين 2001 و2009 كسيناتور عن ولاية نيويورك.
وحتى قبل أن ترشح نفسها كنائبة، كانت كلينتون قد استطاعت خلال وجودها في البيت الأبيض كسيدة أولى أن تؤثر بشكل أو بآخر في المجتمع الأمريكي، إلى الحد الذي جعل كُتاب سيناريو المسلسل الأكثر شهرة “الأصدقاء”، أن يطعّموا إحدى حلقات موسمهم الخامس، والتي تمت إذاعتها لأول مرة في يناير 1999، بنكتة تقول “إننا يجب أن ندعم الرئيس كلينتون، وزوجه بيل” في إشارة إلى سيطرة هيلاري على زوجها، وهو ما لا يوجد من الأدلة ما يدعمه بقوة شديدة، لكن المؤكد أنه في هذا الوقت كانت شعبية هيلاري قد وصلت مداها، إذ كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 65% من الأمريكيين ينظرون إلى هيلاري بصورة إيجابية، وهي النسبة التي تكررت تقريبًا أثناء بدايات توليها وزارة الخارجية في 2009 إلا أن هذه النسبة سرعان ما هبطت من جديد إلى قرابة 55% من الأمريكيين، وبشكل ما تنعكس هذه النسبة أيضًا داخل الحزب الديموقراطي الذي بحلول يناير 2015 كان من يفضلون هيلاري كلينتون يبلغون قرابة 47% مقابل 45% ممن لا يفضلونها.
هيلاري كلينتون قوية بالفعل، ورغم أن شعبيتها هوت أربع مرات على الأقل على مدى السنوات الـ 20 الماضية، إلا أنها تمكّنت من استعادة توازنها في كل مرة، إنها تستغل حوادث الدهر ببراعة كي تثبت نفسها، فقد استطاعت أن تنقذ زواجها من بيل بعد فضيحة متدربة البيت الأبيض مونيكا ليونسكي، بل إنها كانت تدافع عنه أمام الإعلام بشكل مستميت متحدثة عن “المؤامرة واسعة النطاق من اليمين”، فمن الواضح أنها في حملتها الجديدة لا تقدم نفسها على أنها أول امرأة قد تصبح رئيسة للولايات المتحدة فحسب، لكنها أيضًا تقدم نفسها كنسوية قديرة.
محاولتها الأولى للترشح للرئاسة كانت بعد حملتها الأولى بأكثر من سبع سنوات، عندما قررت خوض الانتخابات التحضيرية داخل الحزب الديموقراطي للفوز بدعم الحزب للترشح، لكن معسول الكلام، أستاذ الحقوق الأسود خريج جامعتي كولومبيا وهارفارد كان أكثر جاذبية من أن يرفضه الديموقراطيون، ثم الأمريكيون الذين انتخبوه لفترتين تنتهيان بنهاية 2016.
ورغم أن باراك أوباما كان قد هزم كلينتون في السابق، إلا أنها قد استفادت منه على ما يبدو في حملتها الانتخابية هذه المرة؛ فقد قررت أن تبدأ حملتها، خلافًا للمرة السابقة، بسلسلة من الفعاليات الصغيرة، محاولة بناء فريقها بأناة إذ إن الوقت في صالحها، فقد بدأت مبكرًا للغاية، تقول التقارير إنه في ظهر أحد أيام شهر سبتمبر الماضي، دلف ديفيد بلوف، مدير الحملة الانتخابية لأوباما إلى منزل كلينتون في العاصمة واشنطن ليطرح رؤيته في انتخابات 2016، فالاستعانة بالشخص الذي هزمها في 2008 لم يكن مستغربًا لمن عرف كلينتون.
حتى الآن، تبدو المعركة أكثر احتدامًا على الجهة الأخرى، فالمعارضون الجمهوريون كثر، ولديهم مرشحوهم للرئاسة وهم مستعدون لمهاجمة كلينتون، هؤلاء من بينهم الحاكم السابق لفلوريدا جيب بوش، والحاكم السابق لويسكونسن سكوت ووكر، والسيناتور تيد كروز من تكساس وماركو روبيو من فلوريدا.
لكن الحزب الديموقراطي لا يمتلك مرشحًا آخر، ولا يبدو أن هناك رغبة لذلك، فالمعدلات العالية من القبول والتي تحظى بها كلينتون تعلو بفارق كبير عن أي من المرشحين الآخرين المحتملين مثل إليزابيث وارين، القيادية الديموقراطية والسيناتور عن ماساشوستس، أو نائب الرئيس الحالي جو بايدن، أو بيرني ساندرز السيناتور عن فيرمونت والبالغ من العمر 73 عامًا، كلينتون تبلغ الآن 67 سنة، وهي المرة الثانية التي تترشح فيها، وعلى الأرجح ستكون الأخيرة، فكلينتون كانت في الـ60 من عمرها عندما قررت الترشح لأول مرة، وإذا ما قُدر لها الفوز في تلك الانتخابات فإنها ستكون في الـ 69 من عمرها بحلول الوقت الذي تفتتح فيه منصبها الجديد في يناير عام 2017.
لا يمكن لكلينتون أن تصل إلى الرئاسة بدون حملة قوية، وهذا يعني أن عليها أن توفر أموالاً طائلة للإنفاق على حملتها، بعض التقارير أشارت إلى أن حملة كلينتون تريد جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار، الرقم ضخم مقارنة بجميع أرقام الحملات السابقة للجمهوريين أو الديموقراطيين، وإنفاق مثل هذا المبلغ، أو حتى جمعه، سيعرض كلينتون للعديد من الاتهامات بتجاهل الوضع السيء للاقتصاد الأمريكي وبأنها قريبة من الشركات الكبرى، هذا الأمر قد يسبب لها مشكلات أكثر مما يمكن أن تحتمله، حيث إن قربها من الشركات برز خلال هجمات سابقة عليها وعلى المؤسسة التي أنشأتها مع زوجها بيل وابنتهما تشيلسي.
العديد من المشكلات التي تعرضت لها كلينتون على مدار الـ 25 عامًا من وجودها في دائرة الضوء، والادعاءات الكثيرة التي وُجهت إليها والتي تناولت كل تفصيلة من حياتها الشخصية، جعلت من كلينتون شخصًا أكثر حرصًا، تتعامل مع الإعلام بحذر شديد فهي تقول للسكرتير الصحفي لزوجها أثناء توليه منصبه إنها يجب أن تكون حذرة “فأنا ألعب بالنار”.
لكن ما الذي ستقوله كلينتون للإعلام إذًا؟ الفيديو الترويجي لحملتها الانتخابية يقول عددًا من الأشياء؛ فهي تتحدث عن العائلة الأمريكية، ولديها تاريخ في الحفاظ على زواجها – ربما لهذا السبب تحديدًا – في أحلك الظروف، كما أنها ستعزف على نغمة المساواة والعدل، فيُظهر إعلان الحملة أمًا عزباء، أو تبدو كذلك، وشخصين مهاجرين من أمريكا الجنوبية غالبًا، وزوجين من مثليي الجنس، رجلين وامرأتين، وفتاة أمريكية من أصل أسيوي.
ستركز هيلاري أيضًا على الاقتصاد، وهو أول ما قالته في كلمتها القصيرة في الدعاية الانتخابية، إذ تحدثت عن “صراع الأمريكيين في الأوقات الاقتصادية الصعبة”، تقول كلينتون أيضًا إن رجل الشارع الأمريكي يحتاج إلى بطل، وإنها ستكون ذلك البطل، ربما تحيل كلينتون بذلك على باراك أوباما الذي يراه الكثيرون داخل الولايات المتحدة وخارجها ضعيفًا بالقدر الذي لا يسمح له بالتدخل لوضع حلول جذرية.