ماذا وراء زيارة وزير خارجية المغرب لإسبانيا؟

imagene-528x415

توجه وزير الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار، يوم الإثنين، إلى برشلونة لحضور لقاء غير رسمي للاتحاد الأوروبي ودول جنوب حوض المتوسط، وهو اللقاء الذي سيكون فرصة لعقد لقاء ثنائي مع نظيره الإسباني خوسيه جارسيا مارجايو، لتهدئة الأزمة التي أثارها قرار ملاحقة 11 مسؤولاً مغربيًا بتهمة “الإبادة الجماعية”.

أزمة جديدة بين البلدين

اندلعت أزمة دبلوماسية صامتة بين المغرب وإسبانيا مؤخرًا جرّاء موافقة القاضي الإسباني بابلو روث، على ملاحقة 11 مسؤولاً مغربيًا بينهم عسكريين بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية” في الصحراء المغربية بين سنتي 1975 و1992، وتأتي متابعة المسؤولين المغاربة، على خلفية العثور سنة 2013 على مقبرة جماعية قرب منطقة أمغالا بالصحراء المغربية، استُخرج منها رفات ثمانية أشخاص، تم تحديد هويتهم بالاعتماد على الحمض النووي، وتأتي الملاحقة أيضًا بالاعتماد على العديد من شهادات الضحايا.

ومن بين أبرز المتهمين حفيظ بن هاشم، الذي شغل منصب عامل بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية حتى سنة 1997، وواسو سعيد الذي كان عاملاً على مدينة السمارة بين سنتي 1976 و1978، ونائب عامل السمارة لحسن أوشن، وسامي بن براهيم المسؤول في جهاز الأمن الوطني، والمسؤول العسكري في الجيش المغربي عبد الحق لمدور، وإدريس السباعي المسؤول في جهاز الدرك الملكي، إضافة إلى مسؤولين آخرين منهم مولاي أحمد البورقادي، وعبد الغني الودغيري، كما رفض القاضي متابعة ثمانية مسؤولين آخرين لعدم كفاية الأدلة.

وقبل هذا القرار القضائي، شهدت المغرب حادثة اختفاء 3 سياح إسبان في المنطقة الجبلية بين مراكش وورزازات، وذكرت مصادر قريبة من فريق الإنقاذ أن السياح الإسبان المتخصصين في تسلق الجبال، جرى تحديد موقعهم على بعد 80 كيلومترًا من مدينة ورزازات، وكان كل من خوان بوينو بوليفار، المتخصص في اكتشاف المغارات، وخوسي أنطونيو مارتينز وغوستافو أورتيغا، قد انفصلوا عن مجموعتهم السياحية التي كانت تضم 9 سياح، حيث فضل الثلاثة البقاء في قلعة مكونة بينما اتجه مرافقوهم صوب زاوية أحنصال بإقليم أزيلال، وقام بعدها السياح المفقودون بجولة في جبال المنطقة بدون اللجوء إلى خدمات مختصين أو دليل سياحي، مما جعلهم يضيعون في المنطقة ويتأخرون عن الالتحاق بزملائهم في منطقة “تكرافت”.

ورغم محاولات السلطة المغربية إنقاذهم، تم الإعلان على موت سائحين اثنين فيما وُجّه الثالث إلى العناية المُركزة، ورغم إثناء رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي على المجهودات الجبارة للسلطات المغربية، على حد وصفه، التي باشرت عملية الإنقاذ، وجهت وسائل الإعلام الإسبانية اتهامات وانتقادات عديدة، عبر خبراء وعائلات الضحايا ومسؤوليين أمنيين إسبان، إلى السلطات المغربية والإسبانية على حد سواء، وحمّلوا الجانبين المسؤولية في ضعف التنسيق وبطء التدخل وجديته، كما ألقوا باللوم على الجانب المغربي الذي، حسب كثير من التصريحات، لم يسمح بتدخل فرق خبراء إسبان مختصة في مجال الإنقاذ في المناطق الوعرة، حيث اعتقدت السلطات المغربية أن بإمكانها مباشرة الأمر بمفردها.

وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة السلطات المغربية إلا أنها اختارت عدم التورط في التصريحات والتصريحات المضادة.

المغرب يرد بعنف                                       

وصفت الرباط قرار القضاء الإسباني بملاحقة الـ11 مسؤولاً بـ”المسخرة”، معبرة عن “استغرابها” ومستنكرة “الاستغلال السياسي” تزامنًا مع اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء، وقال بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، يوم السبت 11 أبريل، إن “الأمر يتعلق بمحاولة جديدة لإحياء ملف قديم بعد تلك التي تمت سنة 2007، والتي اتضح أنها بدون جدوى ومليئة بأخطاء خطيرة في الوقائع وبعدم الانسجام، مما جعلها أقرب إلى المسخرة”، وبحسب وزارة الخارجية المغربية فإن “الوقائع المثارة تعود لما يزيد عن 25 سنة، وبعضها لما يقرب من أربعة عقود، وهي تهم فترة تاريخية خاصة جدًا، وملابسات معينة ترتبط بمواجهات مسلحة من عهد آخر”.

وأضاف البيان أن إثارتها مجددًا اليوم، تنم بالخصوص، عن الرغبة في استغلالها سياسيًا، بالإضافة إلى أن هذه الوقائع شملتها أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة التي تأكدت مصداقيتها وجديتها على نطاق واسع، واعتبرت الخارجية المغربية أن توقيت إحياء هذه القضية المزعومة، بالتزامن مع اقتراب الاستحقاقات الأممية السنوية المتعلقة بملف الصحراء المغربية يدل بشكل واضح على الأطراف، المعروفة جيدًا، التي تقف وراء هذه المناورة وتكشف أجندتهم السياسية الحقيقية، واتهمت الخارجية المغربية القضاة الإسبان “بوضع مسؤولياتهم داخل النظام القضائي الإسباني، في خدمة تحركات تستهدف العلاقات المغربية الإسبانية، التي تعيش اليوم مرحلة واعدة ومن مراحلها الأكثر هدوءًا”.

وأعربت الرباط من خلال هذا البيان عن “استعداد المغرب للتعاون الكامل مع السلطات الإسبانية للبرهنة على أنه لا أساس لهذه الاتهامات”، مجددة رفضها “المبدئي لمتابعة مواطنين مغاربة في الخارج، عن أفعال يفترض أنها ارتكبت فوق التراب الوطني وتبقى بالتالي من اختصاص القضاء المغربي”.

إسبانيا تلطف الأجواء

ما إن صدر قرار القاضي الإسباني “ابلو روبث” بفتح الدعوى ضد 11 مسؤولاً في الجيش والشرطة المغربية، وإصدار مذكرة اعتقال في حق سبعة منهم، حتى سارع الموقف الرسمي الإسباني إلى محاولة احتواء أي أزمة دبلوماسية من الممكن أن تحدث بسبب هذا التحقيق القضائي، من خلال التأكيد على “التعاون المميز بين المغرب وإسبانيا”، حيث قالت نائبة رئيس الحكومة الإسبانية، سوريا ساينز دي سانتا ماريا، إن بلادها “تعمل على الحفاظ على تعاون قوي مع المغرب في مختلف الميادين”، خصوصًا في مجال الإرهاب ومكافحة الهجرة السرية وتهريب المخدرات”، وذلك خلال الندوة الصحفية الأخيرة التي عقدتها رئاسة الحكومة الإسبانية.

وطغى على الندوة الصحافية موضوع العلاقات المغربية الإسبانية، أولاً بسبب تصريحات المستكشف الإسباني حول ملابسات وفاة اثنين من رفاقه في المغرب واتهامه لهذا الأخير “بالتقصير في إنقاذ زملائه”، معلنًا نيته رفع دعوى قضائية ضد المغرب، والسبب الثاني هو القرار القضائي بإصدار مذكرة اعتقال في حق المسؤولين المغاربة.

واعتبرت نفس المتحدثة أن التعاون بين البلدين “هو تعاون ضروري ومهم” نظرًا للتحديات التي تواجهها المنطقة وخصوصًا التحديات الأمنية، “لهذا يجب العمل على المضي قدمًا في طريق تعزيز العلاقات بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة”، وعلقت المسؤولة الإسبانية على عملية إنقاذ المستكشفين الإسبان في منطقة ورزازات، بكون المغرب “أظهر إرادة قوية في إنقاذ المستكشفين”، نافية أن يكون هناك تقصير من طرف المغرب لإنقاذهم.

تهدئة دبلوماسية من أجل ملف الصحراء الغربية                                                                               

شارك وزير الخارجية المغربي في اللقاء غير الرسمي للاتحاد الأوروبي ودول جنوب حوض المتوسط، رغم أن مشاركته لم تكن متوقعة، إذ كان من المقرر أن تحضر امباركة بوعيدة الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، لرئاسة الوفد المغربي في العاصمة الكاتالونية، في الوقت الذي اعتذر في مزوار يوم الخميس الماضي عن القدوم بحجة سفره إلى واشنطن، للقاء نظيره الأمريكي جون كيري في إطار حوار إستراتيجي بين البلدين.

وعلى هامش اللقاء، أجرى  مزوار مباحثات مع نظيره الإسباني خوسيه جارسيا مارجايو، وبحضور امباركة بوعيدة الوزيرة المنتدبة، وسفير المغرب بمدريد فاضل بنعيش، وهي المحادثات التي أكد خلالها الوزيران على أن البلدين “يتحملان مسؤولياتهما من أجل الحفاظ على المستوى المتميز لهذه العلاقات، والحيلولة دون المساس بها من طرف أي جهة كانت” ، بحسب ما نقلته مصادر إعلامية مغربية.

على عكس سمة الصخب التي أصبحت ميزة للدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، ورغم الرد الجاف على قرار القاضي الإسباني؛ يبدو أن المغرب بحث، من خلال مشاركة مزوار في اللحظات الأخيرة، عن تطويق الأزمة مع مدريد، وهو ما فسره بعض الملاحظين على أنه تفكير مغربي في ملف الصحراء الغربية، باعتبار أن إسبانيا اليوم لها مقعد غير دائم في مجلس الأمن الذي سيصوت قريبًا على التمديد لبعثة المينرسو التي تنتهي مهمتها في الثلاثين من الشهر الجاري.