“اتجمعوا العشاق في سجن القلعة، اتجمعوا العشاق في باب النصر، اتجمعوا العشاق في الزنزانة، مهما يطول السجن مهما يطول القهر، مهما يطول السجن في السجانة، مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر”. أحمد فؤاد نجم
بوجوه باسمة وكلمات بسيطة راضية، استقبل الشباب المحكومون بالمؤبد، الأحكام الظالمة التي نطق بها أحد أساطين القضاء الشامخ في مصر، تلك البلد المحكومة بتأبيد الجرح، وتأبيد اللوعة، وتأبيد الوجع الذي بات رفيقًا ملازمًا لأم الدنيا.
سامحي مصطفى، عبد الله الفخراني، محمد العادلي، وآخرون، كتبوا على صفحاتهم كلمات بسيطة عن الرضا بقضاء الله، والأمل بانتهاء الظلم الذي وقع عليهم، وعن عدد السنوات التي “قد” يقضونها في السجن ظلمًا: المؤبد!
خمسة وعشرون عامًا من السجن لشباب في ربيع العمر، ثمنًا للكلمة الحرة، وللقلم الذي لم يحسن بيع المواقف، وللكاميرا التي بثت للعالم ليالي وأيام رابعة – آه من أيام وليالي رابعة!- وللمايكرفون الذي نقل قليلاً من أصوات المتظاهرين بين صخب المايكروفونات المأجورة التي أدمنت نقل تصريحات الجنرالات وأصوات “بياداتهم” وهي تدوس على مستقبل بلد بأكمله.
بوجوه باسمة، وقليل من الأسى استقبل شباب مصر أحكامهم، ولأمر ما، مثلت هذه الأحكام الظالمة شأنًا شخصيًا، وألمًا شخصيًا، للكثيرين ممن لا يعرفونهم، فلعل الوجوه الضاحكة برغم عتمة السجن، والملامح التي لم يترك الدهر بعد علاماته وتجاعيده عليها، ولعل الكلمات البسيطة البعيدة عن اصطناع بطولة مدعاة، وإن كانوا يستحقونها، والعيون الشاخصة إلى مستقبل مجهول كمستقبل مصر بنظرة واثقة، أعطت للقضية العامة بُعدًا شخصيًا لكل من تابعها، فكيف لا يكون اغتيال الياسمين شأنًا شخصيًا لمن اعتاد استنشاق عبيره؟! وكيف لا يكون اعتقال الفراشات شأنًا شخصيًا لمن أدمن طيرانها؟! وكيف لا يكون “حبس” الندى شأنًا شخصيًا لمن واظب على اكتحال العين بأوراق الشجر المبللة برطوبته العذبة؟! وكيف لا تكون سرقة عشرات الأحلام والذكريات والآمال الجميلة لشباب بعمر الورد شأنًا شخصيًا لمن لايزال يتذكر أنه إنسان؟!
…
“دلوقتي كدا أنا هاطلع هابقى المرشد العام للإخوان”، سامحي مصطفى ساخرًا بعد الحكم عليه بالمؤبد.
…
“صامدون .. كلها 25 سنة”، عبد الله الفخراني بعد الحكم عليه بالمؤبد.
في تعليقات الشباب المحكومين تجد الكثير من السخرية، والقليل من الحزن، وقدرًا فائضًا من الرجولة، وتسليمًا كاملاً بقضاء الله، وإيمانًا لا يتزعزع بمستقبل مصر، فهؤلاء الشباب الذين شهدوا قيامة الشعب المصري في يناير، ووثقوها لحظة بلحظة، وأملاً بأمل، وخسارة بخسارة، وانتصارًا بانتصار بكاميراتهم البدائية، وأزرار “كيبورداتهم”، أدركوا أن يوم المستبد وإن طال، فإن الابتسامة الواثقة ستسدل الستارة عليه، وأن السجان مهما تكبر فإن الكلمة أكبر منه، وأن الفاشيين مهما تجبروا فإن ضحكة المقهورين ستغلبهم ولو بعد حين.
وفي وجوه سامحي مصطفى وأصدقائه المحكومين بالأمل، تتجلى مصر بابتسامتها الخالدة، وبتضاريسها الواسعة، فيعطيهم النيل نضارته التي تتحدى جفاف الزنازين بظامها “الباذخ”، وتعطيهم الصحراء اتساعها وصفاءها وأملها الأقوى من سراب الاستبداد، وتعطيهم الأهرامات ثباتًا يليق بشباب مصر، فمن ذا الذي يقدر أن يغلب شبابًا تتكثف أمهم الأرض بكامل تفاصيلها في وجوههم السمر، ومن ذا الذي يستطيع أن يصدر حكمًا بالإعدام على مستقبل وطن وشبابه، و”مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر”؟!
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع عربي 21